يتعرض الطلبة الدارسون في الخارج إلى حملات التنصير بشكل واضح جدًّا.. تبدأ الحملات غالبًا في معهد اللغة.. أو ربما بدأت في مكتب الطلبة الأجانب في الكلية أو الجامعة.. هذا عدا عن أفراد يقرعون عليك الباب “يبشرون” بالمسيح عليه السلام، وربما كانوا أبعد من غيرهم عن تعاليم المسيح عليه السلام، هذا إذا كانوا قد أبقوا على شيء من تعاليم المسيح عليه السلام،وهذه كانت انطباعتنا عن كل من يطرق الباب دون موعد مسبق.
وكنت في “شقتي” الصغيرة يومًا عندما قرع عليَّ الباب مجموعة من الرجال.. نظرت إليهم من منظار الباب فوجدت أشخاصًا عليهم سيماء طيبة.. وثيابهم مألوفة.. . فعلمت أن هؤلاء مسلمون.. فتحت الباب ورحبت بهم.. وكانوا من الإخوة الهنود والباكستانيين وبعض المقيمين من مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية.. وكان من بينهم رجل يلبس الثياب الهندية، ولكنه من الأمريكيين.. فدفعني الفضول إلى سؤاله عن الطريق الذي وصل منه إلى الإسلام.. فأجابني الرجل أنه دخل الإسلام عن طريق التنصير.. فعجبت كثيرًا.. وبدا عليَّ العجب! وقدر عجبي فقص عليَّ خطواته الأولى نحو التعرف على الإسلام..
كان في حملة تنصيرية في الهند مع فريق من أولئك الذين نذروا أنفسهم للمسيح.. ومر على قرية خرجت عن بكرة أبيها إلى ساحة عامة.. اصطف فيها الناس صفوفًا منتظمة وعجيبة.. وأمام هذا المشهد رجل واحد.. كلما تحرك تحرك الجميع كما يتحرك،ولا يتحركون قبل أن يتحرك.. فعلم الرجل أن الناس جميعًا في شأن.. فانتظر حتى بدا عليهم الانتهاء من هذا الشأن حين انصرفوا.. بحث عن شخص يتكلم اللغة الإنجليزية.. فانبرى واحدٌ من الجمع.. فسأله الرجل عما كانوا يعملون.. فأجابه بأنهم كانوا يصلون لله تعالى صلاة جماعة.. ولعل الوقت كان جمعة أو عيدًا.. فسأله عن هذا الدين الذي أوحى إليهم بهذه الطريقة الجميلة في العبادة.. فأجابه بأنهم مسلمون.. فهز الرجل رأسه عجبًا.. لم يكن يعرف عن الإسلام إلا ما درسوه له في الثانوية من أنه دين يستولي على خيرات الأمم ويجلبها إلى مكة (المكرمة) حيث قبر الرسول (!).. ولم يكن يعرف عن الإسلام إلا ما أملوه عليه في بداية الحملة من أنه دين يهدد الوجود البشري بأكمله.. ولكنه وجد شيئًا عجيبًا..
ترك الجميع وذهب يبحث عن الإسلام.. لم يستمر كثيرًا في الحملة التي جاء معها.. فقد خفت فيه الحماس.. وبدأ يستعيد المعاني التي يمكن أن يجدها في دينه على شاكلته التي هو عليها.. وقف وقته على القراءة عن الإسلام.. عزم على أن يقرأ عن الإسلام بأقلام المسلمين.. لم يكن يعتمد كثيرًا على ما يكتبه أبناء قومه من المستشرقين؛ لأنه أدرك أنهم لا بد طاعنون في الإسلام.. وقرأ كثيرًا.. فوجد الخير في الإسلام، ثم أعلن دخوله فيه..
وفي سبيل أن يكفر عن خطيئته التي جرته إليها الحملات التنصيرية.. وقف وقته على الدعوة إلى الله تعالى.. في البدء كان يرافق مجموعة من الرجال ينصت إلى ما يقولون؛ فهو لا يزال يتعلم.. وفي الوقت نفسه كان يزداد علمًا من خلال ما يقرأ ويسمع.. ثم بدأ يدخل مجال الدعوة في تبيان فضل الإسلام بالمقارنة بالدين الذي خرج منه.. وما يبذر هذا الدين “الجديد” من الطمأنينة في النفس حينما يتجه المرء إلى الواحد الأحد.. بدلًا من أن يتجه إلى ثلاثة من ثلاثة.. أو إلى اثنين من ثلاثة.. أو إلى واحد من ثلاثة.. أو لا يتجه إلى أي من هذه الثلاثة.
