– كتب عن البنا صورة إنسانية بعيدة عن السياسة ليتخلص من مماحكات الخصوم
– امتدح البنا ومقدرته على الوصول لقلوب الناس وانتقد بعض مرافقيه لتكلّفهم وتصنّعهم
– في المرحلة الابتدائية ترك جمعية الشبان المسلمين وانضم لشعبة الإخوان المسلمين بقنا
– كان البنا يسع بقلبه الناس جميعاً من يكبرونه سناً ومن يفوقونه في الوظائف درجات
– البنا رغب في تدريس الخط لإيجاد فرصة للتواصل مع كل التلاميذ ولتوفير الوقت للدعوة
– بريطانيا شعرت أن البنا في الصعيد أخطر منه في القاهرة فأعادته إليها مرة أخرى
– بعد أن أضحى الإخوان يمثلون قوة وثقلاً سياسياً في الشارع تدخلت بريطانيا لحل جمعيتهم
– الطاهر مكي عن سيد قطب: لم يكن متطرفاً ولا رجعياً ولا متخلفاً ولا جامداً
لعله من منطلق إيمان الطاهر مكي بالحرية، ولأنه لا ينتظر جزاء ولا شكوراً، ولا يرهب عقاباً أو تهديداً، كتب عن سيد قطب، وحسن البنا، فقد أبرزت جريدة «اليوم السابع» يوم الأربعاء 14 أبريل 2010م عناوين مقاله عن سيد قطب، على النحو التالي:
– د. الطاهر مكي يكتب عن سيد قطب: لم يكن متطرفاً ولا رجعياً ولا متخلفاً ولا جامداً وكان صادقاً مع نفسه ومع ما يؤمن به.
– تمنيت أن أكون تلميذه وحينما طلبت مقابلته قال: هذا ليس في صالحك.. وافترقنا على أمل لقاء لم تأتِ به الأيام.
– كان الوحيد الذى تجرأ على نقد كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة» وأثبتت الأيام صدق آرائه، وحينما احتفل المجلس الأعلى للثقافة والجامعة الأمريكية بحسين تجاهلا دراسته!
وأكتفي باستعراض دراسته عن حسن البنا رحمه الله، وهي – كما أشرت – أجمل ترجمة وأكثرها موضوعية وصدقاً عن حياة الرجل، إن من يكتب عن حسن البنا أو الإخوان المسلمين يتعرض في هذا الوطن إلى متاعب عديدة، بحكم أن النظام العسكري الحاكم منذ انقلاب عام 1952م يخوض صراعاً وحشياً غير متكافئ أو من جانب واحد مع الجماعة ورموزها، وكم نكل بأعضائها تنكيلاً وصل إلى حد إعدام بعضهم وتعذيب آخرين وتغييبهم وراء القضبان سنوات طويلة، فضلاً عن حرمانهم وذويهم من دخول الكليات العسكرية والشرطية، وعدم تعيينهم في الوظائف التي تسمى سياديّة أو حسّاسة، فلا يعملون في القضاء أو النيابة أو الخارجية أو الجامعة أو التعليم أو الثقافة، ثم محاربتهم عند الترشح للمجالس النيابية أو المحلية أو النقابية مما يعرفه من يتابعون الشأن العام.
ومع أنه قدم صورة نبيلة لرجل نبيل هو حسن البنا فلم يمنعه ذلك من انتقاد بعض أتباعه، ويبين الأسباب التي دعته إلى ذلك وهي أسباب موضوعية كما نرى في مكان لاحق من هذه المقالة.
كان عنوان مقاله عن البنا لافتاً «صورة إنسانية بعيدة عن السياسة – حسن البنا كما عرفته»، وكأنه أراد أن يتخلص من أي مماحكات يفتعلها خصوم البنا السياسيون، ويرسم هذه الصورة الإنسانية يوم رآه للمرة الأولى مذ كان صبياً في قرية نائية من قرى مركز إسنا، في الصعيد الأعلى، تسكنها قبائل عرب المطاعنة التي ينتمي إليها حتى رحيل حسن البنا بالاغتيال عام 1949م ودفنه في حراسة الشرطة دون مشيعين!
