تباينت المواقف داخل ما يعرف بجبهة الإنقاذ حول قرار تجميد الأرصدة البنكية وممتلكات رجل الأعمال سليم الرياحي، الذي يمثل أحد أعمدتها ومصادر تمويلها، وفق البعض، وكذلك حول طبيعة الإجراءات التي اتخذتها رئاسة الحكومة مؤخراً في هذا الشأن، وعلاقاتها بمحاربة الفساد، والتدافع السياسي الحاصل في البلاد.
ورغم أن مصير الجبهة قد أصبح مقروناً بالفشل بعد انسحاب ثلاث مكونات مهمة منه أبرزها “حركة مشروع تونس” بزعامة محسن مرزوق، قبل وبعد تجميد أموال وممتلكات سليم الرياحي، فإن بداية نهاية الجبهة لا تقف عند ذلك الحد، إذ إن هناك خلافات عميقة بين مكوناتها حول العلاقة مع حكومة الشاهد، وكيفية خوض الانتخابات البلدية، والتعاطي مع ملف محاربة الفساد، والزعامة داخل الجبهة، ومعطى رئيس مهم هو التمويل، إذ تختلف مكونات الجبهة كما يقول مطلعون، في دوافع الدخول فيها من حزب إلى حزب ومن فرد إلى فرد، فهناك من يريد حماية نفسه، وهناك من يريد الحصول على المال، وهناك من يبحث عن الزعامة، أو كل ذلك جميعاً، وخيبة أمل البعض واستمراره لدى البعض ساهم في بلورة موقف البقاء داخل الجبهة أو الخروج منها، حيث إن المواقف المعلنة ليست بالضرورة هي المحرك الفعلي لنشاطها.
جبهة الإنقاذ
تأسست جبهة الإنقاذ يوم الأحد 2 أبريل 2017م مقدمة نفسها كبديل عن الائتلاف الحاكم، وكانت قبل انقسامها ودخولها مرحلة الأزمة والمصير المجهول تتشكل من عدة أحزاب منها “حركة مشروع تونس” (تم انسحابه من الجبهة لاحقاً)، و”الاتحاد الوطني الحر” الذي يتزعمه سليم الرياحي، و”حزب العمل الوطني الديمقراطي”، و”حركة تونس المستقبل”، و”الحزب الاشتراكي”، و”حزب الثوابت”، و”حركة الشباب التونسي”، و”حزب الوحدة الشعبية”، و”الحركة الوسطية الديمقراطية”، وبعض المستقلين، وكان الهدف المعلن من تأسيس الجبهة هو “إعادة التوازن السياسي وبناء القطب الديمقراطي التقدمي وضمان ديمومته مع التأكيد على عدم التحالف مع حركة النهضة وتفرعاتها وشركائها”، حسب ما صدر عن الجبهة، حال الإعلان عنها، وعرف عن الجبهة رفضها إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المعلن نهاية ديسمبر القادم.
وقال سليم الرياحي على هامش الإعلان عن الجبهة: إن جبهة الإنقاذ والتقدم الجسم السياسي الأول في استطلاعات الرأي، وهذه هي البداية، حسب تعبيره آنذاك، وإن الجبهة ورغم أنها الجسم الأول على حد قوله ترفض إجراء الانتخابات البلدية في التاريخ الذي حددته الهيئة الوطنية العليا المستقلة للانتخابات نهاية العام الجاري.
وقد صدرت العديد من ردود الفعل المتباينة عقب إعلان الجبهة حيث أعرب البعض عن خشيته مما وصفها بالعقلية الانقلابية للجبهة لا سيما بعد التصريحات الصادرة عن عدد من قيادييها مثل سليم الرياحي نفسه الذي أشار على هامش ميلاد الجبهة إلى أن جبهة الإنقاذ والتقدم تحمل مشروعاً مختلفاً عن المشروع الذي تحمله حركة النهضة.
مستقبل جبهة الإنقاذ
لقد تهاوى كيان جبهة الإنقاذ، ولم يحافظ على تماسكه، والزخم الذي رافق الإعلان عنه، والأهداف المعلنة من تأسيسه، ورغم أن منسق “حزب تونس أولاً” رضا بلحاج قد أشار في تعليقه عقب تجميد أموال سليم الرياحي ومصادرة أملاكه إلى أنه ليس هناك أسباب موضوعية تدفع جبهة الإنقاذ والتقدم لاتخاذ موقف ضد حزب الوطني الحر ورئيسه سليم الرياحي، ووصفه الإجراء بأنه قرار سياسي يستهدف حزب الوطني الحر وجبهة الإنقاذ، على حد تعبيره.
إلا أن موقف “حركة مشروع تونس” الذي أصبح خارج الجبهة عملياً لأسباب تتعلق بالموقف من خوض الانتخابات البلدية القادمة في قائمات موحدة، علاوة على صراعات مريرة لمرزوق (لديه 20 نائباً بالبرلمان) مع الرياحي (لديه 11 نائباً بالبرلمان) حول جملة من الخيارات السياسية والزعامة داخل الجبهة، وهما عماد الجبهة لأن بقية الأحزاب ليست ممثلة في “مجلس نواب الشعب” كحزب “العمل الوطني” الذي جمد نشاطه ضمن “جبهة الإنقاذ والتقدم” بعد الإجراءات المتخذة ضد الرياحي، إضافة إلى الناشط السياسي محمود البارودي، القافز بدوره من سفينة الجبهة، وكان قد ذكر عند الإعلان عن تأسيس جبهة الإنقاذ أن تونس دخلت عهد الجمهورية الثالثة من خلال الإعلان عن تأسيس هذا التحالف الحزبي، مثله مثل مرزوق الذي علق آمالاً عريضة على الجبهة قبل الانسحاب منها والتنكر لها ورفض الدخول في تحالف انتخابي مع بقية مكونات الجبهة، ودخل في صراع على الزعامة داخل الجبهة مع الرياحي، وكان قد وصف الجبهة قبل ذلك بأنها ستكون حصناً ضد الأطراف التي تريد أن تغير النموذج المجتمعي.
ونظراً للفترة القصيرة من عمر الجبهة، والتناقضات الحاصلة داخلها، وتضارب المصالح بين بعض أعمدتها، ولا سيما “حركة مشروع تونس”، و”الحزب الوطني الحر” يبدو مستقبل الجبهة غامضاً وضعيفاً لا سيما بعد تأكيد الأطراف الثلاثة وهي “حركة مشروع تونس”، و”حزب العمل الديمقراطي”، ومحمود البارودي، بأن انسحابهم من الجبهة لم يكن على خلفية تجميد أموال الرياحي، وإنما لعدم وضوح العديد من المسائل السياسية والتنظيمية وعدم التوافق والجمع بين وجهات النظر بخصوص التعاطي مع حكومة يوسف الشاهد في حربها ضد الفساد والخلاف حول خوض الانتخابات البلدية في قوائم موحدة.
نظراً لذلك، لم يبق عملياً في جبهة الإنقاذ سوى” الحزب الوطني الحر” بقيادة الرياحي، و”حزب تونس أولاً” ومنسقه رضا بلحاج، والحزب الاشتراكي برئاسة محمد الكيلاني؛ وهو ما يعني وفق مراقبين تحلل جبهة الإنقاذ وانقشاع أحلام اليقظة مما كشف، وفق البعض، بؤس التفكير بالتمني الذي طبع ذهنية القائمين عليها.