ثار النقاش مؤخراً -مع ثوران موجة الغبار الشديدة- حول مسألة حكم الجمع في الغبار، واجتهد بعض أئمة المساجد فجمع وبعضهم لم يجمع، وكثر السؤال حينها عن حكم الجمع، والذي أراه ابتداء أن المسألة اجتهادية، لا يثرب على من أخذ بأحد الرأيين.
والذي يظهر أن سبب الخلاف في المسألة اختلافهم في فهم أبعاد دلالة قول ابن عباس في صحيح مسلم (أراد ألا يحرج أمته)، هل الغبار يدخل في هذا العموم أو لا؟ وهل هو داخل بالقياس أو بالتقعيد؟.
فرام كل فريق إلى منزع، وعمدة من منع الجمع في هذه الحال أنه لم يرد التنصيص على الجمع في الغبار في لسان الشارع، والعبادات مبناها على التوقيف، ولا قياس في العبادات، فلا يصح قياس الغبار على المطر والريح الشديدة، وقالوا : إن فقهاء المذاهب لم ينصوا على الغبار كسبب من أسباب الجمع بين الصلاتين مع انعقاد سببها في زمنهم ولم يوجد مانع من فعله، فيكون فعله غير مشروع.
واعتمد القائل بجواز الجمع على منزعين أولههما القياس الأولوي، والثاني: التقعيد، وبيانهما كالتالي:
أما القياس الأولولي: فقالوا إن المشقة والحرج في الغبار أشد من الحرج والمشقة في المطر إذ المطر على الأقل أنه يُفرح به (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون)، ويتعرض الناس له كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنَسٌ أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَطَرٌ قَالَ فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا قَالَ « لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى” رواه مسلم، وهذا بخلاف الغبار فمضرٌّ، ويهرب الناس منه، ويتأذون به ويمرضون بسببه، فالرخصة في الغبار أولى منه في المطر ونحوه.
وهذا المنزع نوقش بقاعدة لاقياس في العبادات:
أما التقعيد: فيقال: إن الجمع ثبت بقاعدة رفع الحرج و (أراد ألا يحرج أمته) كما قال ابن عباس في صحيح مسلم، وليس بالاستثناء أو المقايسة، وبالتالي حيث وجد الحرج وجب رفعه، ولم يحتج لنص خاص، فابن عباس قعّد للمسألة قاعدة، ويمكن أن ندرج تحتها كل مستجد ونازلة ولو لم يُنَص عليها، وعندي أن هذا المنزع أقوى من الأول، وهذا الرأي أقوى من الأول أيضاً، وإن كانت نتيجة المنزعين واحدة وبينهما تقارب، لكن منزع القياس أضيق، ومنزع التقعيد أوسع، وشروط القياس أشد من شروط القواعد الفقهية وأدق، وجعل المنزع قاعدة رفع الحرج أرحب من جعله علّة يقاس عليها يجب فيها توفر شروطها.
ولعل هذا المنزع هو الذي أخذ به الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، وجوز به الجمع في مثل هذه الحال، فقال في شرح الممتع (4/392) (لكن لو فرض أن هذه الرياح الشديدة تحمل تراباً يتأثر به الإِنسان ويشق عليه، فإنها تدخل في القاعدة العامة، وهي المشقة، وحينئذٍ يجوز الجمع).
ويجاب عن قولهم بأنه لم يرد التنصيص في لسان الشارع عليه، بأنه يكفي عن التنصيص الصريح التقعيد في رفع الحرج والمشقة، وهي قاعدة متفق عليها فقهاً، وأدخل فقهاء القواعد الفقهية تحتها جملة كبيرة من المسائل والفروع لم يرد التنصيص عليها من الشارع اكتفاء بهذه القاعدة، فلتكن هذه المسألة منها.
وأما قولهم بأنه لا قياس في العبادات فهذا ليس على إطلاقه فإن مقصود الفقهاء إثبات عبادة جديدة مستقلة لم ترد بالكتاب والسنة بالقياس على عبادة أخرى ثابتة، وهذا مما لا خلاف فيه، أما القياس بين فروع عبادة ثابتة وشروطها وواجباتها أو أوصافها فهذا مما استعمله الفقهاء كثيراً في كتب الفقه، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الشرح الممتع كتاب الاعتكاف(4/524) (فإن قيل: القياس لا يصح في العبادات؟ فالجواب: أن المراد بقول أهل العلم لا قياس في العبادات، أي: في إثبات عبادة مستقلة، أما شروط في عبادة وما أشبه ذلك، مع تساوي العبادتين في المعنى فلا بأس به، وما زال العلماء يستعملون هذا، كقولهم تجب التسمية في الغسل والتيمم قياساً على الوضوء، وليس هناك فرق مؤثر بين المحرم إذا خشي مانعاً، وبين المعتكف إذا خشي مانعا).
