– سقوط الخلافة كان السكين التي مزقت شعار وحدتنا وبدأت بعدها أزمان الدويلات الضعيفة
– لدينا الكثير من مقومات الاجتماع التي أعطانا الله إياها إن أحسنا استثمارها
– المسلمون الأوائل نجحوا في تغيير لغات بلدان كثيرة حتى صارت «العربية» من مقومات الوحدة
– الأمل أن تؤثر الشعائر الكبرى الجماعية في شعور المسلم لينطلق شعار الوحدة والاجتماع
شرع الإسلام شرائع وعبادات من أجل الاجتماع، فشرع الصلوات الخمس، وصلاة الجُمع في اجتماع أوسع، ثم جعل اجتماعاً أكبر في صلاة العيد، وأكبر من ذلك في عبادة الحج، وكذلك في الصيام؛ يجتمع المسلمون على قلب رجل واحد، كل ذلك اجتماع تحت مظلة الدين؛ (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: 103)، وحبل الله هو الإسلام أو القرآن، وإذا اجتمعنا وظهرت وحدتنا استطعنا أن نواجه التحديات العصرية، واستطعنا أن نظهر عظمة الإسلام وكيانه المتحد، تلك الوحدة التي ندندن كلنا حولها ولأجلها!
بالوحدة تتحقق الألفة والعدالة والمحبة والتآخي ونقضي على العصبية القبلية والعرقية، كما أن الاجتماع يحقق البركة، ففي الحديث: «يا رسولَ اللَّه، إنَّا نأكلُ ولا نَشبعُ، قالَ: فلعلَّكُم تأكُلونَ متفرّقينَ؟ قالوا: نعَم، قالَ: فاجتَمعوا على طعامِكُم، واذكُروا اسمَ اللَّهِ علَيهِ، يبارَكْ لَكُم فيهِ» (رواه ابن ماجه)، وينشط الإنسان في الاجتماع ويبتعد عن الرذائل، وهذا الاجتماع دواء نافع لكثير من الأمراض النفسية التي تسببها العزلة، والانقطاع عن الصحبة الصالحة.
كان سقوط الخلافة هو السكين التي مزقت شعار وحدتنا، وبدأت بعدها أزمان الدويلات الضعيفة، قال في ذلك أحمد شوقي وهو يرثي:
ولَتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أرضٍ فتنةً فيها يُباعُ الدِّينُ بيع سماحِ
يُفتى على ذَهَبِ المُعِزِّ وسيفِهِ وهَوى النُّفوسِ وحقدها الملحاح
أعطانا الله من المقومات ما يؤدي إلى الاجتماع، فهو إله واحد، ورسوله خاتم النبيين، وأعطانا كتاباً واحداً، وقِبلة واحدة وكعبة واحدة، وشهر صيام واحداً.
وقد نجح المسلمون الأوائل في تغيير لغات بلدان كثيرة حتى صارت اللغة العربية أيضاً من مقومات الوحدة، فكانت لغة التخاطب والمراسلات، ولغة الأذان والإقامة والصلوات، ولغة الخطابة في الجمع والأعياد والحفلات، ولغة المكاتبات بين الخلفاء والقواد والجنود، ولغة المدارس والمساجد والكتب والدواوين.
وكان التاريخ القمري الهجري أيضاً من مقومات الاجتماع.
الأمل أن تؤثر الشعائر الكبرى الجماعية في شعور المسلم وفعله لينطلق شعار الوحدة والاجتماع.
– فإن فرقتنا الأهواء فليجمعنا الصراط المستقيم.
– وإن فرقتنا الآراء فليجمعنا الشرع.
– وإن فرقتنا المجالس فليجمعنا المسجد.
– وإن فرقتنا المراتب فليجمعنا الصيام.
– نجتمع على الشهر؛ (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 185).
– نجتمع على بداية الشهر؛ فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون» (أخرجه الترمذي، وقال الشوكاني في «النيل»: رجال إسناده ثقات)، وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس، وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها بلفظ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس» (أخرجه الترمذي وصححه).
– نجتمع على وقت الصيام والإفطار والموائد؛ (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) (البقرة: 187).
– نجتمع على الصلوات وصلاة التراويح.
– نجتمع على إخراج زكاة الفطر.
– نجتمع على نهايته وفرحة العيد معاً.
– وفي أثناء ذلك كله نجتمع على حسن الخلق؛ «من لمْ يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للهِ حاجَةٌ في أنِ يَدَعَ طعَامَهُ وشرَابَهُ» (رواه البخاري).
