– هامبورج بها 180 ألف مسلم من عرقيات مختلفة بينهم نحو 60 ألفاً من الجالية العربية
– ولاية هامبورج اعترفت بالإسلام ديناً رسمياً عام 2012م وهي متميزة في تعاملها مع الجالية المسلمة
– على المسلمين أن يجابهوا «الإسلاموفوبيا» بردود أفعال إيجابية بالحضور الفعّال مع من يقف معهم
– على مسؤولي المراكز الإسلامية التفاعل مع الإعلام الأوروبي لتغطية أنشطتهم المجتمعية
– حصلنا على عدة جوائز في الحوار بين الأديان وجائزة المواطنة من حكومة هامبورج
«لا شك أن «الإسلاموفوبيا» في الغرب ينمو يوماً بعد يوم، لكن في المقابل ينبغي للمسلمين أن يجابهوا هذا الضغط بردود أفعال إيجابية من خلال الحضور الفعّال مع من يقف معهم؛ فهناك الكثيرون الذين يتعاطفون مع المسلمين ويساندونهم».. بهذه الكلمات شدد الشيخ سمير خالد الرجب، مدير مركز وقف النور الإسلامي في مدينة هامبورج، الذي كان كنيسة مهجورة تم شراؤها وتحويلها إلى مسجد، على ضرورة التفاعل الإيجابي من المسلمين مع من يقف مع حقوقهم المشروعة من خلال الحضور والتواجد في مختلف الأنشطة والفعاليات التي تتم، والانفتاح التام على مختلف شرائح المجتمع الألماني.
أكد الشيخ الرجب في حواره مع «المجتمع» دور مسؤولي المراكز الإسلامية في الغرب على التفاعل مع الإعلام الأوروبي لتغطية أنشطتهم المجتمعية التي تصب في صالح المجتمع الغربي بكامل شرائحه، موضحاً أن أكثر ما فادنا هو الإعلام، حيث سنجد أكثر من 50 تقريراً عن المسجد وعن أنشطته؛ حتى إن وزارة الثقافة الألمانية أصدرت كتيباً عن تاريخ الكنيسة ووثقت تحويله إلى مسجد بالتعاون مع الكنيسة المعنية ومسجد النور.
- ·قبل أن نتطرق في حوارنا عن مسجد النور ودوره في المجتمع الألماني، نحب أن نتعرف على المنطقة وطبيعة سكانها من الألمان.
– بداية أشكركم وأشكر مجلة «المجتمع» على هذه النافذة المتميزة عن أحوال المسلمين في الغرب التي تهتم بأخبارهم وقضاياهم وتواصلهم مع إخوانهم في العالم.
نحن في ولاية هامبورج بشمال ألمانيا، وتحديداً في وسط المدينة، وتعد ولاية هامبورج من أجمل مدن العالم، حيث نالت لقب عاصمة أوروبا الخضراء، وفيها ثاني أكبر ميناء تجاري في أوروبا والسابع عالمياً.
كما أنها ثاني أكبر المدن الألمانية بعد برلين، ويبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة، وشعبها غالبه طيب منفتح ومحب للثقافة والتطلع إلى معرفة الآخر، ويعشق كل ما هو جديد وغريب، وهو صريح وصادق في مشاعره تجاه أي خدمة بسيطة تقدمها له، لكنه أيضاً حذر ولا يحب أن يقتحم أحد خصوصيته، ولن يتوانى أن يبدي رأيه ولو كان على غير هواك، وهو يحب المساعدة إذا اقتنع بها، وكان له دور بارز في استقبال اللاجئين ومعاونتهم.
- هل من إطلالة على مسلمي هامبورج؟
– يعيش في مدينة هامبورج ما يقارب 180 ألف مسلم من عرقيات مختلفة من تركيا وألبانيا وباكستان وأفغانستان وأفريقيا، وغالبهم من الطبقة العاملة التي جاءت في بداية الستينيات، وبينهم ما يقارب 60 ألفاً من الجالية العربية معظمهم من المغرب العربي ومصر ولبنان وفلسطين ومؤخراً من الشام بسبب الأوضاع الراهنة.
والجالية المسلمة عموماً لها نشاط اقتصادي من خلال التجارة والمطاعم، وبدأت تبرز نخبة من المثقفين في مجال الطب والهندسة والصيدلة وغيرها من أبناء الجيل الثاني.