وسئل في شرحه لمنظومة القواعد الفقهية: (س: وهذا يقول: شيخنا الفاضل، لا قياس في العبادات. هل هذه القاعدة على إطلاقها أم لها شروط؟ فأجاب: بتثبتنا لأقوال العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة أنه لا قياس في إثبات أصل العبادة، أما في إثبات بعض شروطها وواجباتها فهم يقيسون كثيرا، من ذلك مثلا أنه ورد في التسمية عند الوضوء حتى جعلها بعض العلماء من شرط صحة الوضوء لما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه على أن العلماء اختلفوا في ثبوت هذا الحديث… إلى أن قال: فالذي يتبين أن الضابط على وجه التقريب أن إثبات عبادة مستقلة قياساً على عبادة أخرى لا يثبت، وأما قياس وصف في عبادة على عبادة تماثلها أو على عبادة من جنسها هذا قد يثبت).
ومما سبق يتبين أنه لا أشكال في ذلك القياس الأولوي؛ إذ لم يتضمن إحداث عبادة بقياس، وإنما هو قياس وصف على وصف، وصف الغبار على المطر.
وأما قولهم بأن الفقهاء لم ينصوا على الغبار فيجاب عليه من وجهين:
الأول: التسليم بأنه لم يرد ذكر الغبار في كتب الفقه، فيقال: اختُلف في الأمثلة المذكورة كالمطر والريح الشديدة والثلج والبرد الشديد هل هي محصورة بمعنى أنه لا يجوز الزيادة عليها، أو يجوز القياس عليها كل نازلة؟، فالأول هو الصحيح من المذهب، والثاني هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: قال المرداوي في الإنصاف(2/339): (فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِعُذْرٍ من الْأَعْذَارِ سِوَى ما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْجَمْعِ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ وَلِلصَّلَاةِ في حَمَّامٍ مع جَوَازِهَا فيه خَوْفَ فَوْتِ الْوَقْتِ وَلِخَوْفٍ يَخْرُجُ في تَرْكِهِ أَيُّ مَشَقَّةٍ)، وظاهر نقل المرداوي وكلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يجمد في تلك الأمثلة وما ذكره ابن تيمية رحمه الله هو الأظهر، بل ذهب ابن تيمية رحمه الله إلى أبعد من ذلك بجَوَازَ الْجَمْعِ لِلطَّبَّاخِ وَالْخَبَّازِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يُخْشَى فَسَادُ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ بِتَرْكِ كما نقل عنه في الإنصاف(2/337) مع أنه لا نص عليه وفي الغبار أولى…
وظاهر فتوى اللجنة الدائمة (8/135) أنها على سبيل المثل لا الحصر (المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع، كالمطر، كسبا لثواب الجماعة، ورفقا بالناس، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة).
الوجه الثاني: عدم التسليم؛ لأن العلماء ذكروا من مسوغات الجمع الريح الشديدة، ومن المعلوم أن الريح قد تحمل معها التراب والغبار وقد تحمل البرد الشديد، وحصر وصف الريح الشديدة بالباردة تحكم يرفضه الواقع، وتقييد بلا دليل، وفهم ناقص لحال الريح؛ إذ الريح أشمل من أن يكون وصفه بالبرودة فحسب، فقد يقترن بالريح البرد والغبار والهواء الشديد الذي يحمل معه الثقال، والمطر وغير ذلك.
وتسمى الريح التي تحمل غباراً في اللغة العجاج: قال في لسان العرب في مادة (عجج): (وعَجَّجَته الرِّيح ثَوَّرتْهُ، وأَعَجَّتِ الرِّيح وعَجَّت اشتدَّ هُبوبها وساقت العجاج، والعَجَّاج مُثِير العجاج، والتعجيجُ إِثارة الغُبار، قال: ابن الأَعرابي النُّكْبُ في الرياح أَربعٌ: فنَكباءُ الصَّبا والجَنُوب مِهْيافٌ مِلْواحٌ، ونكباءُ الصَّبا والشَّمال مِعْجاجٌ مِصْرادٌ لا مطر فيه ولا خيرَ، ونَكْباءُ الشَّمال والدَّبُور قَرَّةٌ، ونَكْباءُ الجَنُوب والدَّبور حارَّة، قال: والمِعْجاجُ هي التي تُثِير الغُبار، ويوم مِعَجٌّ وعَجَّاجٌ ورياحٌ مَعاجِيجُ ضِدُّ مَهَاوين). والله تعالى أعلم.
مسألة أيهما أولى الجمع في هذه الحال أم الصلاة في الرحال؟
جاء في الصلاة في الرحال ثلاثة أحاديث في الصحيحين:
الأول: ما رواه البخاري ومسلم من طريق عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ قُلِ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ. وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ في يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلاَ تَقُلْ حي عَلَى الصَّلاَةِ قُلْ صَلُّوا في بُيُوتِكُمْ – قَالَ – فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وإني كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا في الطِّينِ وَالدَّحْضِ.