كان مكي عند معرفته البنا لا يعرف شيئاً مهماً عن السياسة والكفاح ومساوئ الاحتلال الإنجليزي وجبروته، والهجمة الشرسة على الإسلام ديناً، في القاهرة والمدن الكبرى، وحبائل جمعيات التبشير، وأجهزة الإعلام الأجنبية، وفيض الكتب والنشرات التي توزعها مؤسسات تتخفى وراء العلاج والتعليم، وتوزع مع العلم والصحة الإلحاد والزيغ، وفتنة المسلمين عن دينهم.
اللقاء الأول
في تلك الأيام التي كان يذهب فيها إلى الكتّاب سمع أن حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين حلّ ضيفاً على ديوان عائلته في كيمان المطاعنة، على بعد كيلومترات من محل إقامته، فشدّ الرحال إليها، مأخوذاً برؤية شخصية قادمة من القاهرة، يظهر اسمها في الصحف بين حين وآخر، ويكتب المقال الافتتاحي في مجلة «النذير»، وكان ذلك في أواخر شهر أغسطس 1938م.
ويصف هذا الضيف الوافد فيقول: يرتدي ملابس بيضاء فضفاضة، بسيطة ونظيفة، ويلف فوق طربوشه شاشاً، معتدل القامة والبنية، أبيض مشرباً بحمرة، مرسل اللحية، نافذ البصر والبصيرة، يتحرك وسط جموع الريفيين البسطاء كأنه هالة من نور، وهم حوله فرحون به، يعرف كيف يملك قلوب المئات الذين توافدوا من النجوع التي حول القرية، بعضهم طلاب في الأزهر، والغالبية فلاحون، جاؤوا مدعوّين، أو ليسلموا عليه، أو مستطلعين.
ويتوقف عند زيارة البنا وكيف أمضاها وجمع الناس على كلمة خير، وفي الوقت ذاته كان يرافقه في هذه الرحلة «أ.ح»، وكان يومها شاباً فارعاً، في مقتبل العمر، موفور الجسد، قوي البنيان، تخرج في الأزهر حديثاً، يرتدي الزي الأزهري كاملاً (عمامة وقفطاناً وكاكولة)، ويذكر واعياً أن الناس لم يرتاحوا إليه، رأوا في حركاته تصنعاً وافتعالاً، وفي حديثه عجباً وخيلاء، وكلها فيمن يرون أشياء لا تليق بالعلماء، ولا تعكس ملامح وجهه شيئاً من نور الصالحين وتقاهم، وبدا لهم كأنه يطل عليهم من علٍ، فتركوه فرداً ضائعاً في ضجيج المتزاحمين حول البنا، وإن أعطوه حق الضيافة كاملاً.
ويرصد انتقال البنا من كيمان المطاعنة إلى أصفون المطاعنة، ونشاطه هناك ولقاءاته مع أهلها، ويتناول رحلته في العام التالي إلى الصعيد كله في شهر سبتمبر 1939م، ليؤكد صلته بالناس، ويدعم شُعَب الإخوان التي أقيمت، ويحاول أن يحلّ مشكلات أهل المطاعنة الاقتصادية والعائلية، وأن يوجههم نحو الخير، وأن يصرفهم عن بعض ما يقومون به من عادات، يسمع بها ولم يرها، كالثأر والتشاحن والعصبية القبلية، وكان احتفاء الناس به كبيراً في هذه المرة، وقوبل بإطلاق البنادق في الهواء زيادة في التكريم.
في هذه المرة رآه الطاهر عن قرب أكثر، فقد كبر عاماً، وازداد اهتمامه بمعرفته، ولم يغير هو شيئاً في برنامجه، أو عبادته، أو ملابسه، غير أنه صحب شاباً أزهرياً آخر، وما زال يذكر اسمه، مع أنه لم يره بعد هذه المرة أبداً، هو الشيخ عبدالمعز عبدالستار، وكان طالباً في كلية أصول الدين يومها فيما يقال، وقد أحبّه الناس بقريب مما أحبوا البنا، فقد كان متواضعاً وقوراً، يشيع الصلاح من وجهه، «يغضي حياء، ويغضى من مهابته»، وواصلا رحلتهما في بقية مدن أعلى الصعيد.
مكي عضواً في الإخوان
في العام التالي، انتقل الطاهر إلى قنا عاصمة المديرية، تلميذاً في معهدها الابتدائي، وكانت مدينة منطفئة، يصعب فيها الحصول على صحيفة أو كتاب، فتردّد على جمعية الشبان المسلمين ليحضر بعض المهرجانات الدينية، في المواسم المعتادة، مثل رأس السنة الهجرية، والمولد النبوي، وغزوة بدر، وشيء من النشاط الرياضي، وفي تلك الأيام كان الناس يتخذون من المناسبات الدينية وسيلة لتغذية الشعور العام، وإيقاظ روح الوطنية والنضال ضد المحتل، دون أن يستطيع منعهم أو التصدي لهم.
