ـ كثير من المسلسلات حوت تجاوزات لفظية وشتائم صريحة في غياب تام للقيمة الروحية لرمضان
ـ الظاهرة الأكثر وضوحاً بدراما رمضان هذا العام هي زنا المحارم والخيانة الزوجية
ـ الدراما التركية حظيت بنسب مشاهدة قياسية باعتبارها أعمالاً هادفة تحوي قيماً يتعطش لها المجتمع المسلم
في تقريره عن المسلسلات والبرامج والإعلانات خلال الثلث الأول من شهر رمضان، قال «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في مصر: إن كثيراً من الأعمال الدرامية اعتمدت في الأساس على الابتذال اللفظي والمشاهد المثيرة للغرائز أو تلك التي تحمل إيحاءات جنسية، دون الاهتمام بالمضمون ولا بالرسالة الحقيقية التي يمكن تقديمها من خلال الدراما.
حوت كثير من المسلسلات على تجاوزات لفظية وشتائم صريحة (منها على سبيل المثال مسلسلات: «خلصانة بشياكة»، «ريّح المدام»، «الحرباية»، «أرض جو»، «عفاريت عدلي علام»)، في غياب تام للقيمة الروحية لشهر رمضان.
فضلاً عن مشاهد فراش النوم والملابس المكشوفة كما في مسلسل «الحرباية»، ومشاهد الخيانات الزوجية كما في مسلسل «لأعلى سعر»، أو مشاهد الاغتصاب كما في مسلسل «وضع أمني»، بالإضافة إلى مشاهد تحوي دروساً مجانية في كيفية تعاطي المخدرات كما في مسلسل «خلصانة بشياكة»، أو أعمال الخطف كما في مسلسل «لمعي القط» مع ارتباط ذلك بإشارة «+18».
هذا إلى جانب مسلسلات اعتمدت على تشويه القيم الإسلامية وتصدير صورة المرأة المسلمة السُّنية على أنها تلهث وراء الجنس اعتماداً في الأساس على كذبة أطلقتها وسائل إعلام تابعة لنظام «بشار الأسد» على السوريات في بدايات الثورة السورية وهي ما عرفت بكذبة «جهاد النكاح» كما في مسلسل «غرابيب سود».
العفاريت تعرف أكثر!
في مسلسل «عفاريت عدلي علام» بطولة عادل إمام، يظهر عدلي علام في مشهد بصحبة أمير العفاريت، يتحدثان مع وزير تخطيط مملكة العفاريت، للخروج بحلول لمشكلات مصر التي يركز المشهد على أن أهم تلك المشكلات هي الزيادة السكانية، فكانت الحلول التي قدمها العفريت أن يقوم نصف عدد المصريين بقتل النصف الآخر مرة واحدة؛ وبالتالي ينخفض عدد المصريين إلى النصف.
في هذا المشهد السابق تجاهل القائمون على المسلسل مشكلات أخرى أكثر ضرراً وتأثيراً مثل الفساد والغش والسلطوية والاستبداد والعيش على مساحة صغيرة جداً من أرض مصر وعدم تعمير الصحراء، كما أن اللجوء إلى العفاريت هو تجاهل تام لدور العلم والعلماء في حل مشكلات الدول وبناء نهضتها، وتجاهل أن الثروة البشرية من أهم ما تملك الدول والمجتمعات.
الخيانة جماعية
في مسلسل «لأعلى سعر» كانت الخيانات الزوجية سيدة الموقف، والإيحاءات الجنسية أيضاً، ففي المسلسل تدخل الزوجة في علاقة محرمة مع زميلها، وكذلك مع شقيق زوجها؛ انتقاماً من زوجها الذي قام بخيانتها، وفي مشهد آخر بالمسلسل تظهر بطلة العمل بصحبة صديقتها في أحد النوادي الصحية «الجيم» في الوقت المخصص للفتيات، وتقترح عليها صديقتها – المحجبة – الخروج من الجيم والعودة في الوقت المختلط مع الرجال قائلة لها: «عشان نطري الجو».
«+18».. للترويج أم الحماية المجتمعية؟
في مسلسل «ريّح المدام» وضعت إشارة «+18»، وهي لافتة تنبيهية أن هذه المشاهد لا تناسب الأطفال والمشاهدة العائلية، وهو أمر جيد للحماية المجتمعية، لكن في كثير من الأحيان يتم استخدام هذه الإشارات للترويج وجذب المشاهدين، فضلاً أن دراما رمضان معروف أنه كثيراً ما تكون الأسر مجتمعة للتسامر أو مشاهدة مسلسل، ومن غير المعقول أن يُطلب من الأطفال ومن هم دون سن الـ16 أو الـ18، مغادرة الجلسات العائلية بحجة أن المسلسل غير مناسب.