– ومشاعر الحب والرحمة والتكافل؛ «فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ، طعْمَةً لِلْمَساكِينِ» (صحيح الترغيب، وحسنه الألباني).
ولا بد لذلك من ثمرة:
– ثمرة تذيب فوارق الطبقات في صفوف الصلاة.
– ثمرة تقضي على شحناء النفوس بتهذيب الصيام.
– ثمرة تنبي جسور التلاقي بزكاة الفطر.
والأمل أن يخرج المسلمون من رمضان أشد حباً لإخوانهم الذين اشتركوا معهم في عضة الجوع ومُر الصبر وحلاوة الطاعة، وأكثر تفاهماً لآراء إخوانهم في خلافاتهم الفرعية وقد اشتركوا معهم في كلمة التوحيد، واتباع الرسول، ودعاء الإفطار، وابتهال التهجد، ويخرج الصائمون أوطد علاقة مع من تعرفوا عليهم خلال حلقات العلم وقرؤوا معهم القرآن واقتسموا معهم التمرة.
حين يعتكف المسلم أو المسلمة ولو لساعات في العشر الأواخر يجد من الحب والتفاني والخدمة والإيثار من إخوانه ما يجعله يبكي استبشاراً، ويحلم أملاً في تطبيق ذلك على مستوى أوسع، في دائرة تكبر حتى تصل إلى الوطن الكبير.. الأمَّة؛ (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ {92}) (الأنبياء).
كيف لنا أن نفترق وقد سمعنا الإمام يتلو: «ولا تفرقوا»؟!
كيف لنا أن نفترق وقد قرأنا في وردنا: «ولا تتفرقوا فيه»؟!
كيف لنا أن نختلف وقد نادى الخطيب فينا: «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا..»؟!
كيف لنا أن نختلف وقد شرح لنا العالم في الندوة: «ولا تنازعوا فتفشلوا..»؟!
كل هذا ونحن نسمع ونقرأ ونجلس ونصلي معاً.
بالسلطة والعلم تتحقق أحلام الشعوب.
كلنا أمل في أن يشعر القادة والعلماء بذلك فهم ميزان الأمة وربان السفينة، قال جرير راثياً عمر بن عبدالعزيز:
حملت أمراً عـظـيماً فاصطبرت له وقـمت فـيه بـأمر الله يـا عمرا
ولما سُئل سلطان العلماء العز بن عبدالسلام بعد أن نهى السلطان أيوب في مصر عن منكر: كيف واجهت السلطان وهو في أبهته وعظمته؟ قال: يا بني، استحضرت عظمة الله عز وجل وهيبته فلم أرَ أمامي أحداً.
فهم يستطيعون بالسلطة والعلم تحقيق أحلام الشعوب في الوحدة الكبرى التي تعيد مجد الأمة وعزتها ورغدها.
احلم معي:
– بترول الخليج يقضي على الجوع والفقر في العالم الإسلامي.
– وأموال المسلمين في بنوك أوروبا تبني بيوتاً ومدارس ومستشفيات لأطفالنا.
– ونيل مصر وبحارها تطعم الأمة سمكاً!
– وأراضي السودان تفيض على الأمة زرعاً ولحماً.
– ومصاحف مطبعة المدينة في كل بيت في أفريقيا.
– وأئمة الأزهر والشام واليمن وموريتانيا في كل مسجد في آسيا.
– وقرّاء المغرب في كل زاوية.
– ومدرسو مصر والأردن وفلسطين والعراق يقضون على الأمّية.
– وفنانو الجزائر وتونس وليبيا وتركيا يبنون صرحاً إعلامياً أخلاقياً.
– وصناع ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وبنجلاديش يقضون على الاستيراد من خارج الأمة!
نهضة تشترك فيها كل الأمة فلا يبقى سائل ولا محروم، ولا جاهل أو حيران، فمواردنا المالية والبشرية والعلمية والروحية لا يضاهيها أي وحدة أوروبية أو ولايات متحدة.
في صيامنا؛ رعاة ورعية، نتخلص من الكذب والزور، والكبر والبطر، والحسد والبغضاء، والظلم والبغي، واليأس والقنوط، وكل الأخلاق التي تهدم العلاقات الإنسانية، فإن حَسن صيامنا وكان إيماناً احتساباً، فليس أملاً – لشيء يستبعد حصوله – ولكنه رجاءٌ – فيما غلب على الظن وقوعه – أن نعود إلى رشدنا ونجتمع على الحق، وتكون العبادة هي سر النجاح.