أدار الحوار: هاني صلاح
دعا د. علي لاغا، الباحث في الفكر الإسلامي، الأقليات المسلمة في الغرب إلى أن تعيش واقعها وليس واقع غيرها، مؤكداً أن مقولة الاندماج وعدمه بحجة التفاوت أو الفارق الحضاري ليست دقيقة.
واستشهد في هذا السياق بأن جودة وإتقان مؤسسات الأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي قلبت الموازين، وأحدثت إرباكاً في الهوية والانتماء عند جمهور المسلمين.
وقال: على المسلمين في الدول غير المسلمة، حيث هم أقلية، أن ينسجموا مع الدولة التي هم فيها مع حفظ هويتهم ودينهم، والإفادة من القوانين الحديثة والإمكانيات المتوافرة فيتحولوا إلى فاعلين في المجتمع، عليهم أن يهجروا الانزواء، وعدم الجد والتعلم، ويجب أن يكونوا الأكثر وحدة، والأرقى علماً وخلقاً، ومهنية، هذا شأن أي أقلية تعمل على حفظ وجودها.
جاء ذلك في الجزء الثاني من حوار “الأمة الإسلامية.. أسباب التخلف ومسارات النهوض”، وهو الحوار الخامس على الموقع الإلكتروني لـ”المجتمع” بالتشارك مع “مبادرة حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي يجريها الصحفي هاني صلاح على الصفحة العامة للحوارات بعنوان “الإسلام والمسلمون في العالم”.
إلى تفاصيل الحوار:
المشاركة الثانية من: علي محمود هرموش، طرابلس، لبنان، وتشمل سؤالاً واحداً:
5- لماذا هذا الضعف والتشتت في أهل السُّنة وقادتهم؟ ولماذا هذه الهجمة الأممية عليهم وغض الطرف عما يحل بهم؟!
– إن الجسم الضعيف عرضة لمهاجمة كل البكتيريا والفيروسات، وعند وجود أي جرح بسيط تندس منه كل عوامل الهدم.
فالمسلمون السُّنة ركبوا منهج أممٍ قبلهم، أودت بهم إلى التراجع والتخلف، وأما لماذا يُحاربون ولا بواكي لهم؟ ذلك لأنهم هم العالم الإسلامي، والأقليات مسيطر عليها من قبل الدول القوية في هذا العصر وهي تستعملهم كمعاول هدم في البناء الإسلامي المتصدع والهرم، وأنه من غير الطبيعي أن تتوقع الضحية الرحمة والشفقة من الحيوان المفترس.
إن الدراسة التي قدمها صامويل هنتنجتون في كتابه “صدام الحضارات” حذرت المجتمع الأوروبي بالخطر الإسلامي القادم؛ لذلك لجؤوا إلى الحرب الوقائية أولاً لإعاقة تحسن أوضاعهم من جهة واستكمالاً لنهب ثرواتهم كما تم الاتفاق عليه بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية عام 1945م على أن يكون العالم الإسلامي ومعه دول أخرى من العالم الثالث سوقاً استهلاكية لحل مشكلاتهم الاقتصادية كي لا يدخلوا في حرب ثالثة لا طاقة لهم بها.
والحل – كما جاء في الأجوبة السابقة في الجزء الأول من هذا الحوار – هو العودة إلى تعزيز وحدتهم وتجديد فكرهم بحيث يصبحون أمة قوية كباقي الأمم، مثل الكوريين على الأقل.
المشاركة الثالثة ن: د. خير الدين باليتش، الأستاذ بالمدرسة الإسلامية في مدينة نوفي بازار عاصمة إقليم السنجق، صربيا، وتتضمن سؤالاً واحداً:
6– كيف تستطيع الشعوب الإسلامية في الدول غير المسلمة (الأقليات المسلمة) أن تأخذ العبرة من التطورات التي حدثت وتحدث في العالم العربي؟ ماذا تنصحون؟
– إن ما يحدث في العالم العربي هو مضطرب متناحر، وكأن اللعنة التي حلت على بني إسرائيل؛ (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) (البقرة: 54)؛ قد حلت على المسلمين، فالآية التي تحدثت عن بني إسرائيل فيها إيحاء أن من فعل فعلتهم سيلقى مصيرهم.
