– حسب التحقيقات فإن النظام العراقي برئاسة «صدام» هو المسؤول عن جريمة حلبجة وليس إيران
– لو عاقب المجتمع الدولي «صدام حسين» على جرائمه الكيمياوية لما تجرأ «الأسد» على تكرارها بالغوطة وخان شيخون
– منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية اتهمت النظام السوري بانتهاك المعاهدة عدة مرات
كان الشعبان الآمنان (الكردي، والسوري) على موعد غير متوقع مع أفظع وأشنع جريمة عرفها التاريخ الإنساني، ارتكبها نظامان بعثيان عنصريان يدعيان العروبة والوحدة العربية زوراً، وحّدتهما الجريمة النكراء التي ارتكبت بأيديهما عن طريق القصف الكيمياوي ورش غاز السيانيد أو السارين على مدنهما الآمنة، وقتل أكبر عدد في صفوف المدنيين، وهي شبيهة بالجريمة النووية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المدنيين اليابانيين في هيروشيما وناجازاكي عام 1945م وذهب ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين الآمنين بين قتيل وجريح ومشوه.
جريمة حلبجة:
الجريمة الأولى ارتكبها النظام البعثي العراقي الموغل في ارتكاب الجرائم والمجازر بحق العراقيين، وخاصة الأكراد، منذ وصوله إلى الحكم عن طريق الانقلاب البوليسي عام 1968م، ففي أواخر حربه الضروس مع إيران (1980 – 1989م) وقبل الانتهاء منها بأربعة أشهر، قام بقصف مدينة حلبجة الكردية بالقنابل الكيمياوية بواسطة طائرات «ميج» الروسية؛ وهو ما أدى إلى استشهاد 5 آلاف من سكان المدينة فوراً، وإصابة 7 – 10 آلاف منهم، وهي أكبر هجمة كيمياوية وُجّهت ضد سكان مدنيين من عرق واحد حتى اليوم.
الجريمة حدثت وفق صحيفة «فايننشال تايمز»؛ حيث أوردت جانباً منها على لسان شاهد عيان وهو المصور الإيراني «جوليستان كاوة»: كنت على بعد حوالي 8 كيلومترات خارج حلبجة بطائرة هليكوبتر عسكرية، عندما حلقت مقاتلات «ميج-23» العراقية الروسية، لم تكن سحابة فطر (مشروم) كبيرة مثل سحابة القنبلة النووية، ولكن سحابات متعددة من الدخان الكثيف وأصغر حجماً.
يذكر أن محكمة هولندية في لاهاي أدانت رأس النظام «صدام حسين» في عام 2005م، واتهمته بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وحكمت على رجل الأعمال الهولندي «فرانس فان» الذي اشترى المواد الكيميائية في السوق العالمية وباعها لنظام «صدام حسين» بالسجن 15 عاماً، ورغم أن العراق قد نفى عن نفسه التهمة ووجهها إلى إيران، فإن التحقيق الذي أجراه «د. جان باسكال»، رئيس مشروع الأسلحة الكيمياوية في مدينة ستوكهولم، قد أثبت أن الجاني هو العراق وليس إيران.
فاجعة خان شيخون.. نفس الطريقة:
وقف المجتمع الدولي عاجزاً عن معاقبة الجناة سواء في العراق أو سورية، ولو بادرت الأمم المتحدة أو المحاكم الدولية إلى إنزال عقوبة رادعة بنظام «صدام حسين» الذي ارتكب مجازر بالقصف الكيماوي في العديد من المناطق الكردية وليس في مدينة حلبجة وحدها؛ لما تجرأ نظام «بشار الأسد» المجرم اليوم على إعادة المجازر الكيمياوية في مدينة الغوطة عام 2013م التي ذهب ضحيتها 1429 شخصاً، وفي مدينة خان شيخون في الرابع من أبريل 2017م، وسقط أكثر من 100 شهيد ومئات أخرى من المصابين، نفس الأسلوب اتبعه النظام السوري في ارتكاب الجريمة، الطائرات التي تحمل الموت للأطفال والنساء هي نفس الطائرات الروسية (طائرات «ميج» في العراق، و«سخوي» في سورية، وبنفس التوقيت تقريباً في 16 من شهر أبريل، وفي 4 من نفس الشهر)، واستعمال نفس المادة الخانقة («السيانيد» عند «صدام حسين»، و«السارين» عند «بشار الأسد»).
إنكار واتهام الآخرين
والعجيب أن كلا النظامين المجرمين نفى نفياً قاطعاً ارتكابه للجريمة، واتهم جهات معادية بذلك، رغم إثبات التهمة عليهما بدلائل وإثباتات قطعية، وكما أنكر نظام البعث العراقي التهمة وألقى بتبعتها على إيران وقد دحضت التحقيقات هذا الزعم، فإن النظام السوري أيضاً اتهم تنظيمات إرهابية بالجريمة، وقد صرح «بشار الأسد» في مقابلة مع «وكالة الأنباء الفرنسية»: «بالنسبة لنا الأمر مفبرك مائة في المائة»، وأضاف: «انطباعنا هو أن الغرب والولايات المتحدة بشكل رئيس متواطئون مع الإرهابيين، وقاموا بفبركة كل هذه القصة كي تكون لديهم ذريعة لشن الهجوم»، ووصف التقارير التي تتهم الجيش السوري بشن هجوم بالأسلحة الكيمياوية على بلدة خان شيخون بأنها ملفقة مائة بالمائة، وأنه لم تصدر أوامر بأي هجوم!
وطبعاً ساندت روسيا التي تعتبر الحليفة الإستراتيجية لنظام «الأسد» موقف النظام السوري وأيدته، واستعملت حق «الفيتو» في مجلس الأمن ضد مشروع قرار بشأن الهجوم.
يُذكر أن المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية اتهمت النظام السوري والجماعات التي تعتبرها واشنطن «إرهابية» بانتهاك المعاهدة بعد استخدام تلك الأسلحة عدة مرات.
وكان من المؤمل أن يصوت مجلس الأمن على مشروع يقضي بفرض عقوبات على نظام «بشار الأسد»؛ بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية على أهالي خان شيخون، ولكن روسيا استخدمت حق «الفيتو»، وخاب الأمل بلجم رئيس النظام الذي وصفه وزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون» بـ«الإرهابي الأكبر»، داعياً روسيا في الوقت نفسه إلى الابتعاد عنه والاعتراف بأنه «سام»، بالمعنيين الحرفي والمجازي للكلمة.
وما زالت القضية تتفاعل في أروقة المحافل الدولية.