في تلك الأيام أحس وهو على أبواب الشباب أن جمعية الشبان المسلمين مكان طيب لقضاء الوقت، والتدرب على الخطابة، ولكنها بلا غايات سياسية واضحة وصريحة، وأن تحرير الوطن لن يجيء عن طريقها، وكان منظر الجنود الأعاجم من كل الجنسيات والألوان سكارى في آخر الليل يثير الناس، ويلهب في أعماقهم الحماسة والتمرد، ويدفعهم إلى الاصطدام بهم دفعاً.
وساقته قدماه صدفة إلى شعبة الإخوان المسلمين، وانضم إليها في الحال، وفي ذاكرته صورة هذا الرجل العبقري الذي رآه في ديوان قبيلته منذ عامين.
كان نشاط الإخوان المسلمين متنوعاً، يشمل المحاضرات والدروس، والتدريب على الخطابة، والرحلات، وكل ضروب التعاون على الخير، وفي 20 مايو 1941م أصدر حسين سري، رئيس الوزراء، قراراً بنقل حسن البنا من مدرسة عباس الأول الابتدائية بالقاهرة إلى مدرسة قنا الابتدائية، وكان ذلك مع نهاية العام الدراسي، ولعله جاء ليتسلم العمل فقط، ثم سافر ثانية، وجاء مع بدئه، فكان إلى جوار البنا جل وقته.
كان البنا نموذجاً في دقته، موظفاً على ذكاء شديد، وقدرة فائقة في تحويل المواقف لصالحه، وحين جاءت الأوامر السرية لناظر المدرسة بأن يرهقه بالعمل، فيوكل إليه أقصى قدر من الساعات، والمدارس يومها كانت تُجرى على نظام اليوم الكامل، من السابعة والنصف صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر، لم يتململ البنا من هذا، وكل ما هنالك أنه رغب في أن يقوم بتدريس الخط العربي، وسعدت المدرسة برغبته، وسعد بها زملاؤه، فقد كان المدرسون يهربون من هذه المادة؛ لأنهم يرونها أدنى من غيرها، ولعزوف الطلاب عنها، واعتمادها على الموهبة وحدها، وعدم اعتناء المفتشين بها، فأعطوها له شاكرين!
البنا مدرساً للخط
أما البنا نفسه فكان يهدف من وراء هذه الرغبة إلى غايتين؛ أولاهما: أن الساعات المقررة للخط أسبوعياً ساعتان، ومعنى هذا أنه سوف يدرس لكل تلاميذ المدرسة البالغ عددها 15 فصلاً، سوف يلتقي بكل هؤلاء الصغار، وهم على أبواب الشباب، فيصنع منهم الرجل الذي يريده لبلاده، وهو ما حدث فعلاً، فهذا المدرس البشوش، المبتسم دائماً، العطوف في هدوء، والحنون في وقار، جعل من حصة الخط شيئاً جميلاً، يقبل عليها الصغار فرحين، فهو يتباسط معهم في القول، ويحدثهم عن كثير من شؤونهم، ولا يبعد بهم عن عالمهم، ويسألهم في غير إحراج أو تأنيب: من الذي صلى منهم الصبح فيكافئه ويطريه، ومن الذي يحفظ شيئاً من القرآن فيسمعه منه ويصحح له، فإذا جاءت فسحة وسط النهار تواعد معهم على اللقاء في مصلى المدرسة.
وبعد شهر واحد كان أحب الأساتذة إلى كل تلاميذ المدرسة بلا استثناء!
أما الغاية الثانية: فهي أن حصة الخط تنتهي بانقضاء وقتها، فلا تصحيح بعدها، ولا تحضير لها، فيفيد بالقليل الذي تبقى له من اليوم وبقية الليل في الدعوة ونشرها، واكتساب أنصار لها، وفي القراءة والعبادة.
أما ليلة الجمعة، فكان يعقب صلاة العشاء محاضرة عامة، يأتيها الجمهور من كل أنحاء المدينة، من المنتسبين إلى الإخوان وغيرهم، وتدور حول قضايا الساعة التي تهم الجماهير، ولكنها تتخذ من الدين منطلقاً.