والعرب قبل غيرهم الذين تقع على عاتقهم مهمة حمل القرآن وشرحه، بعد تمثله، إلى العالم؛ فهم اليوم يقتلون أنفسهم في معمودية دم لم يسبق أن عرفها التاريخ من قبل.
لذلك على المسلمين في الدول غير المسلمة، حيث هم أقلية، أن ينسجموا مع الدولة التي هم فيها مع حفظ هويتهم ودينهم، والإفادة من القوانين الحديثة والإمكانيات المتوافرة فيتحولوا إلى فاعلين في المجتمع، عليهم أن يهجروا الانزواء، وعدم الجد والتعلم، يجب أن يكونوا الأكثر وحدة، والأرقى علماً وخلقاً، ومهنية، هذا شأن أية أقلية تعمل على حفظ وجودها.
المشاركة الرابعة من: د. غزالي بن مد، عميد كلية الدراسات الإسلامية والقانون، بجامعة فطاني جنوب تايلاند، وتتضمن سؤالين:
7- من خلال دراساتكم هل ممكن أن تفيدنا في أي عصر أو من هو صاحب الفكرة التي تسببت في اشتغال المجتمع المسلم بالعلوم الشرعية التقليدية من علوم القراءات والتفاسير والأحاديث والفقه والعقيدة وما إلى ذلك وامتلأت المكتبات الإسلامية بها وانشغل الناس عن علوم الحياة من الطب والتكنولوجيا وما على ذلك إلا قليلاً نادراً؟
وما طبيعة المجتمع المسلم في تلك العصور حتى اقتنعوا بهذا الانحراف بلا مقاومة أو مخالفة لذلك التيار السائد.. حتى يكون من الأسباب التي تؤدي إلى ما وصل إليه المسلمون في الماضي والانهزامات المتتالية؟
– إن عصر الانقسامات الفكرية حصل في العهد العباسي؛ حيث حملت الشعوب التي دخلت الإسلام معها ثقافتها واستكملت الحوارات السابقة عندها، أما العصر الأموي فقد كانت مشكلاته سياسية؛ أي على السلطة، وفيه ظهر الخوارج، وليكن معلوماً أنه لا يوجد عربي واحد شارك في نشوء الفرق الإسلامية بالحدة التي وصلت إليها، وكل المذاهب والفرق العقائدية تجذرت في ذلك العصر، وأما التشيُّع فقد كان هو لحب آل البيت رضوان الله تعالى عليهم، وهذا لا يختلف عليه مسلمان، فلا يوجد مسلم لا يحب آل البيت، لكن ما وصل إليه التباعد والعداوة فيما بعد إنما صنعه مسلمون أعاجم، ويمكن إعادة ما جاء في السؤال إلى:
1- عامل اجتماعي: إن ابن الغني يلجأ إلى الترف واللهو والإسراف، والمسلمون هم أحفاد أو أبناء دولة غنية كانت تسيطر على أغلب الكرة الأرضية، فمن الطبيعي أن يعتور أبناءها هذا اللون من البعد عن بذل الجهد والتعب.
2- فيما تم ذكره من قبل تم شرح مضار المنهج الفكري في الشروحات، وحتى يومنا هذا ما زال الكثيرون يعيشون في تلك العصور عبر ما وصلهم من مصادر وقد تكون في كثير منها غير صحيحة، والمشكلة ليست في تعلم الشريعة وفروعها بل بكيفية فهمها، وهذا ما يجب أن يُناقش، إن عز الدولة الإسلامية كان بهذه الشريعة، فليست هي المشكلة بل هي مصدر القوة، لكن الشروحات بمفاهيم ثقافات أخرى هي السبب في كل ما حصل ويحصل.
