الإسلام في كوت ديفوار هو الديانة الأولى من حيث عدد الأتباع والانتشار وتبلغ نسبة المسلمين حوالي 50% من سكان البلاد، حتى وإن ظل تأثير المسلمين ضعيفا في تسيير السلطة، قبل وصول الرئيس الحالي الحسن واترا للسلطة سنة 2010.
دخل الإسلام المنطقة منذ قرون عديدة ويعتبر المؤرخون أن من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء دخول الإسلام هي حركة التجارة باتجاه المنطقة وامتداد الإشعاع الديني والثقافي لبعض المدن الإسلامية كمدينة تومبكتو.
وكانت المنطقة إحدى مناطق الجهاد الإسلامي القليلة ضد الاستعمار الفرنسي، حيث قاد المجاهد ساموري توري حملة مسلحة كبيرة على مدار 17 سنة كبدت الفرنسيين خسائر كبيرة وساهمت في خلق موجة من الكراهية ضد الاستعمار.
وقد ارتبطت بعض مناطق بالتراث الإسلامي من خلال محافظتها على مظاهر وأبعاد معينة؛ فمدينة بوندوكو اشتهرت بالإشعاع الحضاري الإسلامي لدرجة أنها سميت بمدينة “الألف مسجد” لكثرة مساجدها.
تاريخ وتراث
ويعتبر الإسلام بكوت ديفوار الديانة الأسرع انتشارا رغم موجات التنصير الشرسة التي ترعاها الكنائس العالمية، وتحظى بدعم كبير من طرف الحكومات والقوى التقليدية المتنفذة.
فقد كشفت إحصائية أن تعداد المسلمين الذين كانت نسبتهم محصورة بين 14% و20% بعد استقلال البلاد سنة 1960، وصل سنة 1993 نحو 43%..
وتعتبر مجموعتا السنوفو وأجيولا أهم قوميتين يدين أبناؤهما بالإسلام، كما يعتبر المذهب المالكي مذهب أهل البلاد، مع وجود نشاط ملحوظ لحركة التشيع في العقود الأخيرة برعاية الجالية اللبنانية التي تعتبر من أهم الجاليات من حيث التأثير المالي والاقتصادي.
تميز حكم أول رئيس للبلاد “فليكس هوفيت بوني” الذي تقلد السلطة منذ الاستقلال لغاية وفاته سنة 1993 بالانفتاح على المسلمين ومحاولة إشراكهم في حدود في السلطة، وذلك انطلاقا من قناعته أن كوت ديفوار بلد للجميع ويسع الجميع؛ لذا تميزت تشكيلة الحكومات الأولي للبلاد بوجود حاملي بعض الجنسيات الإفريقية القريبة لكوت ديفوار كبنين والسنغال ومالي.
ومع هذا فان الرئيس الراحل بوني كان يستشعر خطر وتحدي انتشار الإسلام وتوسع رقعته، لذا قام بإضفاء صبغة مسيحية على المظاهر الأساسية للحياة العامة بالبلاد دون أن يتعرض للمسلمين في شعائرهم ومعتقداتهم، كما قام بإيعاز من القوى الكنسية العالمية بإنشاء أكبر كاتدرائية كاثوليكية بسعة تقدر بنحو 50 ألف شخص.
تضييق واستهداف
وقد وضع حجر أساس الكاتدرائية الباب يوحنا بولس الثاني سنة 1985، وحضر نفس البابا تدشينها سنة 1990 وقد كلف بناء الكاتدرائية التي تشبه نمط كاتدرائية القديس بطرس بروما حوالي 40 مليار فرنك إفريقي.
ففلسفة بناء كنيسة بهذا الحجم تهدف من جهة لجعل البلاد محجا كنسيا لمسيحيي منطقة غرب إفريقيا، كما تسعى لوقف الزحف الإسلامي بمنطقة غرب إفريقيا بأن تكون كوت ديفوار آخر نقطة يتوقف عندها قطار المد الإسلامي بالمنطقة.
بوفاة هوفيوت بوني سنة 1993 دخلت البلاد مرحلة الصراع على السلطة بين رئيس الجمعية الوطنية ساعتها، المسيحي هنري كونان بيدي، والذي يسمح له الدستور بقيادة البلاد انتقاليا في حالة الفراغ، ورئيس الوزراء المسلم الحسن واترا، الذي عرفت البلاد في فترته إصلاحات اقتصادية كبيرة.
تحول الصراع على السلطة من صراع سياسي إلي صراع ديني وثقافي وجغرافي بعد حكم بيدي؛ ليستقر على صراع هوية تحت عنوان “الإفواريتي”، وتحمل شحنة مفادها أن المواطنة الكاملة من حق المواطنين المسيحيين المنحدرين من شرق البلاد وجنوبها فقط، وتسببت هذه الحقبة من الحياة السياسية لكوت ديفوار في تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين والمنحدرين من المناطق الشمالية الذين يتم اعتبارهم كأجانب أو مواطنين من درجة ثانية في أحسن الأحوال.
لكن أصعب مراحل التضييق والاستهداف التي تعرض لها المسلمون كانت في فترة حكم الرئيس المخلوع لوران أكباكبو الذي وصل السلطة سنة 2001، حيث تعرض المسلمون في فترة نظامه لجرائم القتل والإبادة وتدنيس المساجد وحرقها وهدمها كما تعرض بعض الأئمة والدعاة للاغتيالات من طرف كتائب الموت التي أسسها اكباكبو لبث الرعب في نفوس المسلمين والسياسيين المعارضين له.
عهد جديد
ثمة عوامل متعددة أدت لتغييب المسلمين عن المشاركة الفاعلة في الحكم رغم حضورهم الديمغرافي ونفوذهم الاقتصادي، ومن هذه العوامل ما هو تراكمي تاريخي كالهوة التي نشأت واتسعت بين المسلمين والاستعمار الفرنسي أيام دخوله للمنطقة، وتحولت لشبه قطيعة بعد تبني المسلمين للجهاد ضد الفرنسيين وتبني الاستعمار الفرنسي بالمقابل لقبائل ومجموعات وثنية ومسيحية كقومية البتي واعتماده علىها، قبل أن يُسند لها حكم البلاد بعد الاستقلال سنة 1960.
لكن المسلمين عوضوا حضورهم الضعيف في الإدارة بالتأثير الكبير في الجانب الاقتصادي مع شبه التحكم في قطاعات محورية كالتجارة والنقل والخدمات الأساسية، كما ظل حزب تكتل الجمهوريين (الحاكم حاليا)، أحد أهم المظلات السياسية الجامعة للمسلمين والمعبرة عن طموحهم السياسية ومطيتهم للبرلمان والمجالس البلدية طوال فترات مقارعة نظامي بيدي واكباكبو.
وصول الحسن واترا شكل محطة فاصلة في الوضع السياسي للمسلمين، بل وحتى في طبيعة الخلفية الدينية للنظام الحاكم، الذي كانت تطغى عليه المسيحية بشكل كبير، ونجد اليوم نصف وزراء الحكومة من المسلمين ولهم حضور في مختلف المواقع الأمنية والعسكرية.
—-
* المصدر: إسلام أون لاين.