السؤال: فـضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي، حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعــد:
نرجو من فـضيلتكم إفتاءنا في أمر بالغ الأهمية لنا ولجميع المسلمين في أمريكا وبلاد الغرب عمومًا، ويمس قـضية بناء المراكز الإسلامية والمساجد في الغرب، والتي تمس بدورها حياة المسلمين هنا مسًّا مباشرًا.
تحتاج الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب، والطلاب الذين يدرسون هناك مؤقتاً، يحتاجون إلى مركز إسلامي في مدينتهم حاجة كبيرة، فوجوده أمر لا غنى عنه وله دور كبير في الحفاظ على دين الجاليات والطلاب.
والسؤال المهم الذي يطرح دائمًا خلال عملية جمع التبرعات، والتي هي المصدر الرئيس لتمويل تلك المشروعات، هو: هل يجوز إنفاق مال الزكاة في بناء مركز إسلامي في بلاد الغرب؟
إذ إن كثيرًا من المتبرعين يشترط هذا الأمر للتبرع، كما أن القائمين على المشروع يتحرجون من قبول مال الزكاة لعدم تيقنهم من جواز إنفاقه في هذا المصرف.
فهل ترون فـضيلتكم أن هذا مصرف من مصارف الزكاة؟ علمًا بأن المركز يحتوي مسجدًا – قاعة للصلاة – وقد يحتوي مكتبة، وقاعة صلاة للنساء، ومسكناً للإمام الراتب، وبعض المرافق الأخرى، مع العلم أيـضًا أن المالك القانوني لمعظم المراكز في أمريكا هو “الوقف الإسلامي في أمريكا الشمالية NAIT” التابعة لـ”الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية”، وكلاهما من الهيئات الإسـلامية الموثوق بها أمـانة وكفـاءة.
نرجو من فـضيلتكم التكرم بالرد على استفتائنا هذا، خاصة ونحن الآن في أوج جمع التبرعـات لبناء مركـزنا، ولا بد لنا من جمـع مبلغ كـبير من المال للبـدء بالبناء وإلا سوف – لا سمح الله – نخسر موافقة البلدية ومعها مبالغ كبيرة وجهودًا غالية بذلت لإنجاح هذا المشروع.
وفقكم الله وحفظكم ونفع بكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابنكـــم هـ.ع.
رئيـس المركـز.
جواب فضيلة الشيخ:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعــد:
فقد وصلتني رسالتكم الكريمة حول بناء مركز إسلامي في مدينة “توسان” بأمريكا ومدى جواز الإنفاق عليه من مال الزكاة.
ونظرًا لأهمية الموضوع وخطورة الوضع في مدينتكم خاصة، سارعت بالكتابة إليكم، برغم ضيق وقتي وكثرة مشاغلي.
وأود أن أبين هنا: أن من مصارف الزكاة التي نص عليها القرآن الكريم: مصرف “في سبيل الله”، وقد اختلف الفقهاء في تفسير سبيل الله، فمنهم من قصره على “الجهاد”؛ لأنه المتبادر عند إطلاق الكلمة، وهذا هو رأي الجمهور، ومنهم من جعله يشمل كل طاعة أو مصلحة للمسلمين.. ويدخل في ذلك بناء المساجد والمدارس والقناطر وتكفين الموتى من الفقراء، وغير ذلك من كل ما هو قربة أو مصلحة.
والذي أراه أن مصرف “في سبيل الله” يتسع – على الرأيين جميعًا – لينفق منه على إنشاء مراكز إسلامية للدعوة والتوجيه والتعليم في البلاد التي يهدد فيها وجود المسلمين بالغزو التنصيري أو الشيوعي أو العلماني، أو غير ذلك من الملل والنحل، التي تعمل على سلخ المسلمين من عقيدتهم أو تضليلهم عن حقيقة دينهم، وذلك مثل وضع المسلمين خارج العالم الإسلامي، حيث يكونون أقلية محدودة الإمكانات في مواجهة الكثرة صاحبة النفوذ والسلطان والمال.
وأما على الرأي الآخر، فلا شك أن إنشاء هذه المراكز هو ضرب من الجهاد الإسلامي في عصرنا، وهو الجهاد باللسان والقلم والدعوة والتربية.. وهو جهاد لا يستغني عنه اليوم لمقاومة الغزو المكثف من قبل القوى المعادية للإسلام، وكما أن من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، فكذلك من دعا وعلم ووجّه لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
إن المركز الإسلامي اليوم بمثابة قلعة للدفاع عن الإسلام، وإنما لكل امرئ ما نوى ويتأكد هذا الأمر بصفة خاصة في مدينة “توسان” حيث يوجد مركز “رشاد خليفة” الذي أنـكر بعض آيات القرآن الكـريم، وأنكر السُّنة المطـهرة إنكارًا كليـاً، وترتـب على ذلك إنكار الصلاة المعـلومة من الدين بالضـرورة، والتي اعـتبرها صلاة حابطة وسماها “صلاة المشركين”، ثم ختم هذا الضلال بفرية كبري، وهي ادعاء أنه “رسول الله”!
فلا بد من مركز للحق يقاوم الباطل، ومن قلعة للإسلام في مواجهة الكفر المدعوم من الداخل والخارج؛ {ها أنـتم هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا في سَبِيل الله فَمِنْكُم من يَبْخَلُ ومن يبخل فإنما يـبخل عن نفسه والله الغني وأنتـم الفقراء وإن تتولوا يستـبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد:38).
سدد الله خطاكم، وأعانكم على إحقاق الحق، وإبطال الباطل ولو كره المجرمون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.