والآن علينا ألا نبقى هناك متناسين ما نحن فيه بل لنعمل وبسرعة على نقد الفهم الخاطئ وحث مجتمعنا إلى الاتجاه نحو الصدارة.
ومن أولويات ما يجب الحض عليه طلب الثروة مع التأكيد على مشروعية الكسب والإنفاق.
وفي تايلاند بالذات يجب الإفادة من التحولات العالمية، والإسراع بتعليم الجيل الجديد وتأمين المناهج المناسبة كي يتوازن مع شركائه في المجتمع التايلاندي.
8 – وما الدور المطلوب للمؤسسة التعليمية الإسلامية في زماننا لتفادي تلك المآسي والويلات؟
– إن بناء مؤسسة تعليمية يجب أن تكون له رسالة محددة مسبقاً، وعلى ضوئها ترتب البرامج وتحدد المواد هذا أولاً.
وثانياً؛ من هم وراء إنشاء وإدارة الحاضرة التعليمية، وفي الحِكم: “قل لي من تعاشر؟ أقل لك من أنت”، إنه على سبيل الذكرى عندما تأزم الوضع بين الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وفشلت خطة مشركي قريش بدفعهم الأحابيش لقتال المسلمين أرسلوا سهيل بن عمر باتجاه مخيم المسلمين، ولما رآه الرسول قادماً وعرفه قال: “إن قريشاً تريد الصلح”، وهذا ما حصل، إن مؤهلات وسمعة القائمين على المؤسسة تشير إلى مآل النشاط تماماً كالمقدمة المنطقية المتضمنة للنتيجة.
في احتفالية مرور 15 سنة (2003م) على تأسيس جامعة البلمند في شمالي لبنان، مثلت رئاسة جامعة الجنان بالحضور واستمعنا لخطيبين، رئيس سابق وثانٍ ما زال حتى تاريخه؛ فتحدثا عن النضال والمشكلات والمتاعب التي مرا بها، ولما جاء دور البطريرك هزيم (للطاتفة الأرثوذكسية في أنطاكيا وسائر المشرق) الرئيس الفعلي للجامعة وكل مؤسسات الطائفة، تحدث بصوت منخفض وهو يحرك يده فوق مجسم للجامعة قائلاً: لماذا تتحدثون عن الماضي؟ إنه هذا الحاضر، أي الذي تم بناؤه، حدثونا ماذا يمكن أن نضيف عليه غداً.
والآن 2017 أضحت مدينة البلمند، وكل المعنيين يتسابقون في تقديم إضافة جديدة 70% من طلابها من أسر مسلمة وميسورة أيضاً، ذكرت هذا لتبيان أهمية عامل الإتقان والتفوق بجذب آخرين مختلفين معهم بدون دعاة ولا إعلام، فالناس يتجهون إلى حيث يحققون طموحاتهم، يضاف إلى ذلك السمعة التي تكسبها الجامعة وأثر ذلك على تأمين فرص عمل ومكانة اجتماعية للخريجين.
إن جودة وإتقان مؤسسات الأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي وليس في لبنان أو غيره فحسب قلبت الموازين، وأحدثت إرباكاً في الهوية والانتماء عند جمهور المسلمين، ويكفيك سؤال المتسوق عن السلعة: وطنية أم أجنبية؟ فإذا كانت وطنية زهد بها واشترى الأجنبية بثمن مضاعف، ولا يعجب المرء عندما يستمع إلى محدث وهو يقول: في بلاد برة يفعلون كذا وكذا.
