قال الباحث والأكاديمي الفلسطيني المقيم في بريطانيا عزام التميمي: إن انتخاب إسماعيل هنية لقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خلفاً لخالد مشعل، لن يضر بالمسار السياسي للحركة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، لكون السياسة في “حماس” تصنعها “مؤسسات”، وليس فرد على رأس الهرم القيادي.
وفاز هنية، المولود عام 1963م، برئاسة المكتب السياسي لـ”حماس”، خلفاً لمشعل، الأحد، عبر انتخابات جرت داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها في وقت متزامن، بواسطة نظام الربط التلفزيوني (فيديو كونفرنس).
وأضاف التميمي، في مقابلة مع “الأناضول” أن “حركة “حماس” منذ نشأتها وهي تعمل من خلال مؤسسات، وقياداتها تمارس عملها عبر عملية شورية تكاد تكون نادرة في أوساط الحركات الإسلامية المعاصرة.
واستدرك بقوله: لا شك أن ترجل الأخ خالد مشعل بعد ما يقرب من اثنين وعشرين عاماً على رأس الحركة، قد يشجع بعض الأطراف على جس النبض واختبار المياه، ولكن في نهاية المطاف السياسة في “حماس” لا يصنعها فرد على رأس الهرم القيادي، وإنما مؤسسات الحركة.
الميثاق الجديد
وبعنوان “وثيقة المبادئ والسياسات العامة” أعلنت “حماس”، مطلع الشهر الجاري، وثيقتها السياسية الجديدة، التي تسعى من خلالها إلى الحصول على قبول إقليمي ودولي وإبعاد تهمة الإرهاب عنها، حيث تعتبرها “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي “حركة إرهابية”، بينما تقول “حماس”: إنها حركة مقاومة للاحتلال “الإسرائيلي”.
“حماس” هدفت إلى استدراك بنود في ميثاقها الأول، الصادر عام 1988م، غداة تأسيسها، تشير بوضوح إلى أنها جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين، ولا تفرق بين عموم اليهود كأتباع “دين سماوي” وبين اليهود المحتلين لفلسطين.
هذه الوثيقة، وفق التميمي، مؤلف كتاب “حماس.. فصول لم تُكتب” (Hamas Unwritten Chapter)، جاءت بعد سنوات من الجدل داخل أوساط الحركة حول الميثاق القديم، الذي نشر في أغسطس 1988م.
وتابع: كانت مطالب كثير من أعضاء الحركة وأنصارها تتركز على ضرورة إعلان إلغاء الميثاق القديم، والخروج على الرأي العام بميثاق جديد يتخلص من الأخطاء الكثيرة التي شابت الميثاق القديم.
واعتبر أن ما ورد في الوثيقة السياسية الجديدة صحح كثيراً مما عاب الميثاق القديم، وكان سبباً باستمرار في تشويه صورة الحركة لدى الرأي العام وسلاحاً في يد أعدائها؛ لما احتواه من معاداة للسامية واعتماد على التحليل التآمري لأحداث التاريخ، واعتماد في شرح طبيعة الصراع على وثيقة مزورة، هو بروتوكولات حكماء صهيون، واستخدامه لغة يغلب عليها الطابع الديني العاطفي بدلاً من السياسي المركز.
نقاط ضعف
وإن رأى التميمي، المولد في مدينة الخليل بفلسطين عام 1955م، أن الوثيقة الجديدة للحركة “تعد إنجازاً مهماً”، لكنه قال: إنها هي الأخرى لم تخل من نقاط ضعف وتناقض، وخاصة فيما يتعلق بالمادة رقم (20)، التي تتحدث عن قبول “حماس” بدولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967م.
وحول المآخذ على الوثيقة الجديدة، أجاب بأنها لا تلغي بشكل صريح الميثاق القديم، ولا تشير إلى ما ورد فيه من أخطاء، وإن كانت تصححها من خلال التأكيد على أن الصراع في أصله ليس مع اليهود كأتباع الديانة اليهودية، وإنما مع الصهاينة المحتلين الذين غزو فلسطين، وأخرجوا منها أهلها ظلماً وعدواناً.
لا تنازل
وبشأن تضمن الميثاق الجديد موافقة “حماس” على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967م، تساءل التميمي: البعض يعد هذا تنازلاً بالنسبة للحركة.. هل برأيكم هذا البند محسوم بالنسبة للحركة منذ زمن ؟ أم أنه وليد اللحظة؟
ومضى قائلاً: إنه لا ينبغي أن ينظر إلى هذا النص (الموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967م) على أنه تنازل من الحركة عن مبادئها أو مواقفها، فالوثيقة تؤكد مراراً وتكراراً أن “حماس” ترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا تقر أي تنازل عن أي قطعة من فلسطين، وتتمسك بحق العودة الكامل لكل من هجروا في النكبة (عام 1948م) وفي النكسة (عام 1967م).
وأردف بقوله: لقد جاء التأكيد على هذا الموقف في الفقرة رقم (20) نفسها، ومن هنا يأتي الخلل والتناقض، وأظن أن قيادة “حماس” أرادت من خلال التعبير عن استعدادها لقبول دولة في خطوط الرابع من يونيو، ممارسة نوع من البراجماتية السياسية، بحيث تقول: إن مثل هذه الدولة لو تحققت بحكم الأمر الواقع، فستقبل بها وتتعامل معها دون التنازل عن مبادئها ومواقفها.
وتابع: لعل المقصود من ذلك الموقف هو توجيه رسالة إلى أطراف إقليمية ودولية معينة في حقبة من أحلك الحقب التي تمر بها المنطقة والحركة.
وقال التميمي: كنت شخصياً أتمنى لو لم يرد الحديث في الوثيقة السياسية الجديدة إطلاقاً عن الدولة؛ فالشعب الفلسطيني يخوض معركة تحرير طويلة المدى، ولا يجوز الحديث عن الدولة بأي مواصفات، وخاصة أن منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) انحرفت عن النضال، منذ أن أعلنت عن نقاطها العشر، التي تعتبر الدولة الفلسطينية على أي جزء يتحرر من فلسطين هدفاً من أهدافها.
أولويات الحركة
وحول السيناريو المحتمل لحركة “حماس” خلال الفترة القادمة في ضوء المعطيات بالمنطقة، رأى التميمي أنه لا يوجد في الأفق ما يشير إلى تحولات مهمة.
وأردف قائلاً: طالما أن الوضع مستمر على ما هو عليه، فستكون أولويات “حماس” في ظني هي أولوياتها نفسها في المرحلة السابقة، ألا وهي تمكين نفسها في قطاع غزة (الذي تديره منذ عام 2007م)، والاستعداد لأي مواجهات محتملة مع الكيان الصهيوني، ومحاولة فتح بعض الأبواب المغلقة في العلاقات الدولية، وخاصة مع دول المنطقة.