- ما الأسباب التي دفعتكم لشراء كنيسة وتحويلها إلى مسجد؟
– في البداية لم نفكر في شراء كنيسة أبداً، ولم نكن حريصين على ذلك؛ لكننا اضطررنا لتغيير المصلى الذي كنا فيه لضيق مساحته حيث يحضر أكثر من 2000 مصلّ يوم الجمعة؛ مما اضطرنا لصلاة الجمعة على مرتين.
والسبب الثاني أنه مرآب للسيارات، ولا تتوافر فيه أقل الشروط المطلوبة للصحة من التهوية المناسبة إلى الأمان من الحوادث والحرائق؛ لذلك كان لزاماً علينا البحث عن مكان آخر يليق بالجالية المسلمة ويعطي صورة مشرفة لغير المسلمين، ومنذ أكثر من ثماني سنوات ونحن نبحث عن شيء مناسب، ولكن الأمر لم يكن بالهين؛ نظراً لغلاء الأسعار أولاً، ثم لضرورة وجود رخصة ليكون مسجداً ثانياً وهذا الأهم.
وخلال بحثنا وجدنا هذا المبنى المهجور منذ سنوات معروضاً في صفحة شراء الأبنية ولا يحتاج إلى رخصة، حقيقة ترددنا كثيراً في شرائه لما قد يحصل من ردود أفعال؛ لكن لم تكن أمامنا أي فرص أخرى؛ فأقدمنا على هذه الخطوة.
- هل واجهتكم أي صعوبات في هذا الأمر؟
– حدثت بعض ردود الأفعال الخفيفة من خارج هامبورج، لكن كانت هناك ردود أفعال إيجابية أقوى من كافة شرائح المجتمع المدني والسياسي والديني، وطبعاً لم يكن ليتم هذا إلا بعد علاقات إيجابية وحوار بناء مع كافة المؤسسات في مدينة هامبورج، وكل شيء قانوني والحمد لله، لذا تخطينا العقبات التي قابلتنا بسهولة.
- وهل ترونه مناسباً في الغرب؟
– بالتأكيد هو ليس خياراً سهلاً، ولا أفضله مع وجود البدائل.
- ومستقبلاً هل تخشون من أي حملات مضادة؟
– الحمد لله، ولاية هامبورج من الولايات المميزة في تعاملها مع الجالية المسلمة، وقد اعترفت بالإسلام كدين رسمي منذ العام 2012م، وأصبح يدرس في المدارس، وأعطت عطلة رسمية في الأعياد، كما أن نسبة اليمين المتشدد قليلة جداً.
لكن لا يمنع هذا من شعور المسلم بالتمييز، فما زالت هناك مواضيع كثيرة منها الحجاب مثار جدل في مجال العمل.
- حصلتم على عدة جوائز متعلقة بدوركم في المجتمع الألماني وحوارات بين الأديان ومساعدة اللاجئين.. كيف نجحتم في أداء هذا الدور؟
– نعم صحيح حصلنا على عدة جوائز في الحوار بين الأديان، منها على صعيد هامبورج كأفضل عمل حواري من مؤسسة خيرية شبه حكومية، ومنها على صعيد ألمانيا من كريسمون مؤسسة كنسية، وكذلك جائزة المواطنة من حكومة هامبورج وأخرى دولية سفير سلام من قبل مؤسسة سلام.
وهذا نتيجة عمل متواصل منذ سنوات مع كافة المؤسسات وخاصة الدينية منها والتربوية والسياسية من خلال اللقاءات الدورية والحوارات والمواقف الإيجابية الموحدة ضد العنف والتطرف، ومن خلال منهج الاعتدال الذي ننتهجه ونحث عليه.
وعند مجيء اللاجئين كنا في مقدمة الذين استقبلوهم رغم قلة الموارد، حتى كان يصل إلينا في اليوم الواحد أكثر من 500 لاجئ نؤويهم في المسجد، ونؤمن لهم الطعام والاستشارات اللازمة لمدة زادت على شهرين؛ مما عزز ثقة المجتمع بالجالية، ودفع بالمؤسسات الإنسانية والدينية إلى مساعدتنا، مع توجيه الشكر من المؤسسات الرسمية.
