في تقرير له في موقع “ميديل إيست آي”، رصد الصحفي والكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست تحوّلاً مثيراً في موقف الحكومة البريطانية من جماعة الإخوان المسلمين، يمكن القول: إنه بمثابة انقلاب على نتائج التحقيق الذي أجراه السير جون جينكنز.
وجاء تقرير هيرست الذي ترجمته “عربي21” بعنوان “في تحول مثير.. بريطانيا تقول: إن جماعة الإخوان المسلمين جدار حماية في وجه التطرف”، مع عنوان فرعي يقول: “وزارة الخارجية البريطانية تقر بأن معظم الإسلاميين السياسيين لا يمارسون العنف وإنما هم أنفسهم ضحايا العنف”.
وجاء في التقرير أن الحكومة البريطانية تراجعت عن الخلاصة الأساسية التي نجمت عن تحقيق مثير للجدل أجراه في عام 2014م بحق جماعة الإخوان المسلمين السير جون جينكنز، الذي كان وقتها يشغل منصب سفير بريطانيا لدى المملكة العربية السعودية، والذي اقترح بأن المنظمة شكلت ما يشبه “القناة الإلزامية” التي يعبر من خلالها الجهاديون.
ويبدو أن الحكومة باتت الآن تؤيد التقييم الذي ذهبت إليه لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني بعد تحقيق أجرته بنفسها في السياسة التي تنتهجها الحكومة تجاه “الإسلام السياسي” في العام الماضي، والذي خلص إلى أن الإسلاميين السياسيين يشكلون “جدار حماية” في وجه التطرف العنيف وأنه ينبغي التواصل والتفاهم معهم سواء كانوا في السلطة أم في المعارضة.
ولقد جاء الاعتراف الحكومي المحرج من خلال سلسلة من التصريحات، نشرت اليوم الإثنين، كانت قد صدرت عن وزارة الخارجية البريطانية رداً على التحقيق البرلماني الناقد بشدة لموقف الحكومة وسياستها.
وأقرت وزارة الخارجية في ردودها بأن الغالبية العظمى من الإسلاميين السياسيين لم يتورطوا في العنف، بل كانوا هم أنفسهم ضحايا للعنف.
وقال التقرير: أكدت الوزارة أن الإسلاميين السياسيين الذين يعرفون أنفسهم بأنهم ديمقراطيون ينبغي أن يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات، وأنه يتوجب على الحكومة البريطانية التواصل والتفاهم معهم، سواء كانوا في السلطة أم في المعارضة.
وقالت الحكومة: إنها توافق اللجنة البرلمانية على ما خلصت إليه من أن الدين والسياسة سيظلان في حالة من التقاطع والامتزاج في المدى المنظور وصرحت بأن الغالبية العظمى من الإسلاميين السياسيين غير متورطين في أعمال العنف.
وقالت وزارة الخارجية: إن تواصلها وتفاهمها مع الإسلام السياسي كان عنصراً مهماً من تواصلنا وسعينا للتفاهم مع الأقطار المختلفة في المنطقة.
وجاء في معرض رد الحكومة ما يأتي: بإمكان الحكومة أن تؤكد أن تواصل وزارة الخارجية مع هذه الجماعات وسعيها للتفاهم معها، يشتمل على الدخول معها في حوار حول قضايا حقوق الإنسان، وبشكل خاص حول حقوق المرأة وحول الحريات الدينية.
ويؤكد أن وزارة الخارجية أبدت معارضتها للتدخل العسكري سبيلاً لحل النزاعات في النظام الديمقراطي، ومع ذلك فقد ظلت رئاسة الوزراء في بريطانيا مصرة في تعاملها مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على رفضها وصف الأحداث التي جاءت به إلى السلطة في الثالث من يوليو 2013م بـ”الانقلاب العسكري”.
ويعرض التقرير تصريحاً لكريسبين بلانت، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، لـ”ميدل إيست آي”؛ قال فيه: إنه “ليس سعيداً” بهذه الاستنتاجات.
ومع ذلك، لم يستطع بلانت التعليق على ما كان جينكينز قد صرح به لأن نص ما خلص إليه تحقيقه لا يزال طي الكتمان، وكل ما نشرته عنه الحكومة حتى الآن لا يتعدى ما أسمته “الخلاصات الأساسية” لتقرير جينكينز، والتي نشرت في ديسمبر 2015م، وظلت حتى الآن ترفض نشر الوثيقة كاملة، بل، ولقد رفض جينكينز نفسه المثول أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني للإدلاء بشهادته.
ويضيف التقرير أن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني قالت في تقريرها: إن الأسباب التي دفعت إلى إجراء تحقيق جينكينز بحق جماعة الإخوان المسلمين لا تزال “مبهمة”، وإن التبريرات التي صدرت عن وزراء الحكومة لتفسير رفض وزارة الخارجية البريطانية السماح للجنة الشؤون البرلمانية الاطلاع على التقرير كانت “واهية”.
ويقول بلانت: لم يحصل أن اجتمع مسؤولو وزارة الخارجية على أي مستوى رسمي مع جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2013م، ولذلك نعتقد جازمين بأن الفهم الكامل للجماعة يتطلب فهم تاريخها، بما في ذلك الأحداث التي جرت في عام 2013م وما تمخض عنها، كما أن ذلك يتطلب من وزارة الخارجية الالتقاء بالجماعة.
وقالت اللجنة: إن تحقيق جينكينز يعاني من خلل أساسي بسبب رفضه التدقيق في تأثير الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر في عام 2013م على جماعة الإخوان المسلمين، وذلك أن الانقلاب تمخض عنه مقتل الآلاف من مؤيدي الجماعة على أيدي قوات الأمن المصرية وكذلك اعتقال المئات من كبار قادتها.
من الجدير بالذكر؛ أن الحكومة البريطانية لم يصدر عنها شيء إلا بعد عام كامل من صدور نتائج التحقيق، وما صدر عنها لم يتجاوز ملخصاً منقحاً بعناية فائقة لما اعتبرته أهم الخلاصات، نشرته في السابع عشر من ديسمبر 2015م، آخر يوم عمل للبرلمان البريطاني قبيل الانفضاض لعطلة أعياد الميلاد حينها.