الملك المغربي محمد السادس يستدعي سعد الدين العثماني من حزب العدالة والتنمية ويكلفه بتشكيل الحكومة، فهل ينجح العثماني في مهمته التي عجز عنها بنكيران الذي أبعده الملك قبل أيام؟
مهمة العثماني ستكون شاقة، لكنها ستكون أقل صعوبة من بنكيران؛ نظراً لكون المخزن والأحزاب الأخرى لن ترفع “الفيتو” ضد العثماني مثلما فعلوا مع بنكيران الذي باتت تخشاه عدة أحزاب خصوصاً المخزن؛ نظراً لكونه أصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسية المغربية، وصار يتمتع بشعبية واسعة لدى عامة الناس بسبب خطابه السياسي الشعبوي الذي يحبه المغاربة.
اختيار العثماني إيجابي، لكنه لن يشكل إزعاجاً أو تخوفاً أكبر للمخزن الذي يعتقد أنه قادر على التحكم أكثر في شخصية العثماني الذي يفتقد إلى كاريزما وقدرة في التأثير في الناس مقارنة بعبد الإله بنكيران الذي يتمتع بكاريزما وبخطاب سياسي مؤثر أخاف المخزن وعدة أحزاب سياسية أخرى أهمها حزب الأصالة والمعاصرة المحسوب على المخزن.
بعض التحاليل تبين أن الأزمة التي مر بها المغرب في عدم تشكيل الحكومة تعود بالأساس إلى عدم رغبة المخزن في إعطاء فرصة ثانية إلى بنكيران حتى لا يتمدد أكثر داخل السياسة المغربية، ومحاولة تحجيمه وربما السعي إلى تجميده في المرحلة القادمة، والسعي نحو تأجيج الصراع بين تيارين في حزب العدالة والتنمية وإضعافه، وربما إحداث انقسامات داخل هذا الحزب الذي لعب ببراجماتية عالية ونجح في تقديم صورة إيجابية لدى الغرب.
العثماني سيجد نفسه أمام ملفات حارقة أهمها التشغيل والإصلاح التعليمي والاقتصاد.
لكن لا شك في أن المغرب على الرغم من هذا الصراع بين الأحزاب؛ فإنه خطا خطوات إيجابية أنقذت المغرب من حالة الفوضى والتصادم بين الدولة والإسلاميين، خصوصاً حزب العدالة والتنمية الذي كان براجماتياً في أدائه السياسي، وامتلك تجربة لا بأس بها في إدارة الدولة، ولم يمثل أي مصدر تخوف للغرب مقارنة ببعض الحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة العربية مثل حركة الإخوان المسلمين، وحركة النهضة عندما وصلت إلى السلطة عام 2011م.
هذا وبموجب الصلاحيات الدستورية للملك المغربي، فإنه في حالة تعطل تشكيل الحكومة وحتى لا تتعرض البلاد إلى منزلقات خطيرة؛ فإنه يحق للملك أن يعين شخصاً ثانياً من نفس الحزب الأول الفائز في الانتخابات.
ويذكر أن بنكيران سعى خلال المدة السابقة وعلى مدار أشهر لتشكيل حكومة ائتلافية مع جملة من الأحزاب، غير أنه فشل بسبب حالة التجاذب والرفض التي بين الأحزاب الأساسية في المغرب، خصوصاً أن الدستور المغربي لا يسمح للحزب الفائز بتشكيل حكومة وحده.
ولعل من أهم العوائق التي عطلت تشكيل الحكومة المغربية وعرقلت جهود بنكيران في تشكيل الحكومة هو قانون الانتخابات الذي يمنع تشكيل حكومة موحدة ويفرض تشكيل حكومة ائتلافية، كما أن الدستور يعطي الصلاحيات الكاملة للملك المغربي في اختيار رئيس لتشكيل الحكومة بشرط أن يكون من الحزب الأول الفائز.
فهل أن اختيار الملك للعثماني وإبعاد بنكيران يعود فعلاً إلى عجز هذا الأخير في تشكيل الحكومة، أم أن هناك أسباباً أخرى وراء الكواليس تتصل بشخصية بنكيران نفسه الذي بات حسب بعض المراقبين يمثل شخصية سياسية مهمة لها وزنها في البلاد وتتمتع بشعبية كبيرة داخل الساحة المغربية؟
هل اختيار العثماني وإبعاد بنكيران أيضاً يعود إلى خلافات بينه وبين الملك نفسه، أم أن بنكيران نفسه خطط للانسحاب من الحكومة حتى يترك الفرصة لحزبه للاستمرارية في سدة الحكم ويشكل حكومة؟
لا شك أن بنكيران كرئيس للحكومة المغربية السابقة نجح في جملة من الملفات وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، وكان يتبنى سياسة اقتصادية منفتحة، ورغم أنه زعيم لحزب إسلامي؛ فإنه لم يتعرض إلى ضغوطات من قبل الغرب.
بنكيران نجح ولكن نجاحه ظل محدوداً؛ بسبب المساحة والصلاحيات التي يتحرك فيها جراء الإكراهات الدستورية، وجراء هيمنة الملك على أغلبية الصلاحيات الدستورية.
نجح بنكيران في أن يدخل تجربة الحكم ويفهم ميكانيزمات الدولة المغربية، ويتوغل في مساحات لم تسمح لأي تيار إسلامي أن يلجها من قبله، كما استطاع أن يمارس دوراً مهماً في الحد من العمليات الإرهابية رغم وجود المغرب في منطقة تشهد توسعاً للجماعات الإرهابية سواء كان في منطقة الصحراء الكبرى ومالي والنيجر أو في تونس والجزائر وليبيا وفي العديد من الدول العربية والأفريقية.
ما من شك في أن بنكيران وحزب العدالة والتنمية المغربي على الرغم من مساحات التحرك المحدودة؛ فإنه شكل تجربة جديدة في الممارسة داخل النظام السياسي الملكي، وأعطى صورة ناجحة للحزب الإسلامي الذي يمتلك طول النفس في التعامل مع خصومه وأعدائه السياسيين والأيديولوجيين.
نجح حزب العدالة في تجاوز حالة الصراع الأيديولوجي مع اليسار والعلمانيين، ودخل في الحكومة السابقة في تحالف مع أحزاب يسارية عكس ما نراه في التجربة التونسية التي ما زالت هناك حالة عداء كبيرة بين الإسلاميين واليساريين رغم هامش الحرية الكبيرة الموجودة في تونس، ورغم تقدمية الدستور التونسي مقارنة بالدستور المغربي والدساتير العربية الأخرى.
بنكيران الذي دخل مع الملك في تحالف سياسي، وساهم في إيقاف انتفاضة فبراير، وأنقذ النظام الملكي المغربي من موجات ثورات “الربيع العربي” ربما لن يمارس في المرحلة القادمة دوراً سياسياً بارزاً.
ومهما تكن الأسباب، فإن المشهد السياسي في المغرب يبدو أنه سيعيش حالة من الغموض وحالة من الترقب في المرحلة القادمة؛ لأن الرئيس المكلف الجديد سعد الدين العثماني لا نعرف مدى قدرته على إقناع الأحزاب السياسية في تشكل الحكومة القادمة.
فهل سينجح خليفة عبدالإله بنكيران من نفس حزبه في تشكيل الحكومة، أم سيضطر المغرب إلى إعادة الانتخابات؟ وهل تتحمل الأوضاع المغربية حالة الفراغ السياسي بغياب الحكومة؟
الأيام القادمة هي التي ستوضح الأمور بشكل أكبر.
المصدر: “ترك برس”.