لم تهتم أغلب وسائل الإعلام التونسية بالاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية، ليحل النظام الرئاسي محل النظام البرلماني، وذلك عائد إلى النتائج المخيبة لآمال القائمين على وسائل الإعلام تلك، والتي لم تتعلم أن الإعلام صدى لواقع الحال، وليس صدى للعواطف والتخندق السياسي والأيديولوجي.
الغريب أن وسائل إعلام عمومية كوكالة “تونس أفريقيا” للأنباء، و”الصباح”، فضلاً عن جريدة يطلق عليها تهكماً صحيفة “مع وضد” وهي صحيفة “الشروق”، الموالية لنظام بن علي، تعاطت مع الحدث التركي التاريخي بجعل الهوامش محور تناولها للموضوع، فقد أبرزت على سبيل المثال خبر بعض مواطني إسطنبول الذين احتجوا على نتائج الانتخابات بضرب الأواني من خلال نوافذ منازلهم، وهم بعض المواطنين في 4 أحياء فقط، كما اكتفى بعضها بالحديث عن مقتل شخصين في مناطق ديار بكر التي تسمنها أغلبية كردية، إعلام كان ولا يزال في آخر الترتيب العالمي بل والأفريقي حيث تحتل تونس بسببه المرتبة ما بعد المائتين، وربما تأخر عن ذلك الآن بكثير.
حمل الاستفتاء التركي على الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، العديد من الدلالات التي تظهر حيوية الشعب والدولة التركية، والتي عكستها نسبة المشاركة في الانتخابات (أكثر من 80%)، أو نسبة نجاح الاستفتاء الذي تجاوز 53%، علاوة على طريقة المشاركة حيث عمد كثيرون إلى ارتداء ملابس تقليدية، في حين توجه آخرون إلى أماكن الاستفتاء بملابس العمل، وكانت المشاركة شاملة لم تتخلف أي فئة عن المشاركة فيها بمن في ذلك كبار السن والمعاقون.
احتفاء شعبي
صحيفة “الرأي العام” أشارت إلى أن الاستفتاء التركي لم يخل من الاحتفالية الشعبية البعيدة عن الرسميات والدعاية (البروباجندا) السياسية؛ حيث شارك عرسان بملابس الزفاف في الاستفتاء الشعبي يوم الأحد 16 أبريل 2017م بعد إقرار البرلمان التركي للتعديلات الدستورية في 21 يناير الماضي، وبهذا الاستفتاء انتقلت تركيا رسمياً إلى النظام الرئاسي، علاوة على زيادة عدد نواب البرلمان من 550 نائباً إلى 600 نائب، وتخفيض سن الترشح للانتخابات من 25 سنة إلى 18 عاماً، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إجراء استفتاء في تركيا، إذ يعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية السابع الذي يجري في تركيا، حيث شهدت البلاد استفتاءات سابقة في أعوام 1961 و1982 و1987 و1988 و2007 و2010م.
سرعة قياسية
جريدة “الفجر” ذكرت أنه رغم أن من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء يتجاوز الـ55 مليون نسمة؛ فإن الاستفتاء السابع الذي يُجرى على تعديلات دستورية في تركيا جرى في كنف الشفافية، وظهرت النتائج في وقت قياسي مقارنة باستفتاءات وانتخابات أخرى بما فيها تلك التي جرت في تونس بعد الثورة، في حين بقيت النتائج تنظر أسابيع في ليبيا قبل أن يكشف عنها؛ مما أثار ردود أفعال مدمرة على نتائجها واتهامات بالتزوير وزيادة حدة التصدع بين الفرقاء الليبيين.
احتفاء حقيقي
وتابعت “الفجر” احتفالات الأتراك بنتائج الاستفتاء خارج تركيا، عكست روحاً وطنية عالية قل نظيرها، بل لا توجد دلائل تفيد بأن حدث نظيرها في أعقاب استفتاءات أو انتخابات عربية، وقد تحمل كثير من الأتراك نتائج التعبير عن فرحتهم من خلال دفع مخالفات ظالمة فرضتها عليهم الشرطة في بعض البلدان الأوروبية كالشرطة الألمانية بحجة إثارة الشغب، في حين لا تفعل ذلك مع أنصار الأحزاب الألمانية أو أنصار الفرق الرياضية الألمانية.
نتائج ديمقراطية
قناة “الزيتونة” الفضائية قدمت قراءة للنتائج، ومنها أن نسبة 51.5% التي نجح بها الاستفتاء والتي حاول البعض التهوين من خلالها في النصر الذي حققه أردوغان، تعكس حالة طبيعية في النظم الديمقراطية، خلاف الرقم العربي الخرافي 99.99%.
الانتصار بنسبة 50+1 على سبيل المثال دلالة على نصر في ظل تنافس شديد، بينما الانتصارات السهلة فهي تعكس خمولاً من جانب أو تزويراً من جانب آخر.
حال وسائل الإعلام
كشف الاستفتاء التركي عن مهنية عالية لبعض وسائل الإعلام، كما كشف عن إعلام دعائي سواء في هذا الجانب أو ذاك، وإن التركيز على السلبيات لدى البعض كان ميزة تناولها للحدث التركي التاريخي، إذ ركزت بعض وسائل الإعلام التونسية على قرع بعض سكان إسطنبول للأواني عبر نوافذ منازلهم (وليس في الشارع الذي يعبر عن الحجم الحقيقي للفرح والاحتجاج) تعبيراً عن رفضهم لنتائج الاستفتاء، في حين كانت 4 أحياء فقط في إسطنبول ووفقاً لتلك المصادر ذاتها، واكتفت أخرى بتسجيل وفاة شخصين في ديار بكر التي تسكنها أغلبية كردية.
دولة قوية
أخيراً؛ لا شك أن الاستفتاء مثَّل دعامة جديدة لرجل تركيا القوي، وحول السلطة في تركيا إلى نظام رئاسي على غرار فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ودول ديمقراطية أخرى بعد انتفاء المخاوف من قيام نظام دكتاتوري، وهو ما أكده مغردون ومدونون على صفحات التواصل الاجتماعي.