دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أمس السبت، المسلمين في أوروبا وغيرها إلى “الاندماج الإيجابي والمشاركة الفعالة في الانتخابات وإعطاء أصواتهم لمن يستحقها”.
جاء ذلك بيان أصدره الاتحاد، بالتزامن مع استحقاقات انتخابية هامة تشهدها بعض الدول الأوروبية، أولها الجولة الثانية لرئاسيات فرنسا، اليوم الأحد، وانتخابات برلمانية في ألمانيا سبتمبر القادم، وبريطانيا يونيو المقبل.
ويتخوف سياسيون من أن تسفر تلك الانتخابات عن صعود اليمين المتطرف المعادي للمسلمين.
وحذر بيان الاتحاد العالمي، الموقع من أمينه العام الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، “المتعصبين المتطرفين من عواقب وخيمة للجميع إذا اتخذت سياسات التمييز العنصري؛ فالنازية والعنصرية أدخلت أوروبا في حربين عالميتين خلال أقل من نصف قرن”.
وأكد الاتحاد، ومقره الدوحة، متابعته “أوضاع العالم إيماناً منه بأن الإنسانية واحدة، فسلمه للجميع، وحربه على الجميع، وأن الله تعالى خلق الأرض للجميع”.
وشدد البيان، على أنه “على المسلمين أن يسعوا لما فيه خير للناس، وأن يجتهدوا في التعاون مع المجتمعات التي يعيشون فيها، مهما كانت دياناتها وأجناسها، فيتعاملون معهم بالحسنى، ويتعاونون معهم مخلصين في جهود التنمية المادّية والبشرية”.
كما دعا المسلمين في المجتمعات الأوروبية أن يشتركوا مع مجتمعاتهم “جنباً إلى جنب في البناء الحضاري، مقدّمين من مخزونهم الديني والثقافي ما فيه إضافة خير من القيم الأخلاقية والتعميرية، ملتزمين بالقوانين والنظم المعمول بها في البلدان التي يعيشون فيها، محافظين على المواثيق والعهود التي بها دخلوا تلك البلاد وأقاموا فيها وتجنّسوا بجنسيتها”.
ولفت إلى أنه “قد أصبح للمسلمين في البلاد الغربية عامّة وفي البلاد الأوروبية خاصّة وجود معتبر، وهو ما يلقي عليهم مسؤولية ثقيلة في أن يكونوا في هذه البلاد رسل خير وسلام ومحبّة وتعاون، وأن يبذلوا جهدهم في تحقيق مصالح مجتمعهم، سعياً في العلم وجدّا في العمل، وأن يكونوا في كلّ ذلك في موقع الريادة في العطاء لا موقع التبعية والهامشية”.
وأوضح أن “هذه المسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين بأوروبا تزداد ثقلاً بالنظر إلى ما تسبّبه تصرّفات بعض المنتسبين إلى الإسلام من ضرر بالغ بصورة الإسلام والمسلمين؛ إذ يظنّ البعض عن غفلة ويستغلّ بعض آخر هذه الأحداث عن تربّص وإضمار ليلصقوا بالإسلام والمسلمين تهمة العنف والإرهاب”.
وشدد على أن هذا الأمر “يستدعي من المسلمين أن يبذلوا جهوداً مضاعفة ليزيلوا من الأذهان هذه الصورة السيئة بما يقدّمون من الخير وبما ينشرون من الأمن والمحبّة، وبما يجتهدون في تحقيق المصلحة العامّة”.
وأكد البيان أنه “من واجب المسلمين في هذه البلاد أن ينخرطوا في قضايا المجتمع الذي يعيشون فيه، وأن يحملوا همومه، وأن يتضامنوا مع كلّ أبناء المجتمع في مواجهة المشاكل التي تطرأ فيه، وأن يقتسموا معهم تحمّل أعبائها، وأن يشتركوا معهم بإيجابية في حلّها سواء باعتبارهم مواطنين فيما تفرضه عليهم واجبات المواطنة، أو باعتبارهم مقيمين فيما تفرضه عليهم واجبات الوفاء بالعهود والمواثيق”.
وتابع أنه “إذا كانت لهم مصالح خاصّة بهم كمسلمين فليطالبوا بها في رفق في نطاق القوانين المعمول بها، ولتكن نصرتهم دوما لقضايا الحقّ والعدل في غير انحياز إلا إليهما في كلّ شأن”.