والسؤال الذي يطرح نفسه:
لماذا لا يعمل الناشطون المسلمون على مجاراة غيرهم ممن ذكرنا؟ هل الإتقان محال؟ والرسول الكريم رسم للمسلمين مدى الإتقان الذي يقربهم من الله عز وجل: “إن الله يحب أن إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
عودة إلى الإجابات السابقة:
إن ثقافة الارتحال وذم الدنيا وطلابها وإعلاء قيمة الفقر والمسكنة وأن أغلب أهل الجنة من الضعفاء، تماماً كما كانت الكنيسة الكاثوليكية قبل تقديم التضحيات من الإصلاحيين في أوروبا، وكأنه لم ينتبه الشراح إلى أن الذي فرض الزكاة فرض الغنى، وأن القوي أحب إلى الله تعالى من الضعيف، وفي كلٍ خير، ومن يلاحق تاريخ الرعيل الأول في صدر الإسلام يذهل من مقدار الثراء والحضارة والإتقان والعدل وإرساء نماذج إنسانية أضحت قبلة المتعبين والساعين إلى السعادة.
إن المؤسسة على قياس ووعي وطموحات المؤسسين، وعند توافر هذه القاعدة كل ما بعدها يسهل.
إن مما يقوي البنية الاجتماعية علاوة على ما تم ذكره تعميم اللغة العربية ليس في المواد الشرعية فحسب، بل حتى المواد العلمية، وغير صحيح أن العلم لا يتم إلا باللغة الأجنبية، حتى اللغات المحدودة تستوعب العلوم وعلى سبيل المثال: اللغة الليتوانية التي لا يتكلمها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة تدرس جامعاتها كل المراحل باللغة الأم ولا مشكلة وكذا بقية اللغات.
وفي الشريعة لا بديل عن العربية، فليس صحيحاً أن المسلم الذي لا يعرف العربية يفهم القرآن مترجماً وأكثر من ذلك سيفهم آيات كثيرة جداً بغير ما هي عليه.
وإضافة إلى الإتقان والتفوق، على الفريق المؤسس والعامل أن يكون ملماً بمهمة الخريجين ومواطن عملهم، ويتم تدريبهم على هذا الأساس، وهذا يستوجب إدخال مواد في الاجتماع وعلم النفس والسياسة والاقتصاد والإدارة، وعلى الجهاز التعليمي أن يكون مميزاً ومن أصحاب الخبرات والتخطيط، ويجب تأمين فريق من الباحثين أو المستشارين الذين يقدمون النصائح والخطط.
في النهاية؛ الإجابة عن السؤال ليست صعبة، فالمؤسسات الناجحة والمتفوقة عند غير المسلمين موجودة، ويمكن تقليدها إذا عجز العقل المحلي عن الإبداع خاصة عند الأقليات المسلمة الذين يعيشون مع مواطنين تفوقوا في التنظيم والإبداع.
المشاركة الخامسة من: محمد سرحان، صحفي متخصص في شؤون الأقليات المسلمة، وتتضمن ثلاثة أسئلة:
9- برأيكم، كيف يمكن للأقليات المسلمة تحقيق التوازن بين الاندماج الإيجابي في مجتمعاتها غير المسلمة والحفاظ على هويتها؟
– على الأقلية أن تعيش واقعها وليس واقع غيرها، ومقولة الاندماج وعدمه بحجة التفاوت أو الفارق الحضاري ليست دقيقة، وهنا أذكر قولاً للدكتور عبدالله النفيسي يقول فيه: استحالة المزاوجة بين الشق المادي لحضارة ما، والشق الثقافي والفلسفي لحضارة أخرى ليس إشكالية أو مأزقاً، وها نحن نرى البدوي – الممعن في الصحراء – يُزاوج بين سيارته (وهي الشق المادي لحضارة الغرب) ورعيه للإبل وخضِّهِ للبن ونصبه لبيت الشعر، وينسحب ذلك على سائر المبتكرات المادية الغربية من طائرات وقطارات وثلاجات وأسلحة ومكيفات وهواتف مقيمة ومتنقلة وغير ذلك.
والغريب في الأمر هو طرح مسألة الحداثة واستيعابها، ها هم اليابانيون تخطوا العالم بصناعاتهم ومكتشفاتهم وهم ما زالوا يتعبدون بالشنتوية التي تعتبر الإمبراطور إلهاً، والأوروبيون كانوا مسيحيين ومتخلفين، ثم تطوروا إلى ما هو معلوم وهم يتجهون إلى الأحزاب المسيحية أكثر، وكذا الهنود والصينيون والكوريون.
