تؤكد نخبٌ أمنية ووسائل إعلام “إسرائيلية” أن اغتيال مازن فقهاء -القيادي في “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس- قبل أسبوع، قد فجّر من وراء الكواليس “حرب أدمغة” ضروساً بين “كتائب القسام” والمؤسستين العسكرية والاستخبارية في “إسرائيل”.
وأكد قادة استخبارات ومعلقون إسرائيليون بارزون أن المؤسسة الأمنية في تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن حماس سترد بعمل انتقامي على عملية الاغتيال، ليس فقط بسبب أهمية الكادر الذي استهدفته العملية، بل أيضاً بسبب الطابع الشخصي لقائد حركة حماس الجديد في قطاع غزة، يحيى السنوار.
في الوقت ذاته، فإن محافل التقدير الاستراتيجي في “إسرائيل” تؤكد أهمية الدور الذي يلعبه تعاون الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في تحسين قدرة إسرائيل على إحباط مخططات حماس للانتقام. ومنذ الإعلان عن اغتيال فقهاء، نقلت قنوات التلفزة والصحف الرائدة في “إسرائيل” عن محافل أمنية إسرائيلية، تأكيدها أن رد حماس على عملية الاغتيال حتمي. وحسب رجل الاستخبارات العسكرية السابق، العقيد موشيه إليعاد، فإن حركة حماس ستصمم ردها بحيث لا يفضي إلى إشعال مواجهة شاملة مع “إسرائيل”، لافتاً إلى أن الحركة بإمكانها استغلال تواجدها الكبير في الضفة في تنفيذ عمليات انتقامية، بحيث يكون من الصعب على “إسرائيل” تحميل قيادة الحركة في غزة المسؤولية عن هذه العمليات.
وفي تحليل نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”، لم يستبعد إليعاد أن تتجه حركة حماس إلى تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، تماماً كما فعل “حزب الله” في الماضي.
من ناحيته، يرى إليكس فيشمان، المعلق العسكري لصحيفة “يديعوت أحرنوت” أن الكابوس الذي تخشاه “إسرائيل” يتمثل في أن تتجه حركة حماس لاستهداف المشروع الأمني الضخم، الذي يعكف جيش الاحتلال حالياً على تنفيذه في محيط قطاع غزة، والهادف إلى بناء “عوائق أمنية” تقلص تأثير الأنفاق الهجومية التي تحفرها حماس.
وأشار فيشمان إلى أن “إسرائيل” التي تدرك أهمية المشروع تهدد حركة حماس بإشعال حرب شاملة ضدها في حال تم استهداف المشروع، مستدركاً أن “إسرائيل” غير جادة في تنفيذ تهديدها على اعتبار أنها لا يمكن أن تخوض مثل هذه الحرب إلا في حال تم الانتهاء من هذا المشروع.
وحسب “مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة”، الذي يديره وكيل وزارة الخارجية السابق، دوري غولد، والذي يعد أكثر مراكز البحث الإسرائيلية التصاقاً بمؤسسة الحكم، فإن جميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منغمسة في بحث فرص إحباط مخططات حركة حماس للانتقام. وحسب ورقة تقدير موقف أعدها مدير عام سلطة الإذاعة والتلفزيون السابق، المستشرق يوني بن مناحيم، ونشرها الموقع أمس الأربعاء، فإن “حرب الأدمغة الاستخبارية” بين حماس والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتمثل في سعي حماس حالياً إلى تنفيذ عمليات انتقامية انطلاقاً من الضفة الغربية، في حين تعكف الأجهزة الإسرائيلية على محاولة بناء تصورات حول طابع ردود حماس ووضع مخططات لإحباطها.
وأضاف بن مناحيم أن قادة الجهاز العسكري لحماس يعكفون حالياً على تجاوز المعيقات التي تحول دون تنفيذ عمليات رد نوعية، يتم تنفيذها بحيث لا تفضي إلى مواجهة شاملة، في حين أن المخابرات الإسرائيلية، في المقابل، “تصل الليل بالنهار في محاولة لإغلاق كل الثغرات الأمنية التي يمكن أن تستغلها حماس بحيث تنجح في تنفيذ مخططاتها”.
وحسب بن مناحيم، فإن التقدير العام في إسرائيل بأن حماس تسعى إلى تنفيذ عملية اغتيال “بدون ترك بصمات أصابع تدلل على مسؤوليتها”، تماماً كما فعلت “إسرائيل” عند اغتيال فقهاء. واستدرك بن مناحيم قائلا: إنه بغض النظر عن الجهود الاستخبارية التي يمكن أن تبذلها إسرائيل لمنع مخططات حماس الانتقامية، فإنه لا يمكن ضمان إحباطها. وشدد بن مناحيم على إدراك إسرائيل عجزها عن إفشال مخططات حماس الانتقامية جعلها تراهن بشكل كبير جداً على الدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
وأضاف أن أمن السلطة يقوم بجمع معلومات استخبارية يستقيها من الميدان ومن خلال التحقيق مع عناصر حركة حماس بهدف مساعدة إسرائيل على منع تنفيذ عمليات انتقاماً لاغتيال فقهاء.
وشدد بن مناحيم على أن ما يجعل رئيس السلطة محمود عباس معنياً بشكل خاص بالتعاون مع “إسرائيل” لإحباط مخططات حماس لتنفيذ عمليات انتقامية، حقيقة أنه معني جداً باستمالة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، إلى جانبه، سيما قبيل اللقاء القريب بينهما في البيت الأبيض؛ مشيراً إلى أن عباس يتعامل مع منع مخططات حماس الانتقامية كـ “اختبار يتوجب عليه أن ينجح فيه أمام ترامب”.
وينقل بن مناحيم عن مصادر مسؤولة قولها إن عباس “أعطى أوامر صارمة لقادة أجهزته الأمنية بإبداء أقصى درجات ومستويات التعاون مع جهاز المخابرات الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) في سعيه لإحباط مخططات حماس الانتقامية”. واعتبر بن مناحيم أن حرص عباس وقادة سلطته على عدم التنديد بحادثة اغتيال فقهاء تندرج في إطار استعداده للقاء ترامب.
—-
* المصدر: العربي الجديد.