استكمالاً للمقالين السابقين عن منطلقات هذه السلسلة الطيبة من المقالات، وذكرنا أنها تتلخص في سبع إشرافات تعكس الآفاق المضيئة في سيرة التاجر الكويتي في كويت الماضي وذكرنا منها:
أولاً: المساهمة الفعالة للتاجر الكويتي في بناء كويت الماضي.
ثانياً: المسؤولية الاجتماعية التي كان يقوم بها التاجر الكويتي.
ثالثاً: الفزعة والتأمين التكافلي.
رابعاً: الميثاق الأخلاقي والقيمي للتاجر الكويتي في كويت الماضي.
ونستكملها في هذا المقال بإذن الله:
خامساً: الخلفية الدينية عقدياً وسلوكياً للتاجر الكويتي في تعاملاته التجارية.
لقد كان التاجر الكويتي في ممارسته لأعماله التجارية يتمثل المفاهيم العقدية الدينية التي تؤصل تقوى الله تعالى ومراقبته واتباع أوامره ونواهيه خصوصاً في تجارته بشكل خاص وفي حياته بشكل عام ملتمساً بركة العمل الصالح.
وقد التزم التاجر الكويتي بدفع زكاة أمواله فيطهرها بالزكاة، الأمر الذي كان يخدم التوجهات الخيرية بشكل عام كإغاثة الملهوف ومساعدة الفقير وإطعام الجائع.
مفارقة عجيبة لدى بعض التجار الكويتيين:
من المفارقات العجيبة ما يرويه لي من أثق بنقله ومعايشته لكثير من تجار الكويت ومن أدرك القدماء منهم وهو الأخ الشيخ سلمان الداود السلمان الصباح، حفظه الله، وهو رمز إعلامي اجتماعي بارز حين لفتت نظره ظاهرة عجيبة؛ وخلاصتها أن بعض الذين قد لا يلتزمون بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ويقصرون في أداء واجباتهم الدينية، تجدهم ورغم قلة عددهم إذا حان وقت أداء الزكاة هم أسبق الناس إلى دفعها لمستحقيها اعتقاداً فطرياً راسخاً منهم بأنها هي الخير والبركة من وراء نجاح تجارتهم، وأنهم يخشون إن هم قصروا فيها تمحق البركة فيها.
وهذا لعمري هو العجيب في أصالة التاجر الكويتي مهما كانت درجة تدينه والتزامه الديني.
سادساً: السبق الحضاري للأمة الإسلامية لتأصيل القيم المثلى في العمل التجاري:
لست في حاجة لتكرار ما يعرفه القاصي والداني من سبق الدين الإسلامي في سن التشريعات القوية تأسيساً على قاعدة عقدية صلبة تنظم العمل التجاري وتوجهه إلى ما فيه صلاح البشرية والإنسانية وما يحفظها من الاستغلال البشري من الإنسان لأخيه الإنسان في ظل الحاجة.
وهذا هو القرآن الكريم وهذه هي السُّنة النبوية تذخران بما يؤصل الرؤية الدينية القيمة للنشاط التجاري في زمن كان فيه الاستعباد يعم العالم حتى سميت العصور الوسطى عصور الإقطاع التي تجلى فيها جشع التاجر الغربي وتسلطه على البسطاء من قومه من خلال تحكمه في الموارد المالية وبالتالي التحكم بأرزاق البسطاء بل واستعبادهم.
سابعاً: أهمية إبراز الأسوات الحسنة لتجار اليوم:
إننا حين نبرز هذه النماذج الرائعة للإشراقات من سيرة التاجر الكويتي لا نسوقها من باب التفاخر، ولا التزكية، لاسيما وحديثي في الكويت مجروح باعتبارها وطني، إلا أنني أقدم هنا الأسوات الحسنة التي يسهل الاقتداء بها من التجار الكويتيين والشباب الواعد سواء الكويتي أو القارئ العربي بشكل عام، فالاقتداء يسمو بصاحبه إلى مصاف الناجحين الذين يلتمسون الحكمة أينما وجدوها وهم أولى بها.
كويتيون لا صحابة:
وهنا أؤكد أنني لست في معرض التعجيز؛ حيث لم أسق المواقف العظيمة التي حدثت للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ولكني أستشهد بمواقف واقعية في عهد الكويت الحديث الذي أدركنا بعض أجياله المتأخرة لكبر سنهم رحمهم الله، فالبيئة ليست بالبعيدة والتاريخ قريب، والجغرافيا هي هي ومشتركة بين الأجيال، فلا عذر لمن عرف مواقفهم الكريمة بل العظيمة دون أن يتأسى بها، وهذا ما سنراه جلياً في ثنايا هذا الكتاب بإذن الله تعالى.