لا يوجد ربط بين التطور المادي واستيعاب منتجاته والإيمان الذي تدين به الشعوب علماً أنه لا توجد مشكلة أصلاً بين العلم والإسلام.
لذلك فعلى الأقليات المسلمة الاندماج في المجتمع الذي تعيش فيه مع التخلي عن فكرة القفز للأمام بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام والمسلمون في حاجة ماسة إلى تحسين أوضاعهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “خيركم خيركم لأهله”، وعندما يصبح المسلمون هم الأكثر تقدماً سيكون ذلك عامل جذب لاعتناق الإسلام من قبل غير المسلمين، تماماً كما يهاجر المسلمون من أوطانهم إلى بلدان أفضل وأحسن.
10- المسلمون في أفريقيا حتى الآن لم يتم تسليط الضوء على واقعهم وهم بين مطرقة التنصير وسندان التشيُّع، كيف يمكن حمايتهم وهم كما لمست منهم بيئة نقية للإسلام؟
– إن القارة الأفريقية كانت تسمى قارة الإسلام، هذه القارة تختزن أكبر ثروات العالم من الذهب والمنجنيز والألماس والبترول والمعادن، كما أنها يمكن أن تكون خزاناً للحبوب والمزروعات، ومع ذلك فالجهل والفقر وكل المصائب تحل بهذا الشعب الطيب، وتنظر إليها الدول الباحثة عن الثروات لترفيه شعوبها على أنها المحطة المهمة بعدما نضبت المواد الخام وشاخت بعض المناطق وما زالت إفريقيا بكراً، لذلك أشعلوا فيها الفتن والحروب التي تزيد من ويلاتها ومحنها.
إن هذه القارة تحتاج إلى دراسة خاصة، ولكن بعجالة فإن تجربة الحركة السنوسية (1787 – 1859م) مؤسس الطريقة السنوسية محمد علي السنوسي في شمالي أفريقيا، ومؤسس الأسرة المالكة في ليبيا التي انتهى حكمها إثر انقلاب عام 1969م الذي قاده معمر القذافي.
إن الطريقة السنوسية التي زاوجت بين الصوفية والسلفية بطريقة رائعة أدت إلى تعميم الإسلام في كل القارة، هي وكما بدأ بها مؤسسة يجب مراجعتها وإقناع الجامعات الإسلامية التي تستقبل أفارقة بتدريسهم على هذه الطريقة مع التعديلات التي تستوجبها المرحلة الراهنة.
إن دراسة الطلاب الأفارقة في مؤسسات تعليمية تعتبر من ليس على منهاجها غير مسلم، وبعدما عاد هؤلاء إلى بلادهم أحدثوا مشكلات وانقسامات عنيفة لضعف في تربيتهم وتدريسهم كيفية التعامل مع المجتمع الأفريقي الغارق في الطرق الصوفية، كما أن على الجمعيات الخيرية والمنظمات العاملة في أفريقيا التدقيق بالأذرع التي تعتمد عليها هناك وبطريقة بناء المساجد بحيث تستوعب حاجات الإمام وخدمة المسجد عبر بناء شقة ومحلات تجارية مع المسجد أو تحته عامل مؤثر في تخلف المسلمين.
إن أهم عامل في إعاقة الدعوة وتحسين وضع المسلمين الأفارقة الأطماع الدولية في ثرواتهم، وجهل الدعاة ومن علَّمهم بطريقة ناجحة تناسب المجتمع الأفريقي.