أتاح قرب الطاهر من البنا على امتداد تلك الشهور القليلة أن يتبين فيه أشياء كثيرة: الذاكرة القوية، وقدرته الفائقة على أن يتكلم العربية الصحيحة والبسيطة والواضحة دواماً، وعفة لسانه، وينقد ما يراه من زيف وباطل، أو خروج على قواعد الدين، نقداً موضوعياً، يشخص الداء، ويصف العلاج، ويأخذ بالأساليب أو يدعو إليها، ويعلو على تناول الأشخاص، ويعمل على أن يجمع ويوحّد ويؤلف، ويردد باستمرار: «نعمل سوياً فيما اتفقنا عليه، ويرحم بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه».
كان البنا يسع بقلبه الناس جميعاً، من يكبرونه سناً، ومن يفوقونه في الوظائف درجات، فضلاً عمن دونه عمراً ومقاماً، يهتم بأمرهم، ويعينهم على تجاوز ما يعترضهم من صعاب، وفيما بعد سوف يضم المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة إدارة للعلاقات العامة مهمتُها معاونة الإخوان على مستوى القطر المصري أولاً، ثم العالم الإسلامي فيما بعد، على حل مشكلاتهم اليومية والحياتية، ويحرص على أن يجمع الإخوان في أي مكان على الحب والود والتعاون.
وكان يَشُدُّه جمال الطبيعة، ومنظر النيل، وغروب الشمس، ومهابة الجبال، ويرى فيها بديع صنع الله.
مكي والبنا في القاهرة
ولم تمضِ غير شهور قليلة حتى أحست إنجلترا دولة الاحتلال أن حسن البنا في الصعيد أخطر منه في القاهرة، فهو يتحرك في مجال بكر مفتوح، فردته إلى القاهرة من جديد.
ولم يكد البنا يصل القاهرة ويستقر فيها حتى كشفت وزارة حسين سري باشا عن نواياها، فأغلقت مطبوعات الإخوان وصحفهم، وتمالك الإخوان أعصابهم دون أن يداخلهم خوف أو رعب.
وفي تلك الأيام قرر الطاهر أن يرحل إلى القاهرة، وأن يقضي مرحلة التعليم الثانوي فيها بعد أن حثه الشيخ كامل عجلان على ترك الجو الخانق في قنا.
في 9 أكتوبر 1944م وصل القاهرة، وهي تموج بالمظاهرات من كل شكل ولون، فقد أقيلت وزارة الوفد بعد صراع مرير مع القصر الملكي، وجاء «فاروق» بأحمد ماهر باشا رئيساً للوزراء، فحل البرلمان، وبدأ يختط سياسة يمثل رأي «فاروق» مركز الثقل فيها.
ابتلعت القاهرة الطاهر بصخبها، ومظاهراتها الطلابية التي لم تكن تتوقف، وندواتها الثقافية العديدة، في الجمعيات، والنقابات، والجامعات، وبعضها كان حضوره مقابل ثمن يعدل ثمن تذكرة السينما، وهكذا احتاج لبعض الوقت لكي تعرف قدمه طريقها إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين، وكان يقع في أهم ميدان من الحلمية الجديدة، وتجيء في وسط القاهرة تماماً، وكانت في مطلع هذا القرن مسكن علية القوم.
ويتحدث عن مقرات الإخوان في القاهرة، ودورهم في نصرة فلسطين وعن لقائه بالمرشد (لقب الأستاذ البنا)، وسؤاله عن أفراد أسرته فرداً فرداً وعن أحواله وسكنه ورغبته في رؤيته من حين إلى آخر، ويشير إلى ثقافة البنا الجامعة التي تتجاوز الثقافة الإسلامية إلى معرفة العالم وصراعاته ومذاهبه والمنجزات الاجتماعية على امتداد المعمورة، كما يتكلم عن انسجام الفكر والموقف لدى البنا، واستقالته من التدريس ليعطي اهتمامه كله للدعوة وصحافتها، ويشيد ببعض معاوني البنا، وينتقد بعضهم نقداً موضوعياً.
