ـ تشتُّت الروهينجيين وقلة كوادرهم وعدم مساندة الدول المجاورة وراء ضعف القضية
ـ الحكومة لا تسمح بإدخال الوسائل الإعلامية حتى لا تتسرب الانتهاكات الجسيمة
ـ الحراك الإعلامي الروهينجي العفوي انفجر في عام 2012م عقب مقتل 10 دعاة مسلمين في آراكان
ذكر الإعلامي خالد النجار، رئيس «وكالة أنباء الروهينجيا»، عدة أسباب وراء ضعف دور المؤسسات والمنظمات الروهينجية تجاه قضية مسلمي آراكان، يأتي على رأسها تشتّت الروهينجيين في عدة دول، وقلة الكوادر في مختلف التخصصات، وعدم مساندة دول الجوار (الآسيان) للقضية الروهينجية، بالإضافة إلى قلة القادة الذين تتوافر فيهم صفات القائد الناجح.
قال النجار في حواره مع «المجتمع»: إن الحكومة الميانمارية الجديدة التي تدعي الديمقراطية، والتي نالت زعيمتها جائزة «نوبل للسلام»، ما زالت تنظر إلى الملف الروهينجي بسخرية واضحة، وأهملته إهمالاً ينبئ عن استمرار التطهير العرقي والإبادة الجماعية والانتهاكات ضد أقلية الروهينجيا.
* الأمة الروهينجية مستضعفة، ولكن يبدو أن هذا لا ينطبق فقط على مسلمي الروهينجيا داخل ميانمار، ولكن أيضاً على المهاجرين خارجها، فلا نكاد نسمع لهم صوتاً مؤثراً على الساحة الدولية، ومؤسساتهم التي تسعى لنصرة القضية على ما يبدو دورها ليس فعالاً وتنقصها الكفاءة.. هل تتفقون مع هذا الطرح؟ وما أسباب ذلك؟ وما أبرز نقاط القوة والضعف في هذه المؤسسات بمختلف تخصصاتها وتوجهاتها؟
– أشكركم على الاهتمام بقضايا الأقليات المسلمة، خاصة قضية الروهينجيا، القضية الروهينجية قضية قديمة لها تاريخها وأحداثها، وتتجدد من فترة إلى أخرى، ومنذ أن بدأت معاناة الروهينجيا دافَعَ أبناءُ القضية عن قضيتهم حسب إمكاناتهم داخل آراكان وخارجها، ولو لم يكن هناك جهود بُذلتْ من قِبَل أفراد أو مؤسسات روهينجية لما استمرت القضية حية طوال هذه القرون إلى يومنا هذا، ولما وصل الملف إلى طاولة الأمم المتحدة التي وصفت أقلية الروهينجيا بأنها الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم، ولما كانت القضية محل اهتمام المؤسسات والمنظمات الدولية سواء الحقوقية منها أو الإغاثية أو الإعلامية أو السياسية.
إلا أن هذه الجهود المبذولة تتفاوت من فترة إلى أخرى في قوتها وضعفها وتأثيرها على حكومة ميانمار، وعلى الساحة الدولية، فمثلاً في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي قامت منظمات روهينجية خارج ميانمار بحراك فعال ومؤثر.
وهناك فترات زمنية – متصلة ومتباعدة – كان دور المؤسسات والمنظمات الروهينجية خارج آراكان ضعيفاً في تحريك القضية، وتفعيلها في الساحة الدولية، وتأثيرها على الحكومة الميانمارية.
وترجع أسباب هذا الضعف إلى أمور؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- تشتّت الروهينجيين في عدة دول، في بنجلاديش وباكستان والهند ودول آسيان ودول الخليج والدول الأوروبية، وعدم تمركزهم في دولة واحدة؛ مما أدى إلى ضعف التنسيق فيما بينهم، مع قلة إمكانات السفر للقاء المهتمين بالقضية بعضهم بعضاً.
2- قلة الكوادر في مختلف التخصصات، لعدم تمكنهم من الالتحاق بالتعليم في دول المهجر، إما لعدم حملهم الأوراق النظامية، أو لانشغالهم بلقمة العيش، أو لأسباب أخرى خارجة عن إرادتهم.
3- عدم مساندة ووقوف حكومات الدول المجاورة، ودول الآسيان مع القضية الروهينجية لحل مشكلاتها حلاً جذرياً؛ بالتالي لم يجد المهتمون من أبناء الروهينجيا أرضاً يقفون عليها وينطلقون منها، أو مظلة يحتمون بها، لخدمة قضيتهم بقوة وعلى الوجه الصحيح.
4- قلة القادة الذين تتوافر فيهم صفات القائد الناجح، واختلاف هؤلاء القلة من القادة السابقين أو الحاليين فيما بينهم، وعدم اتفاقهم في الرؤية وفي المنهج؛ وهو ما أدى إلى فقدان الثقة في نفوس الروهينجيين تجاه قادتهم.
هذه بعض أسباب ضعف المؤسسات والمنظمات الروهينجية في أداء دورها تجاه القضية من وجهة نظري، قد أكون مخطئاً فيما ذكرت، وأتمنى أن يصوبني من يرى غير ذلك من المتابعين والمهتمين بالقضية، فإن المسألة اجتهادية قابلة للنقاش، قد ينظر غيري من زوايا أخرى غير الزاوية التي نظرت منها.