ولفت البيان إلى أن “من أهمّ الشؤون التي يجب على المسلمين أن ينخرطوا فيها، الشأن السياسي، فهو المدخل الأوسع للإسهام في حلّ المشاكل ولخدمة الصالح العامّ، وهو المنبر الفاعل لإصلاح الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين، بما يتوفّر فيه من فرص للأقوال والأعمال، وبما يظهر فيه عاجلا من مظاهر الوطنية والعطاء”.
وفي السياق، أوضح أن “الانتخابات لاختيار ممثلي الشعب في الدوائر السياسية المختلفة هي مفتاح السياسة، وهي مظهرها الأبرز، فليكن للمسلمين فيها مشاركة فاعلة، يتحرّون فيها المصلحة العامّة، وينتصرون فيها للقويّ الأمين من المرشّحين، فيختارون منهم الأكفأ في قدراته، والآمن في ضميره وأخلاقه، والأرحم بالناس والأنجع للوطن من الخطط والمشاريع، لا تأخذهم في ذلك حمية من عصبية، أو دافع من حزبية، أو هوى من عرقية”.
وأضاف أن “الاستحقاقات الانتخابية بأوروبا تتتالى بمختلفة الأنواع والمستويات، فليكن للمسلمين فيها حضور مشهود، يرشحون ويترشحون، ولتكن لهم أفكار وخطط رائدة تصبّ في مصلحة المجتمع، يخاطبون بها الناس ليقنعوهم بها، أو ليناصروا غيرهم من المرشحين ومن البرامج والخطط، مناصرة تقوم على تحكيم الضمير ومراعاة مصلحة المجتمع، في غير انحياز إلى هذا الشخص أو ذاك، وإلى هذه الخطّة أو تلك إلا على هذا الأساس الوطني”.
ودعا البيان المسلمين إلى أن “يصمّوا آذانهم عن تلك الدعوات التي تصرفهم عن المشاركة السياسية بما فيها المشاركة الانتخابية، فإنها دعوات ليس لها أساس من الدين الحنيف الذي يدعو إلى تحرّي الأصلح وتكثيره أينما وجد، وإلى تجنّب الضرر وتقليله، وإلى الإدلاء بشهادة الحقّ، وما المشاركة السياسية والانتخابية إلا سبيل من السبل المحقّقة لذلك”.
وفي السياق، توجه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيانه إلى “الأكثرية الحاكمة في أوروبا وضميرها”.
وأكد أن “ديننا الإسلامي الحقيقي هو دين الرحمة والتعايش السلمي على أساس العدل والمساواة، وأن سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في تعامله مع غير المسلمين تقوم على أساس البر والإحسان والعدل وكرامة الإنسان، وعدم إكراه أحد على الدين”.
وأوضح أن “الإسلام أكد على مجموعة من المبادئ المشتركة تدل بوضح على الأخوة الإنسانية، وأن أصلهم واحد، فلا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح النافع”.
وأوضح أن “الإسلام هاجم هجوماً عنيفاً العنصرية والعصبية الجاهلية، وبنى مجتمعه على أساس التعايش، والسلم”.
وتابع البيان أنه “بناء على ذلك فإننا نرى أصوات بعض السياسيين (في أوروبا) تعلو بالعنصرية وغرس الكراهية والحقد، والتمييز العنصري وبخاصة ضد المسلمين، ويحاولون الوصول إلى الحكم على هذه الأصوات المتعارضة لجميع الأديان السماوية مثل اليهودية والنصرانية والإسلام”.
وأضاف: “لذلك نحذرهم من مغبة هذه السياسات التي تعود على أوروبا وعلى العالم بالخراب والعواقب الوخيمة، ونذكر العالم والعقلاء بما حدث في أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين بأن النازية والعنصرية والظلم أشعلت حربين عالميتين راح ضحيتهما عشرات الملايين من البشر، ودمرت أوروبا بالكامل”.
ودعا “العقلاء إلى منع هذه الأصوات المتطرفة من الظهور والهيمنة، فالتطرف شر كلّه، وخراب كلّه، والعنصرية دمار وخراب من أي قوم كان والى أي دين ينتسب”.
وختم البيان بالقول: “نحن جميعاً شركاء في الأرض وفي مستقبلها فعلينا جميعا حمايتها من التشدد والتطرف، والعنصرية سواء كان باسم دين، أو قوم”.