الثاني: ما رواه البخاري ومسلم من طريق نافع قَالَ أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ. وهذا لفظ البخاري.
الثالث: حديث جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ “لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ في رَحْلِهِ” رواه مسلم.
وظاهر هذه الأحاديث مشروعية الصلاة في البيوت في حال نزول المطر الشديد ونحوه المسبب للحرج في الوصول إلى المسجد، وأنه رخصة لا عزيمة، وقد بوب عليه البخاري: (باب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)، ويجوز تحمل المشقة للحصول على أجر الجماعة، قال النووي: وَفيه أَنَّهَا مَشْرُوعَة لِمَنْ تَكَلَّفَ الْإِتْيَان إِلَيْهَا وَتَحَمَّلَ الْمَشَقَّة ؛ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة )لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ فِي رَحْله).
وقال العراقي في طرح التثريب: (وقد تبين بقوله: “من شاء” أن أمره عليه الصلاة والسلام بقوله: ألا صلوا في الرحال، ليس أمر عزيمة حتى لا يشرع لهم الخروج إلى الجماعة، إنما هو راجع إلى مشيئتهم، فمن شاء صلّى في رحله ومن شاء خرج إلى الجماعة).
وقال ابن حجر: (ويكون المراد من قوله: الصلاة في الرحال، الرخصة لمن أرادها، وهلموا إلى الصلاة الندب لمن أراد استكمال الفضيلة ولو تحمل المشقّة).
ومن تحمل المشقة من الجماعة فخرج إلى لمسجد أو خرج للصلاة قبل نزول المطر والغبار ونحوه، ثم باغتهم أثناء الصلاة شرع لهم الجمع، وهو في هذه الحال خير من ترك الجمع ثم الصلاة في الرحال بعد ذلك؛ إذ مصلحة الصلاة جماعة جمعاً خير من الصلاة فرداً في وقتها، وهذا باتفاق من أجاز الجمع بين الصلاتين، بل ذهب ابن تيمية رحمه الله إلى أن ترك الجمع في مثل هذه الحال بدعة، فيقول: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْوَحْلِ الشَّدِيدِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَطَرُ نَازِلًا فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ بَلْ تَرْكُ الْجَمْعِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ؛ إذْ السُّنَّةُ أَنْ تُصَلَّى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَالصَّلَاةُ جَمْعًا فِي الْمَسَاجِدِ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ مُفَرَّقَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ الْجَمْعَ : كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد) (مجموع الفتاوى24/30).
وليس مراد ابن تيمية رحمه الله عدم مشروعية الصلاة في البيوت مطلقاً، وإنما هو محمول على ما إذا تجشموا المشقة وحضروا إلى المسجد في وقت الأولى ولم يأخذوا بالرخصة، أو بدأ العذر بعد حضورهم.
والخلاصة أن هاهنا ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يقوم العذر قبل الخروج إلى لمسجد للصلاة ففي هذه الحال السنة الصلاة في البيوت، وعليه يحمل حديث ابن عمر وابن عباس.
الحال الثانية: أن يتجشموا المشقة ولا يأخذوا بالرخصة ويحضروا للصلاة في وقت الأولى كالمغرب، فالأولى في هذه الحال أن يُجْمع معها الثانية (العشاء)، وتركهم رخصة الصلاة في البيت في هذه الحال جائز لحديث جابر رضي الله عنه.
الحال الثالثة: أن يبدأ العذر – وهو المطر والريح والغبار ونحوه- بعد خروجهم إلى المسجد للصلاة فالسنة الجمع، وعلى الحالة الثانية والثالثة تُحْمل النصوص الواردة في ذلك، وعليهما يحمل كلام ابن تيمية رحمه الله في قوله بأن ترك الجمع بدعة.
وفي الختام يجب أن يعلم أن محل تلك المسألة ما لم يكن هناك تعميم من ولي الأمر بعدم الجمع في مثل هذه الحال، فيجب الامتثال؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف في مثل هذه المسائل كما هو مقرر، وكذلك ما لم يترتب على الجمع في واقعة اجتهادية بلبلة وخلاف وشقاق بين جماعة المسجد، وإلا فالأولى تركها، وما لم يكن الغبار خفيفاً يطاق، ولا مشقة فيه على الناس فلا جمع ولا صلاة في الرحال.
وإذا شك في واقعة هل تجيز الجمع أو لا؟، أو كان غير مجتهد ولا عالم، فلا يجمع؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها، ولا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بدليل شرعي، وبيقين أو غلبة ظن أن هذه الواقعة تبيح الجمع. والله تعالى أعلم.
—–
* المصدر: موقع المسلم.