- في ظل تصاعد «الإسلاموفوبيا» بشكل غير مسبوق في الغرب؛ هل ترون إمكانات لنجاح دوركم في ترسيخ مبدأ التعايش بين المسلمين ومختلف شرائح المجتمع الألماني؟
– لا شك أن «الإسلاموفوبيا» في الغرب ينمو يوماً بعد يوم، وهذا يزيد من الضغط على الجالية المسلمة، لكن في المقابل ينبغي للمسلمين أن يجابهوا هذا الضغط بردود أفعال إيجابية من خلال الحضور الفعّال مع من يقف معهم؛ فهناك الكثيرون الذين يتعاطفون مع المسلمين ويساندونهم، ومشاركتهم في الفعاليات والأنشطة التي تغير الصورة النمطية عن الإنسان المسلم، وأن يكون لهم حضور إعلامي مميز وفاعل، واختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وأن يدعموا المؤسسات والمراكز الإسلامية؛ لأنها هي النافذة التي يطل من خلالها على المجتمع، والتي تعبر عن تطلعاتهم، ونحن أكثر ما فادنا هو الإعلام، ربما ستجد أكثر من 50 تقريراً عن المسجد وعن نشاطه، حتى إن وزارة الثقافة أصدرت كتيباً عن تاريخ الكنيسة ووثقت تحويله إلى مسجد بالتعاون مع الكنيسة المعنية ومسجد النور.
- متى تنتهي مراحل ترميم وبناء المسجد في صورته الجديدة؟
– الانتهاء من بناء المسجد يتوقف على الأمور المادية، فما زالت هناك بعض الترميمات، بالإضافة إلى تجهيزه وفرشه وإنارته، وأود أن أشير إلى أن دولة الكويت المباركة بأميرها وأهلها ساهمت في بناء مبنى كامل مُرافق للمسجد بما يقدر بـ40% من التكاليف الإجمالية، وليس هذا غريباً على دولة الكويت، فهي دائماً سباقة في أعمال الخير في كل مكان وللناس جميعاً.
بالنسبة للافتتاح سيكون إن شاء الله تعالى على مستوى عالٍ يليق بالمكان وبالجالية المسلمة، وسيدعى إليه كافة شرائح المجتمع الألماني، بالإضافة إلى شخصيات إسلامية وعربية.
- في ضوء تجربتكم، ما رسالتكم للقائمين على المساجد في الغرب؟
– مسؤولية القائمين على المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب مسؤولية بالغة الأهمية تجاه المجتمع المسلم؛ أولاً في الحفاظ على هويته الإسلامية وحمايته من الذوبان، وتمكينه من التفاعل الإيجابي في المجتمع، وغير المسلم بتعريفه بثقافة الإسلام وحضارته ومبادئه وعدله.
لذا نحتاج إلى تقوية الصلة بالله تعالى أولاً، ونبذ الأنانية والقومية وعقلية المؤسسات الخاصة ثانياً، كما نحتاج إلى تفعيل أكبر لدور التعاون المشترك بين المراكز والمؤسسات، وإن كان والحمد لله هناك مبادرات إيجابية كثيرة لكنها تتطلب المتابعة والدعم.
كذلك لا بد من الاهتمام بالدراسة والتخطيط لكل عمل أياً كان، والبعد عن الارتجال والعفوية والعواطف الحماسية غير المدروسة، وضرورة تطوير وتحديث أساليب الدعوة بكل الطرق المتاحة، والموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر، والانفتاح على المؤسسات الألمانية عامة وعقد لقاءت وحوارات دورية.
من الضروري أيضاً الاهتمام بالأئمة والدعاة على كافة الأصعدة حتى يؤدوا الرسالة التي كرسوا أنفسهم من أجلها؛ لأن الإمام هو العمود الفقري لأي مؤسسة، ولا بد من تكوين نخبة من الشباب والشابات واعية ومدركة لتولي المسؤولية، وتهتم بالجيل الثاني الذي غالباً لا يجد في المساجد غايته.
وفي الختام أكرر شكري لكم خاصة، متمنياً لكم التوفيق والقبول في هذا العمل المبارك، ولـ«المجتمع» دوام التألق في مسيرتها المميزة على هذه اللفتة الطيبة، وبالمناسبة أنا من متابعي مجلة «المجتمع» منذ كنت في المرحلة الدراسية، وكان لي اشتراك شهري، واليوم أنا ضيف مشارك، فشكراً لكم ووفقكم الله.