11- حتى الآن الدول العربية والإسلامية لم تستفد من الوجود الشعبي للمسلمين في الدول الأخرى (الأقليات المسلمة) ولم تهتم بهم بدعوى الانشغال بالقضايا الداخلية، فماذا يجب على هذه الدول من خطوات؟
– إذا كان مركز العالم الإسلامي العالم العربي في أسوأ حاله، فماذا بمقدورهم أن يفعلوا لمساعدة غيرهم؟ لكن هذا غير كافٍ، إن بمقدورهم فعل الكثير شرط ألا تكون هذه الدول يروج حكامها إلى أمور لا علاقة للإسلام بها، هذا إن لم يكن الأمر ضد الإسلام.
لكن هناك ملاحظة أن السلك الدبلوماسي لبعض الدول العربية المهمة لا يُشعرك بانتمائه لدولته أو لدينه، بينما هناك أجهزة دبلوماسية لدولة مثل إيران لا يهدأ مسؤولوها، يتواصلون مع الناس ولو لم يستجب لدعواتهم واهتماماتهم، فإيران لها 300 جامعة ومدرسة ومؤسسة ثقافية منتشرة في المدن الباكستانية، ومثلها في القارة الأفريقية هذا فضلاً عن دفع حوافز مالية للطلاب، كما أن السلك الدبلوماسي الغربي تجده جاداً ومهتماً بإقامة علاقات مع الناس والاعتناء بهم، هذه مشكلة ليس من السهل حلها.
أما عدم الإفادة من الأقليات المسلمة فهذا يستوجب وجود مشروع للدول المركزية في رأيي لتساعد الأقليات المسلمة في العالم وليس للإفادة منهم، فالمسلمون لا يفكرون باستعمار الآخرين أو السيطرة عليهم والتدخل في شؤونهم.
ما يمكن أن تنصح به الأقليات العمل على محاكاة جيرانهم الأكثر تنظيماً منهم وتقدم العلوم والتكنولوجيا بات أمراً مسهلاً لمثل هكذا حالة.
ومرةً أخرى، عليهم ألا يفكروا بتغيير الآخرين؛ بل يجب أن يغيروا ما بأنفسهم حتى يصبحوا الأكثر جمالاً وجذباً حيث هم وإلى أي مكان يستمع الناس أو يقرؤوا عن إنجازاتهم وإبداعاتهم.
المشاركة السادسة من: د. نضال الحيح، نائب مفتي منطقة حوض الفولكا للعلاقات الخارجية، روسيا، وتتضمن سؤالاً واحداً:
12- من المعلوم أن الإسلام حث أتباعه على التعلم والبروز في مجالات العلم المختلفة، وكان هذا سبب نهوضها وتقدمها في مراحل متواصلة من التاريخ رغم الكثير من التحديات.
ولكن في وقتنا هذا نجد أن الأمة انكبت على دراسة العلوم الشرعية وبرزت فيها، وكان هذا على حساب إهمال العلوم الحيوية التي تقوم عليها الحضارات وتبنى بها الدول.. فهل تجدون أن من أسباب تخلف الأمة والسقوط في أزمات متتابعة هو إهمال هذا الجانب، وأن مسارات الخروج من الحالة المتردية للأمة تكمن في تفعيل هذا الجانب والاهتمام بتربية الكادر العلمي الذي يجب أن يقع على كاهله النهوض بالأمة؟
– إن صدر السؤال عبر بشكل واضح عن نجاح المنهج الإسلامي في صدر الإسلام، وهذا يعني أن حالة التخلف ناتجة عن تغيير في المنهج الأصلي الذي يحض المسلم على التفاعل مع الكون وتسخيره وتقديم الخدمة للبشرية، بينما المنهج الذي اتبع منذ العصر العباسي ارتحل بالعقل إلى عالم الآخرة الذي من المفترض أن يكون نتيجة فعل الإنسان في الدنيا التي فيها مناط التكليف، وبمنهج الأمم الأخرى انخرط المسلمون بعلاقة عشقية بينهم وبين الله تعالى، ظناً منهم أن هذه هي الطريق التي من أجلها خلقوا، وحقيقة الأمر أن الله تعالى خلق الجن والإنس لعبادته والعبادة تطاول الكون وما حوى ولا تقتصر إطلاقاً على أوراد وابتهالات وجأر بالدعاء دون عمل مسبق، بينما مريم ابنة عمران أم عيسى عليه السلام يأمرها الله تعالى وهي في مخاض الولادة أن تهز النخلة بيدها حتى تتساقط عليها الرطب لتأكل منها؛ (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25}) (مريم).