* من خلال متابعة الخطاب الإعلامي للمواقع الإلكترونية الروهينجية وصفحات نشطاء التواصل الاجتماعي نجد أن هذا الخطاب يغلب عليه الشكوى، وتغيب عنه رؤية لحراك واقعي يمكن أن يؤثر في مجرى الأحداث.. ما أسباب غياب هذه الرؤية لنصرة القضية؟ وكيف يمكن وضع رؤية إستراتيجية واضحة ذات مراحل متدرجة للحراك الإعلامي والميداني؟
– إقليم آراكان فرضت عليه الحكومة الميانمارية حصاراً خانقاً من جميع النواحي؛ مما جعله سجناً كبيراً يعيش فيه الروهينجيون دون أن توجد فيها مقومات الحياة وأسبابها، ويتمثل هذا الحصار فيما يلي:
1- لا تسمح الحكومة لأي شخص (يريد دخول آراكان) بإدخال الأدوات والوسائل الإعلامية مثل الكاميرات وغيرها، إذ الحراسة مشددة على الحدود، والحذر الحكومي حاضر، والتفتيش قائم على أشده، حتى لا تتسرب الانتهاكات الجسيمة إلى خارج آراكان.
2- تمنع الحكومة دخول المؤسسات والقنوات الإعلامية لتغطية ما يجري هناك؛ خوفاً من نشر الفضائح والجرائم التي ترتكبها الحكومة ضد الشعب الروهينجي الأعزل.
وهذا الحصار الخانق المحكم أدى إلى عزل إقليم آراكان عن العالم، وغياب القضية الروهينجية عن الساحة الإعلامية إلى وقت قريب.
ومع تطور وسائل الإعلام، وانتشار الأجهزة الذكية المزودة بالكاميرات، ووجود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بدأ هذا الحصار يُخترق شيئاً فشيئاً، وبدأت صور الانتهاكات تتسرب من داخل آراكان، وتصل أخبار أهله إلى مَن هم في الخارج؛ مما أدى إلى حراك إعلامي عفوي من قِبَل أبناء القضية الذين طالما انتظروا هذه الفرصة لنشر قضيتهم ونشر جرائم الحكومة حتى يطلع عليها العالم، كما أدى أيضاً إلى محاولة بعض وسائل الإعلام وبعض القنوات الفضائية ووكالات الأنباء إلى ما يمكن الوصول إليه من أخبار آراكان، ومن ثم نشرها، مساهمة منهم في نشر القضية على نطاق واسع، لعل الضمير العالمي النائم يستيقظ، ويلتفت إلى ما يحصل من إبادة جماعية للروهينجيا في آراكان.
وقد انفجر هذا الحراك الإعلامي الروهينجي العفوي في يونيو 2012م في أعقاب قتل البوذيين المتطرفين لعشرة من الدعاة المسلمين في آراكان، وانتشار صورهم، فانتقل الإعلام الروهينجي من مرحلة العمل الفردي إلى العمل المؤسسي نوعاً ما، بإنشاء بعض أبناء القضية وكالات أنباء خاصة بأخبار الروهينجيا، ومراكز متخصصة في الإعلام، وإنشاء حسابات وصفحات خاصة بالروهينجيا في مواقع التواصل الاجتماعي.
إلا أن هذا الحراك الإعلامي الجيد يعتبر في مهده، ولم ينضج بعد، وهو بحاجة إلى من يسقي بذوره ويتعاهدها ويعتني بها إلى أن تنضج وتكبر.
ونظراً لحداثة هذا الحراك، وقلة الخبرة والخبراء والمختصين والكفاءات؛ غابت الرؤية الإستراتيجية للإعلام الروهينجي، وغابت الرؤية التي تشكل الرأي العام، وتدفع القضية إلى تصدر الإعلام العالمي.
وإيماناً من الإعلاميين الروهينجيين بضرورة وضع خطة ورؤية واضحة للإعلام، هناك سعي حثيث جاد من بعض المؤسسات الإعلامية الروهينجية بالتعاون مع مؤسسات إعلامية عريقة ذات خبرة في هذا المجال لرسم رؤية إستراتيجية واضحة للإعلام الروهينجي لدعم القضية.
* ما رؤيتكم للخروج من حالة عدم التأثير الكافي لتحريك القضية على الساحة العالمية؟ وهل تشعرون بأنه لا بد من تدشين مرحلة جديدة من الحراك بالتوازي مع حراك عالمي يؤثر في مجرى الأحداث؟
– لا يخفى عليكم أن الحكومة ما زالت مستمرة في انتهاكاتها ضد الروهينجيين العزل التي ترتقي جرائمها إلى الإبادة الجماعية، كما جاء ذلك في تقارير المنظمات والمؤسسات الدولية الحقوقية والأمم المتحدة.
وليس هناك أمل يلوح في الأفق، فإن الواقع يقول: إن الحكومة الجديدة التي تدعي الديمقراطية، والتي نالت زعيمتها جائزة «نوبل للسلام»، ما زالت تنظر إلى الملف الروهينجي بسخرية واضحة، وأهملته إهمالاً ينبئ عن استمرار التطهير العرقي والإبادة الجماعية والانتهاكات ضد أقلية الروهينجيا.
في ظل هذه الانتهاكات، على القادة الروهينجيين والمهتمين بالقضية أن يراجعوا حساباتهم وتحركاتهم في السابق، هل كانت تلك التحركات على جميع الأصعدة مجدية؟ وهل ساهمت في حل المشكلة، أم أنها مجرد شجب واستنكار كالعادة؟
إذا كان الجواب هو الثاني فعليهم أن يفكروا في تغيير خططهم إلى الأفضل، وأن يتوجهوا إلى مرحلة جديدة تتسم بالتكاتف والتحالف والتعاون من جميع المنظمات والمؤسسات الروهينجية.
وأنا أعتقد أن القادة الروهينجيين قادرون على تجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة أفضل أكثر تأثيراً بالتعاون مع الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية المتعاطفة مع القضية، بشرط أن يكون ذلك على مراحل، وباختيار قائد من قبل الشعب الروهينجي بعد إجراء انتخابات نزيهة.