وتحت عنوان «اثنان نفر منهما قلبي»، أولهما أحمد السكري، وكيل الإخوان، ورئيس تحرير الجريدة اليومية الذي لم ترتح له نفسه دون تعامل معه، وقد كتب في صدر الصحيفة أنه استقال من وظيفته ليتفرغ لشؤون الدعوة، ويعطيها والصحيفة كل وقته، وكان ذلك صحيحاً في جانب منه، أما الجانب الآخر فهو أنه ترك وظيفة في الدرجة السابعة، ومرتبها يومئذ لا يعدو عشرة جنيهات، وأخذ راتباً في صحيفة الإخوان يبلغ مائة وخمسين جنيهاً، وهو الراتب الذي كانت تدفعه كبريات الصحف يومها لرؤساء تحريرها، وهم موظفون مهنيون، لا يزعمون أنهم أصحاب دعوة ولا متفرغون لها، وساعتها أحس أن في الأمر خداعاً لآلاف البسطاء من الإخوان الذين أسهموا في جريدة مبدأ، ليس غايتها الربح، وتمنى لو اكتفى بما يعينه على مواجهة مطالب العيش، خصوصاً وأن الحياة كانت سهلة ميسرة، وأن راتب الوظيفة التي تركها كان بسيطاً ومحدوداً.
كذلك نفر قلبه من «أ.ح» بعد لقاءين؛ إذ رأى فيه عُجباً وتصنعاً لا يتفقان مع خلق المؤمن القوي، ثم خبره مدرساً في معهد القاهرة لا يلتزم بوقت الدرس، وإذا التزم به لا يقوم بمهمته مدرساً، وإنما يتحدث عن أمجاده، في قيادة المظاهرات الأزهرية لإسقاط الشيخ الظواهري، والمناداة بالإمام المراغي شيخاً للأزهر، وأشياء أخرى من لغو الحياة وباطلها، وأسف أن يكون مثله عضواً بارزاً في جماعة الإخوان المسلمين.
بريطانيا وحل الإخوان
ينتقل الطاهر إلى الحديث عن التدخل البريطاني السافر لحل جمعية الإخوان المسلمين بعد أن أضحى الإخوان يمثلون قوة رهيبة وثقلاً سياسياً ملحوظًا في الشارع المصري، ويدفعون الجماهير ويقودونها للمطالبة بإجلاء الإنجليز، بعد أن مارسوا دوراً قتالياً بارزاً، وبالغ الأهمية في حرب فلسطين الأولى، قبل أن تدخلها الجيوش النظامية في 15 مايو 1948م، وفي 8 ديسمبر 1948م أصدر النقراشي باشا – بوصفه حاكماً عسكرياً عاماً – أمراً بحل الجماعة، ومصادرة شُعبها وممتلكاتها، وكل مؤسساتها وأموالها، وتعطيل صحفها، واعتقال الألوف من أعضائها.
وفي 28 ديسمبر 1948م، أي بعد عشرين يوماً من قرار الحل، أطلق طالب في كلية الطب البيطري الرصاص على النقراشي فأرداه قتيلاً.
وجاءت حكومة إبراهيم عبدالهادي لتنفذ رغبة الملك والإنجليز والصهاينة في اغتيال حسن البنا في يوم 12 فبراير 1949م، في الساعة الثامنة مساء، ومع أن البنا تمالك نفسه، ونزل من سيارة الأجرة التي كان يستقلها، واتجه إلى هاتف جمعية الشبان المسلمين حيث كان هناك، وأدار رقمين من مكالمة حاول أن يطلبها قبل أن يُغمى عليه، إلا إنه نُقل إلى مبنى الإسعاف على بُعد دقائق، ثم إلى قصر العيني، وهناك أجهزوا عليه تماماً، رحمه الله.
يقول مكي: «في صبيحة اليوم التالي، كنت أقف في نافذة البيت الذي أسكنه في ميدان السيدة عائشة، وبه يمر الطريق إلى مقابر الإمام الشافعي، فرأيت سيارة الموتى، تطوقها قوات ضخمة من الشرطة مدججة بالسلاح، وتتبعها عربات مصفحة تنطلق بسرعة، لا أحد أمامها غير العسكريين، ولا معها ولا وراءها، ولم يخالجني أدنى شك في أنها تحمل جثمان الشهيد.
ولم أبكِ، فقد جف الدمع في عيني، وتوزعتني هموم غامرة، عما سوف ينتهى إليه وطني في مستقبله القريب والبعيد، ثم قرأت على روحه الفاتحة!».
(انظر نص المقال الطويل كاملاً في: مجلة الدوحة، عدد 115، شوال 1405هـ/ يوليو 1985م).