التاجران الشايع والمرزوق.. التوفيق الرباني وحسن النية حفظا أموالهما:
لا شك أن النية الحسنة لفعل الخير والمعروف تنفع صاحبها، ولذلك نجد أن ديننا الإسلامي الحنيف قد وصانا بإحسان النوايا وإصلاحها قبل القيام بأي عمل، سواءً كان هذا العمل عملاً أُخروياً (نرجو به الثواب في الآخرة) من أعمال البر والإحسان وشتى أنواع المعروف، أو عملاً دنيوياً من أمور معاشنا ودنيانا.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أروع الأمثلة في التوكل على الله والنية الحسنة في كل أمورهم، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية، والتي وردت في كتاب “أصداء الذاكرة” للعم عبدالعزيز محمد حمود (الشايع ط1، الكويت: ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع، 2012م، ص 92-95).
يروي العم عبدالعزيز الشايع أنه في عام 1949م وأثناء وجودنا بالهند، زارنا في أحد الأيام شخص يهودي إيراني يتقن اللغة العربية، وقال: إنه مسافر إلى كراتشي، وهو بحاجة إلى تحويل 250 روبية يملكها في كراتشي.
يستطرد العم عبدالعزيز الشايع قائلاً: ولأنني لم أطمئن له منذ النظرة الأولى، فقد سألته: لماذا تحول هذا المبلغ الصغير؟ ضعه في جيبك وسافر، إلا أنه تحجج بالخشية من سرقته في الطريق، وادعى خوفه من فقدان المبلغ الذي هو بأمس الحاجة إليه، وألحّ علينا في طلبه؛ مما جعل الأخ صالح الشايع يوافق، حيث طلب مني تحويل هذا المبلغ على محمد المرزوق المتواجد في كراتشي، وكنا نتعامل معه، وهكذا استلمت منه 250 روبية وكتبت له ورقة بالتحويل ووقعتها وسلمته إياها.
ولكن اليهودي لم يسافر وطلب منا ورقة تحويل أخرى لمبلغ 250 روبية التي سبق وأن سلمنا إياها وحولناها له إلى كراتشي، فاستغربت مما قال وبدأت أتشكك في نواياه، وعارضت إعطاءه تحويلاً، لكن الأخ صالح ألحّ عليِّ وقال لي: أعطه ورقة أخرى فيبدو أنه مسكين ومحتاج لهذا المبلغ فعلاً، فما كان مني إلا الطاعة للأخ صالح فيما طلب، ومنحته ورقة تحويل جديدة ونسخة الوصل التي نحتفظ بها عادة في سجلاتنا.
بعد فترة قصيرة من الزمن، زارنا محمد المرزوق في بومباي، وعندما رأيته أردت الاطمئنان على مبلغ اليهودي، فالشك لم يفارقني منذ البداية، وسألت المرزوق: هل جاءكم اليهودي بورقة تحويل؟ فأجاب: نعم جاء ودفعنا له 20 ألف روبية! عندها هتف صالح: 20 ألفاً؟ كيف؟ إنه لا يستحق سوى 250 روبية فقط!
وهنا أصبح الأمر واضحاً، فبعد أن فشل اليهودي في تزوير الورقة الأولى نجح في محاولته الثانية، ولم ينتبه لها المرزوق بناءً على تعاملاتنا الكثيرة معه، لكن محمد المرزوق وبعد أن تبين له الأمر رجع حالاً إلى كراتشي وتتبع خطوات اليهودي وتبين له أن قام من خلال بنك معين في كراتشي بتحويل 19 ألف روبية إلى لندن بطريق الشيك ثم سافر بها إلى البحرين لصرف الشيك هناك، ولم يسافر إلى لندن حيث حول المبلغ المسروق، وبعد أن درسنا تحركاته، قام السيد محمد المرزوق بالاتصال بحاكم البحرين الشيخ سلمان آل خليفة(1) وأخبره بما حصل، وأن اليهودي موجود في البحرين، فأمر الشيخ سلمان السلطات الأمنية بملاحقته، وتم القبض عليه وإيداعه السجن، ولأن المال الحلال لا يضيع أبداً، ولحسن حظنا وسوء حظ اليهودي تعثر تحويل الشيك الذي يحمله؛ مما جعل البنك يوقف صرفه، وبالفعل تم تسليمه وحكم عليه بتسليم المبلغ المسروق إلينا.
وهكذا أوضحت لنا هذه القصة كيف أن الله سبحانه وتعالى يحفظ المال الحلال بالنية الصالحة.
الهامش
(1) الشيخ سلمان آل خليفة جد ملك البحرين الحالي حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة.