جاء الدين الإسلامي الحنيف ليؤكد مبدأ الأخوة في الإسلام، ويرسي في نفوس المسلمين وفي فكرهم مبدأ التآخي والمؤازرة، كما أكدت مبادئ الإسلام السمحة للناس كافة في شتى بقاع الأرض أن الإسلام دين عظيم يدعو إلى التكاتف والتعاضد من أجل جلب النفع والمصلحة للجميع، وأن الأخوة الإيمانية والمحبة الإسلامية هي روح هذا الدين القويم وحبله المتين، وجاءت الآيات القرآنية في غير موضع تؤكد أخوة المؤمنين ومحبتهم و وجوب المحافظة عليها؛ من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾(سورة الحجرات: الآية 10).
وقد أكد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في عدة أحاديث نبوية شريفة على ارساء روح الأخوة والمؤازرة بين المسلمين، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” (رواه مسلم، برقم 4691).
إن الأخوة في الإسلام لها مكانة عظيمة وشأن كبير، إذ أنها تجسد مفهوم الجسد الواحد، وهي التي تؤصل روح التعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع المسلم.
وتوضح هذه القصة الواقعية من رواية د. يعقوب يوسف جاسم الحجي – الباحث في التراث الكويتي مثالاً ونموذجاً لصاحبها التاجر شملان بن علي رحمه الله تعالى، والتي يرويها د. يعقوب يوسف الحجي قائلاً: “كان التاجر المرحوم شملان بن علي رحمه الله من أثرياء الكويت المعروفين، وقد عرف عنه أمانته واخلاصه وحبه الشديد لأبناء وطنه، وقد بارك الله سبحانه وتعالى له في تجارته وماله، وكان يضرب به المثل في الصدق والوفاء.
وفي يوم من الأيام علم التاجر شملان بن علي رحمه الله تعالى أن صديقه التاجر حسين بن عيسى القناعي يمر بضائقة مالية، وأنه يفضل الاستمرار في عمله التجاري بدلاً من العامل ككاتب حسابات، فكان لهذا القرار أثره على التاجر حسين بن عيسى القناعي رحمه الله ومروره بتلك الضائقة المالية، فأرسل التاجر شملان بن علي في طلبه، ولما حضر قال له: علمنا أخي الحبيب أنك تريد أن تفتح مكتباً تجارياً في بومبي، وهذا والله نعم الرأي، فالعمل التجاري من أفضل الأعمال، وقد فتح الله علينا بفضل التوكل على الله ثم العمل بالتجارة، وأنصحك أن تبدأ ما فكرت به، وهذا المبلغ مني لك، تبدأ به مشروعك التجاري، وأما السداد فمن عسرك إلى يسرك، فقال له التاجر حسين بن عيسى: بارك الله لك في مالك وفي أهلك، أنا آخذ هذا المال ولكن بشرط، أن أفتح المكتب بالهند مناصفة بيني وبينك، أو يكون هذا المبلغ على سبيل السلف، وأرده لك حين تتيسر لي الأمور، وتنشط حركة التجارة ويتوفر معي هذا المبلغ.
فوافق التاجر شملان بن علي أن يكون المبلغ على سبيل السلف، وأن يرده التاجر حسين بن عيسى حين تتيسر أموره في بومباي، ويقال أن هذا المكتب موجود في بومباي حتى وقتنا هذا”.
وهكذا ضرب التاجر شملان بن علي مثالاً رائداً يحتذى به في الشهامة والإيثار، كما قدم مثالاً للتآخي والمؤازرة لرفاقه وقت الشدائد، كما ظهر جلياً من ثنايا تلك القصة حرصه على نجاح أصحابه، والمساهمة في ذلك بدون أن يسبب لهم جرح أو أي شعور بالكبر والتعالي عليهم، وهكذا تحلى أهل الكويت الكرام بالإخلاص وحب الخير للآخرين، وكانت قلوبهم مليئة بالوفاء لأصحابهم وكل من عملوا معهم، فأصبحوا قدوة حسنة يحتذى بها في حسن التعامل والبر والإحسان، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.
د. عبد المحسن الجارالله الخرافي
WWW.ajkharafi.com