إنّ الإسلام في مجمله رسالة تربوية؛ يهدف إلى إصلاح النفس البشرية وتوجيه بوصلتها نحو الحق والهداية والطريق المستقيم، لذا يكون الاهتمام المتواصل والحديث غير المنقطع عن التربية.. أهدافها ووسائلها وطرقها المختلفة دلالة على عظمة شأنها ومكانتها.
وحديثنا اليوم عن طرق هذه التربية ومذاهبها التي تتنوع بين التربية الفردية والجماعية، الحديث اليوم بين {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28] وبين قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر:18]، في حديثنا تساؤلات نحاول الإجابة عنها أو السبر في أغوارها؛ لعلنا نفتح أبواباً أو نعدّل مساراً.
تبدأ التربية ضمن وسط جاذب محفز، يضم المربي ومجموعة من المتربين يحدث بينهم تفاعلاً إيجابياً وتبادلاً للخبرات وصقلاً للمواهب، ولكن مما يغيب عن أذهاننا في ظل الوسط الجماعي تلك المسؤولية الفردية، وننسى الوازع الداخلي والدافع الذاتي معتمدين بالمطلق على تربية المحضن الجماعية، مما قد يؤدي إلى إضعاف التربية الذاتية في نفوس المتربين، فتراهم في الوسط الجماعي على حال وفي غيره على حال أخرى مختلفة.
إن مما لا شك فيه بأن أول مسؤوليات الإنسان هي مسؤوليته عن نفسه وتربيتها وإصلاحها وبنائها البناء القويم، ومن هنا كان الدافع بالاهتمام بالعنصر الذاتي الذي يُعد عنصراً أساسياً من عناصر العملية التربوية فكانت التربية الفردية الذاتية والتي تعرّف بأنها: الجهد التربوي الذي يبذله الفرد للارتقاء بشخصيته من خلال الوسائل التي بينها الإسلام في مختلف الجوانب من الطاعات والعبادات والمعاملات والسلوكيات. وعليه -أي الفرد- تقع عاتق المسؤولية حيث يربي نفسه ويوجهها ويزكيها ويأخذها إلى مدارج الرقي والكمال.
وكم نحن بحاجة في محاضننا التربوية إلى تفعيل هذا الجانب والاهتمام به، وغرس الرقابة الداخلية والمتابعة الذاتية في نفس المتربي، حتى إذا ما غادر محضنه وبات في بيئة ووسط مختلف مغاير، بقي ثابتاً محافظاً على ما تربى عليه وتعوده في بيئته ووسطه الجماعي الذي كان له معلماً ومرشداً.
ولعل هذا الاختلال بين الفردية والجماعية في القيم والمعاني التربوية والإيمانية يبدو واضحاً في الممارسة اليومية للحياة ويتجلى بوضوح مع ازدحام البرنامج اليومي للمتربي وانشغاله بيومياته، وهنا تظهر الحاجة لتربية النفس البشرية بإيجاد صلة دائمة بينها وبين ربها في كل لحظة وكل عمل وكل فكرة وكل شعور؛ فقد يغفل الإنسان ويُذهل وتأخذه ضخامة الكون وتعقيدات الحياة فيخفت ذلك الإشراق وتهتز تلك الصلة، إلا أن الإسلام يريدها صلة دائمة وإشراقاً لا يعرف الغروب، يريدها منهج حياة تحت راية فاتقوا الله ما استطعتم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن وسائل تحقيق ذلك: توثيق الصلة بالله واستشعار رقابة الله تعالى، قصر الأمل وتذكر الموت، المبادرة إلى التوبة والاستغفار، المصاحبة الدائمة للأخيار، تعزيز الثقة بالنفس، حفظ الوقت والاعتناء به، ومن ركائزها فردية التكليف في الإسلام، والجزاء على الأعمال يوم الحساب.
نستطيع القول بأن التربية السليمة المتوازنة الناجحة لا بد أن تسير بخطين متوازيين ، تعمل على تبصير الأفراد بأهمية العنصر الذاتي لنجاح التربية وتكاملها، والتأكيد على أن إصلاح المجتمع، يبدأ من إصلاح الفرد لنفسه، والعمل بالتوازي على ربطه بمحاضن تربوية يكون لها عميق الأثر في بنائه وإعداده وتأهيله، وللأخذ بيده نحو التربية الجادة والاهتمامات الجيدة، وعلينا أن لا نغفل بأن التربية: جهد متواصل، وتدريب دؤوب، ومتابعة مستمرة، لا تتحقق إلا بممارسة عملية، وإشراف مباشر .
المصدر: “بصائر تربوية”