وهذه ليست هي الحالة الوحيدة التي يهتدي فيها منصرون إلى الإسلام.. فقد حدث هذا في إفريقيا.. ويحدث الآن في أماكن أخرى.. وتكاد تكون المسألة هنا ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة.. فاهتداء النصارى واليهود وغيرهم أمر ليس غريبًا.. أو عجيبًا.. ولكن اهتداء من حملوا على عواتقهم مهمة الدعوة إلى دينهم أمر يستحق التوقف حقًّا..
وأريد أن أصل من هذه الحادثة إلى نتيجة قد تكون قابلة للتعميم.. فنحن نتحدث عن الوسائل التي يستعين بها المنصرون في حملاتهم.. ومن هذه الوسائل نذكر الحقد التقليدي على الإسلام من قبل أولئك الذين يدرسون الحروب الصليبية.. ثم يريدون لها أن تمتد حربًا صليبية تأخذ أشكالًا أخرى من السلاح غير الشكل الذي كانت عليه الحروب الصليبية.. وندرس ضمن هذه الوسيلة الاستعداد الذاتي لدى المنصرين.. ورغبتهم في السفر والاختلاط بالأمم الأخرى التي يراد لها أن تنتصر.. وما يتبع هذا الاختلاط من التخلي عن سبل الرفاهية التي عاشت عليها الأمة الغربية.. وندرس ضمن هذه الوسيلة أيضًا إيمان بعض المنصرين بما يدعون إليه إيمانًا عقديًّا..
ثم تأتي هذه الحالة وحالات مشابهة لتنبهنا إلى أن علينا عدم التعميم في الأحكام.. فليس كل من يشترك في حملات التنصير مؤمنًا بما يقوم به.. وليس كل من يشترك في حملات التنصير حاقدًا على الإسلام والمسلمين.. ولكن جماعة من هؤلاء مضَلَّلونَ.. لديهم الرغبة في نشر الخير.. فلم يجدوا وسيلة أمامهم إلا حملات التنصير.. فلما تبين لهم الحق تركوا ما هم عليه وتبعوا الحق..
وهذا يلقي عبئًا آخر على الدعاة إلى الله في أن يَجِدُّوا في اتباع السبل الحديثة المشروعة في الدعوة إلى الله.. وأن تكون هناك لقاءات مع مجموعات المنصرين تكون فيها مناظرات وحجج ونقاش.. ولا يستغرب المرء أن تتحول هذه الجهود والإمكانات التي يقوم بها المنصرون في مصلحة الإسلام.. ولا يستغرب المرء أن تتحول مجموعات من الأعضاء في الجمعيات التنصيرية إلى الإسلام.. إذا ما اتضح الإسلام لهذه الجمعيات والمجموعات..
وعليه، فإن مجرد التوعية بأخطار الجمعيات التنصيرية المنتشرة اليوم قد لا يكون كافيًا.. بقدر ما تكون البدائل متوافرة.. ومن هذه البدائل التوجه إلى هذه الجمعيات والجماعات وانتزاع المضلل منها.. والتشكيك في المصممين منها.. وتشكيكهم هم بجدوى ما يقومون به على المستويين الدنيوي والأخروي..
وهذه مسؤولية تضاف إلى المسؤوليات المناطة بالدعاة إلى الله تعالى، الذين آلوا على أنفسهم مزاحمة الباطل بالحق، وإنقاذ الأمم الأخرى من الضَّلالِ، ومن الدعاةِ إلى الضلال.. وتبقى المقومات والإمكانات الأخرى المطلوبة في سبيل القيام بهذه المسؤوليات، ندعو الله أن يتنبه إليها القادرون.. فيشكلون للدعاة مصادر للدعم والتمويل والعون وتذليل الصعاب، وكان الله في عون الجميع.
—-
* المصدر: الألوكة.