فشلت الزيارة التي أداها رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إلى تطاوين يوم الخميس الماضي الـ27 من أبريل، رغم التحضير الجيد لها، ولم تلق القرارات الـ64 التي حملها إلى الغاضبين في الجنوب وتحديداً تطاوين الاستجابة المرجوة التي كان يأملها، وقوبل بصيحات “ارحل ديقاج”، وعبر المعتصمون عن رفضهم للقرارات واصفين إياها بالهلامية، وبأنها لا تفي بالغرض ولا تستجيب لمطالب الأهالي.
احتجاجات رغم القرارات
ورغم زعم الحكومة بأن الشاهد لم يتم طرده، على اعتبار أن اللقاء مع المعتمين تم في غياب وسائل الإعلام التي منعت من تغطية الاجتماع، فإن الأشرطة المصورة، وعدم زيارة الشاهد للمنطقة الصناعية وملعب نجيب الخطاب والمسبح البلدي ومركز الدفاع الاجتماعي والمركز القطاعي للتكوين المهني، وما أدلى به بعض الحاضرين تكذب هذا النفي من كل جانب.
لقد عمت قاعة الاجتماعات موجة من الاحتجاجات بعيد تلاوة رئيس الحكومة قائمة القرارات التي تم اتخاذها لتسكين غضب المحتجين في المنطقة، والذين طالبوا بقرارات عاجلة وفورية وجديدة تلبي مطالب الأهالي ومحددة، مثل توظيف فرد من كل أسرة، بدل صيغة تشغيل ألفي عاطل عن العمل في تطاوين على سبيل المثال، فضلاً عن أن قرارات الشاهد لم تشمل توفير أطباء اختصاص في عدة مجالات من بينها الولادة، واستحالة الاستجابة لمطلب تأميم النفط التونسي.
وعود الشاهد
64 قراراً لصالح ولاية تطاوين تأبطها الشاهد وهو يحث الخطى إلى كامورا من الولاية الغاضبة، وظن أنه سيحقق إنجازاً تاريخياً يضعه في مصاف الزعماء، وقد تكون راودته فكرة تأسيس حزب يوماً ما على غرار مهدي جمعة، حيث لم يفته وهو يعتزم تدشين ساحة العلم في البلفيدير أن يكتب على لوحة التدشين “الشاهد أول من رفع هذا العلم”، وميل الشاهد لمرافقة وزرائه له حتى وهو يحضر برنامج تلفزي، وقد كان معه 10 وزراء في زيارته لتطاوين تفسر بعضاً من هذه النزعة الملكية، كما يقول البعض.
وعود الشاهد لم ترق للمعتصمين، رغم أنها تتحدث عن انتدابات تصل إلى ألفي انتداب منها 350 انتداباً في إطار مشروع الكرامة، و500 انتداب بشركة البيئة والبستنة، وتمويل مشاريع صغرى غالباً ما تتم بالمحسوبية والواسطات، علاوة على تكرار وعود في المجال الفلاحي، والنقل الجوي، والصحة، والصناعة، والبيئة، والشؤون الاجتماعية، وهي وعود مشاريع تكررت على مسامع الأهالي مراراً، علاوة على أن مطالب الجهة أكبر مما تم الحديث عنه، والوفاء بها في حاجة إلى إثبات، ولا يلدغ المواطن بالوعد مرتين، فضلاً عن عشرات المرات.
إطفاء الحريق بالبنزين
ذهب رئيس الحكومة يوسف الشاهد لإطفاء حريق الاحتجاجات في تطاوين، لكنه زاده اضطراماً، وقد ذهب إلى هناك بـ64 وعداً وعاد إلى قصر الحكومة بما كان يخشى منه قبل الذهاب إلى تطاوين بيدين فارغتين “ما نمشوش إيدينا فارغة”، لم يذهب بيدين فارغتين ولكن عاد بيدين فارغتين من تطاوين، والسياسة والاقتصاد لا يقبلان بالفشل، إذ إن الفشل معناه السقوط، لا سيما وأن مناطق أخرى تتململ منذ فترة، ويمكن أن يتحول تململها إلى اعتصامات على غرار تطاوين، وذلك من وجهين، أولاً أن تطاوين حصلت على بعض الوعود ولم تحصل هي على نفس الوعود، وثانياً لأن تطاوين أو الأهالي في تطاوين أو بالأحرى الغاضبين في تطاوين لم يرضوا بما قسم لهم يوسف الشاهد.. مسألة معقدة فعلاً.
تحديات في القمة
ليست تطاوين وحدها مستنفرة من أجل التشغيل والتنمية، ففي القصرين وسيدي بوزيد والكاف يضطرم اللهيب تحت الرماد، وقد انطلق من القيروان التي أثبتت أن حكومة الشاهد ليس عندها سوى المسكنات والترقيعات، فهناك وعد الوالي المحتجين بألف دينار لكل فرد، وتسلم المحتجون وصول بألف دينار، لكنهم عند مراجعة الجهات المعنية في الولاية نفت تلك الجهات وجود أموال لهذا الغرض، ولا يزال الوالي متوارياً عن الأنظار معتصماً في بيته تحت حراسة أمنية، بينما سد الغاضبون مداخل المدينة دون تدخل الأمن في الأمر.
آثافي الشاهد
في الغالب تكون المصائب ثالوثاً فيقال، ثالثة الأثافي، لكن يبدو أن المصائب التي تواجه الشاهد متعددة، فإلى جانب المطالب الاجتماعية تواجه حكومة يوسف الشاهد مشكلة انزلاق الدينار ومخاوف من تعويمه بعد الهبوط الحاد غير المسبوق في قيمته أمام العملات الأجنبية ولا سيما اليورو والدولار، ووصول الدين الخارجي إلى معدلات تنذر بالخطر.
إلى جانب الاحتقان على المستوى التربوي، بين النقابة والوزير الذي جر الحكومة معه إلى مستنقع لي الذراع، فضلاً عما يثيره مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية مع المتهمين بالفساد والاستيلاء على المال العام في عهد الاستبداد أو سهلوا للآخرين ذلك، من جدل ينذر بانفجار الأوضاع الاجتماعية، في ظل التراخي والتلكؤ في حل معضلة العدالة الانتقالية، وإبقاء آلاف المناضلين من مختلف الأجيال والحساسيات السياسية في انتظار حقوقهم الدستورية في جبر الضرر ورد الاعتبار.
قضايا كبرى تواجهها حكومة يوسف الشاهد مما يجعلها فعلاً، فوق صفيح ساخن.