وأما فكرة انكباب الناس على دراسة الشريعة وحدها فهذا قول غير دقيق، قد لا يكون هناك 1 من 10 آلاف من المسلمين أقدم على دراسة الشريعة بينما الأغلب منهم انصرفوا إلى الدراسات الأخرى، إلا أن المشكلة تكمن في أمرين:
الأول: مشكلة الشروحات التي تدرس في كليات الشريعة كلها إلا ما ندر تنصب على العبادات التوفيقية (مع ما يعتورها من طرح اختلافات ومشكلات، الأخطر منها ذلك المسمى علم العقيدة)، دون الانتباه إلى أن علوم العقائد (التي وردت من ثقافات أمم أخرى) هي السبب الرئيس في انقسامات المسلمين الحادة التي ما زالت تطرد كأنها قنابل عنقودية لا وحدة للأمة بوجودها.
ولو أن المسلمين اتفقوا على تأجيل هذا الملف وتقديم ملف الشريعة الذي لا أثر للخلافات فيه لأن كل ما يتم الاجتهاد بشأنه موجود ومشاهد والنتيجة الأفضل تحكي عن نفسها، بينما ذلك المنهج المستورد من الديانات السابقة يستعمل العقل في عالم الغيب، وبالتالي ليس لديه آلية للاتفاق على أمر واحد، إن التباين في الحديث عن أمر واحد دلالة على عدم معرفة المتحدثين به؛ ولذلك رأينا في سورة الفرقان قوله تعالى في شأن الآراء المختلفة بتعريف الرسول عليه السلام: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً {9}) (الفرقان)، وقوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ {19}) (الزخرف).
إذا كان الله يُخطِّئ من يتحدث عن صفات الملائكة فكيف بالذين يتحدثون عن الخالق نفسه؟!
إذن فالمشكلة في تخلف الأمة في مضمار الحياة الدنيا هو الشروحات التي زهدتهم بها وصورتها لهم أنها سجنٌ، كل المنى عند المسلم التخلص منها والالتحاق بالرفيق الأعلى، أليس هذه هي أمنية الهندوسي بتعذيب جسده حتى الفناء كي تعود روحه للالتحاق بالإله الأعظم؟! كما أنها ليست بعيدة عن مذهب الكنيسة الكاثوليكية القديم التي كانت تقدس المسكنة والفقر.
أليس هذا هو المخزون النفسي عند المسلم الذي يهمل كل شيء في حياته فيصبح في نظر الآخرين ولياً من أولياء الله تعالى تُطلب منه الرقية والدعاء؟
ثانياً: إن البلية في أغلب المتعلمين المسلمين أن دراستهم للحصول على فرصة عمل وتأمين كسرة خبز وليس للإبداع وبناء حضارة ورفع شأن القيم.
وبعض الذين أتيحت لهم دراسات في دول غير مسلمة قاموا بنقل معلومات عن مجتمعهم للمؤسسات البحثية الإستراتيجية التي تفيد منها للسيطرة على مجتمعاتهم الأـصلية كما هو حاصل بالرغم من أن دراساتهم تحصل في مراكز بحث علمي جامعي أو خدمة مشاريع تلك الدول وتطوير برامجها والحصول في المرتين على شهادة ليس أكثر.
أخيراً علينا البحث الجاد والالتزام بمناهج العلوم التي تستبعد كل فرضية أو وجهة نظر أو شعار أو شرح أثبتت النتائج عدم جدواه، وبدون ذلك نكون طوطميين غير جديرين بالحياة وبالنتيجة ليس هذا هو الإسلام.