تطرقنا في مقال سابق إلى موقف جميل رواه لي الأخ أحمد بن برجس الشمري، الباحث في التراث الكويتي والخليجي، وقد سهوت عن عزو الموقف إلى راويه.
وكتفاعل إيجابي مع المقال من بعض القراء الكرام وردتني رواية أخرى مشابهة في المعنى، ولكن مختلفة المضمون، وقد وردت في أدبيات ديوان معرفي الورقية والإلكترونية.
وقد تختلف الروايات في مدى دقتها وتفاصيلها؛ لذا ومن باب الالتزام الأدبي أسوق هنا هذه الرواية لننتقل في المقال القادم إلى موقف إيجابي جديد، وكلا الموقفين فيه الفائدة والعبرة والقيمة الإيجابية التي تقتدي بها الأجيال، وقد حدث بين كل من يوسف حيدر معرفي، وعبدالرحمن الدعيج، وقد كان يوسف من أكبر تجار الحبوب في الخليج والجزيرة العربية، وقد حرص على أن تكون له مخازن كبيرة في الكويت ليضع فيها الحبوب التي يشتريها من البصرة وبندر معشور، ويشحنها عن طريق سفن كويتية إلى البحرين وسواحل الإمارات، كما كان يشحن كمية منها عن طريق قوافل شبة الجزيرة العربية.
وهو من التجار الذين ساعدوا على استقرار أسعار الحنطة في الكويت في أوقات الأزمات والحروب، وكانت ليوسف بن معرفي وقفة مشهودة؛ حيث إنه إبان الحرب العالمية الأولى استورد كميات كبيرة من الحنطة، وقبل وصولها إلى مخازنه بالكويت، مر عليه ذات يوم أحد أعيان عائلة الدعيج وهو المرحوم عبدالرحمن الدعيج يسأله عن سعر الحنطة، فقال له: إن سعر المن روبيتان، وقدر الله له وقبل وصول الحنطة أن ازداد سعر المن إلى 8 روبيات؛ حيث إنه خلال أسبوع اندلعت الحرب العالمية الأولى، وبعد هذه الزيادة المفاجئة جاء عدد من التجار إلى يوسف معرفي لشراء هذه الكمية منه، فقال لهم: إنه قد باعها لعبدالرحمن بن الدعيج بروبيتين، وإنها محجوزة له، بالرغم من أن عبدالرحمن لم يكن يرغب في شرائها، وإنما كان يسأل عن السعر فقط، وقد جرت العادة أنه عند السؤال عن سعر أي سلعة من تجار الكويت يُعتبر ذلك بمثابة اتفاق لشراء تلك السلعة، فأرسل يوسف بن معرفي إلى عبدالرحمن بن الدعيج يطلب منه استلام الحنطة بالثمن المتفق عليه في بداية الأمر (روبيتين)، عندها ذهب التجار إلى عبدالرحمن لشرائها منه، فقال: يا سبحان الله! سعرها 8 روبيات ويبيعها بروبيتين، فاختلف يوسف معرفي، وعبدالرحمن الدعيج على البيعة، وسمع الحاكم الشيخ سالم المبارك بالموضوع، فبعث يطلب مقابلتهما لحل الأمر، وعند حضورهما إليه شرحا الموضوع؛ فرد عليهما:
ما دمتما من رعيتي فأنا بخير، وأشار عليهما بقبول حله المقترح، فأجابا بنعم، فقال الشيخ سالم المبارك: البيع بـثماني روبيات، ثلاث روبيات لمعرفي، وثلاث روبيات للدعيج، وروبيتان لخزينة الحكومة، فقبلا بذلك، فكان مخرجاً مناسباً للجميع استفاد منه الجميع برضا نفس، وإيثار جميل من التاجر يوسف حيدر معرفي رحمه الله، وإنكار الذات وعدم الاستغلال من التاجر عبدالرحمن الدعيج رحمه الله، وذكاء وحسن تصرف من الشيخ سالم المبارك الصباح رحمه الله.
WWW.ajkharafi.com