“الخلافة”.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! وهل يتحدث عن الخلافة إلا “داعشي” أو تابع لأبي بكر البغدادي؟! وهل تُذكَر الخلافة إلا ومعها الرايات السود والسيوف المشهرة بأيدي أصحاب العمائم واللحى فوق رؤوس الضحايا؟! وهل الخلافة في كتب التاريخ سوى صفحات حمراء بلون الدماء وسوداء بلون القهر والظلم؟!
فلِمَ الحديث عما يُتعَوَذ بذكره من الشيطان الرجيم؟!
وقبل أن نخوض في أصل الموضوع نتساءل: لماذا يعتبر هؤلاء المشمئزون من ذكر الخلافة الاتحاد الأوروبي مظهراً من مظاهر تحضّر أوروبا؟
ألم تكن وحدة أوروبا قروناً تحت سلطة البابا يفرض عليهم لغته اللاتينية على حساب لغاتهم القومية ويحرم عليهم ترجمة الإنجيل عن اللغة اللاتينية؟ ألم تكن تلك الوحدة على حساب إلغاء الهوية الوطنية لدول أوروبا تحت سلطة البابا؟ ألم تكن سلطة البابا فوق سلطة الملوك وبإشارة منه كانت تتحرك الجيوش وتسيل دماء الشعوب وتهدر مقدراتها؟ ألم تستولِ الكنيسة على ما يفوق أملاك الملوك والإقطاع؟!
لماذا لم تفتش أوروبا في دفاترها القديمة وتستخرج الصفحات الحمراء والسوداء وتنفر من أي حديث يجمع دولها في وحدة سياسية أياً كان شكلها بدعوى التشاؤم من هذا الماضي الوحدوي الذي ضاع فيه استقلالها الوطني ولغتها المحلية؟!
لماذا في أوروبا يقول المفكر الاشتراكي الفرنسي جان جوريس: “علينا أن نبحث في الماضي عن الجذور المُتَّقِدة وألا نكتفي من الماضي بالرماد”، ونحن في بلادنا نبحث عن الرماد ونُهيل التراب على الجذور المُتَّقِدة!
نعود إلى الخلافة؛ وهل الخلافة سوى مصطلح مدلوله كيان سياسي يحفظ وحدة المسلمين؟
إذا نظرنا إليه من الناحية التاريخية فله وعليه.
عليه صفحات سود من فترات تخلف وقهر، ومن بعض خلفاء معهم علماء سلطان اعتبروا الخليفة ظل الله في الأرض ومعارضته معارضة لإرادة الله.
وله صفحات بيض حفظت وحدة الأمة وجعلت منها كياناً مرهوباً من أعدائها، ولولا هذه الوحدة السياسية لما دخل الإسلام إلى قلب أوروبا ولما احتفظ بدولِهِ التي اجتاحتها جيوش البابا.
ولما سادت الحضارة الإسلامية قروناً وقدمت للعالم العلم والتقدم والعرفان.
وإذا نظرنا للخلافة من منظور الإسلام، فقد ذهب الشيخ علي عبدالرازق في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” أنه لا يوجد على الخلافة دليل من قرآن أو سُنة أو حتى إجماع، ورد عليه كثير من العلماء بفساد استدلاله.
وليس هذا مجالنا، ولكن ما يعنينا أنه أقام حكمه على أمرين أساسيين ما زالا هما مُضْغة الخائضين في عِرض الخلافة:
الأول: أن القرآن لم يحدد شكل الحكم (ديمقراطي – اشتراكي – خِلافَة).
وهو في ذلك على حق، فمن عظمة الإسلام وصلاحية أحكامه ونظمه لكل زمان ومكان، أن الإسلام حدد الأهداف العليا ووضع القواعد الأساسية والوسائل الكلية دون أن يخوض في الجزئيات.
ففي نُظُم الحكم مثلاً، وضع العدل والشورى ركنين أساسيين من أركان الحكم، فبالعدل تُحفَظ الحقوق، وبالشوري تتحقق سلطة الشعب، وعلى أهل أي زمان ومكان أن يبحثوا عن الشكل الذي يحقق الركنين.
الثاني: أنه استند إلى انتقاءاته من التاريخ واعتبر الخلافة نكبة على الإسلام والمسلمين.
وهذا السخف يستند إلى الهوى ويخالف الإنصاف الذي يبحث فقط عن الرماد في كتب التاريخ، دون أن يبحث أيضاً عن الجذور المتقدة كما بيَّن جان جوريس.
وبرغم أن حالنا أبعد ما تكون عن حديث عن الخلافة، ولكن ما نعيشه من حرب استئصال لوجودنا وهويتنا يحتم علينا أن نلفت النظر إلى حرب المصطلحات والمفاهيم التي يمارسها أعداؤنا وأذنابهم والتي تتركز على مفاهيم ثلاثة: الإسلام، الجهاد، الخلافة.
فالإسلام هو هوية الأمة وعقيدتها، والجهاد عزها وقوتها، والخلافة وحدتها وأخوتها.
فإن نزعت من أي أمة هويتها، وقوتها، ووحدتها؛ فماذا يبقى لها؟!