التعايش بين أفراد المجتمع مع اختلاف التوجهات الفكرية واختلاف الطوائف والمذاهب بل واختلاف الدين ضرورة لتحقيق أمن البلاد والعباد، وهذا التعايش غير التقارب في الآراء والطوائف والمذاهب والأديان، فهو ليس ضرورة بل يصعب تحقيقه.
ولقد تعايش النبي عليه السلام مع اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين تحت عقيدة “لكم دينكم ولي دين”، وحسن التعامل معهم ما لم يغدروا أو يخونوا، ومساحة التقارب أو التقريب بين الآراء والتوجهات والقناعات والمذاهب ضيقة وغاية في الصعوبة، وخاصة إذا كان كل طرف يريد تقريب الثاني إليه، فيكون الاتجاهان متعاكسين لا يلتقيان بل قد تكون النتيجة في نهايتها أسوأ مما كانت عليه في بدايتها.
وأما التعايش فمساحته فسيحة لحيوية عناصر الجذب فيه ومحاوره، فمحور الأخلاقيات والمبادئ والإخاء وقل المصالح أيضاً وقبل ذلك الشعور بالانتماء الوطني الذي ولدنا فيه وجلسنا على مقاعد الدرس في مراحل العمر كلها ثم التقينا في مجالات العمل، فمنا رئيس ومرؤوس، هذا وغيره يضفي على التعايش روحاً وحيوية وعملاً مشتركاً لرفعة وتنمية البلد الذي ضم الجميع.
ولكن لهذا التعايش متطلبات:
أولاً: قبول الآخر: لا بد أن تقبل الآخر باعتباره إنساناً له كرامة من الله منحها له باعتباره خلقاً من خلقه، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء:70)، سواء من كان أمامك مسلماً أو غير مسلم، فلا تَفْضْله باعتباره إنساناً، فأنتما عند الله سواء وإن كنت تفضله بالإسلام لا بالإنسانية، والإنسان يتعايش مع أخيه الإنسان، والله خلقنا جميعاً من نفس واحدة بلا تفاضل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) (النساء:1)، وجعل من ضرورة الحياة والتعايش وسبيله ووسيلته التعارف، فقال عز من قائل: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13)، والتفاضل هو بالإيمان وتقوى الله، فقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13)، أي كلكم مكرمون ولكن المؤمنين عند الله أكرم لتقواهم وإيمانهم.
ثانياً: احترام الرأي الآخر فكراً ومذهباً بل وديناً، إذ لا يلزم من الاحترام الرضا والقبول بالرأي أو المذهب أو حتى الدين الآخر، ولا تناقض في هذا ولا رياء، بل الفطرة التي فطر الله الناس عليها فلا يمكن أن يتفق الناس على كل شيء؛ (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118}) (هود)، والمصالح المشتركة تصلح وتؤلف بين الناس ليحققوا مصالحهم الحياتية ويدرؤوا عن أنفسهم المضار والمهالك؛ (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة:256)، وقال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8}) (الممتحنة).
ثالثاً: ألا يجرح بعضنا بعضاً فرداً أو جماعة أو يعيبه أو يسب أو يحقر رموزه، فهذا يتنافى مع التعايش، بل نتعاون على الاحترام المتبادل.
رابعاً: الاتفاق على محاربة المجرمين من أي طرف، وأن ننبذ الشواذ والمنحرفين من بيننا، وأن نتعاون فيما نتفق ونصطلح عليه ما لم يكن منكراً في ديننا.
المصدر: الموقع الشخصي للدكتور النشمي.