كما احتوى المسلسل على ألفاظ وإيحاءات لا تناسب مجتمعاتنا العربية، فضلاً عن استخدام الأطفال في مشاهد تجسد أعمال البلطجة ومشاهد الخمور.
مسلسلات أخرى اعتمدت على تشويه مهن بعينها مثل المحاماة ومضيفات الطيران، وصورت للمشاهد أن المحامي يمكن شراؤه بأي ثمن، أو أن مضيفة الطيران ما هي إلا فتاة تلهث وراء الرجال.
«غرابيب سود».. دعاية مجانية للتنظيمات المتطرفة:
اعتمد مسلسل «غرابيب سود» على تشويه رموز ومفاهيم الإسلام بحجة مكافحة الإرهاب، بينما غاب أو بالأحرى تم عمداً تغييب الإرهاب الطائفي والصهيوني بحق المسلمين السُّنة، حيث صوّر هذا العمل الدرامي نساءهم على أنهم مجرد لاهثات وراء الجنس اعتماداً على كذبة «جهاد النكاح».
خيال فقير
وحول هذه الإشكالية، يقول المنتج الفني والسيناريست إمام الليثي: إن الأعمال الدرامية في موسم رمضان للعام 2017م، اتسمت بفقر الخيال، وكلها تدور في فلك حبكات متشابهة ومتقاربة للدرجة التي تجعل المسلسلات الرمضانية مع كثرتها تتشابه في النهاية حَد اتهامها بالتنميط!
ويضيف الليثي أن المتابع للمسلسلات الدرامية التي عرضت في رمضان، مع بعض الدقة يمكنه وبمنتهى البساطة استخراج العديد من نقاط التشابه بين الأعمال، في ظل جزء ليس بهَيّن من الكليشيهات المرعبة والمحزنة في الوقت نفسه، التي وإن دلّت على شيء تدل على أن معظم صُنّاع الدراما إما أن أدمغتهم محدودة ويقتبسون أفكارهم من نفس البوتقة، وإما أن مجتمعاتنا العربية غير ثرية بمواد صالحة لتقديم أفكار جديدة.
واعتبر الليثي أنه سواء هذا أو ذاك ففي الحالتين الموضوع مُقلق، ويتطلب من أصحاب الأفكار بذل الجهد لتقديم أعمال تستحق أن تعيش.
تكرار دون معالجة
ويتفق مع هذا الطرح محمود عبدالكافي، مخرج ومؤلف، فيقول: النصوص الدرامية العربية تتشابه في مناقشة نفس القضايا، وضرب مثالاً بأنه إذا نجح عمل درامي يتحدث عن البلطجة، فتجد أنه يظهر بعده عدة أعمال تناقش نفس القضية بنفس الأسلوب دون معالجات مختلفة.
وعن الرسائل التي حملتها دراما رمضان هذا الموسم، يقول أيمن عبدالرازق، منتج فني: إن الأعمال الدرامية لموسم رمضان للعام 2017م، قدمت المجتمع العربي على أنه مجموعة من المرضى النفسيين والمدمنين تنتشر الخيانات الزوجية بين الأزواج والزوجات، مضيفاً أنه ليس من المعقول أن تكون كل فئات المجتمع فاسدة على هذا النحو الذي قدمته الدراما، متسائلاً: أليس في هذا المجتمع العربي ما يستحق الحياة أو يدعو للتفاؤل أو يزرع قيمة إيجابية؟
وأضاف أن الأعمال الدرامية لعبت على ثوابت الوعي الوطني والمجتمعي إذ إنها تروج لتحويل العدو إلى صديق والصديق إلى عدو، كما أنها تضمنت ترويجاً ملحوظاً للتدخين وإدمان المخدرات على اعتبار أنها طريق سهل للهروب من المشكلات؛ وهو ما يصنع مجتمعاً جباناً غير قادر على مواجهة مشكلاته، وأوضح أنه تم رصد نحو 1300 مشهد بإجمالي 30 ساعة تحتوي على تدخين وإدمان، بالإضافة إلى تقديم الخمور باعتبارها روتيناً يومياً طبيعياً.
وفي هذه الجزئية المتعلقة بالخمور، يقول عبدالكافي: إن الدراما تقدم للمشاهد العربي الخمور كعادة طبيعية ومقبولة اجتماعياً، بل إنها تحمل قيماً متناقضة جداً وصادمة للمجتمع، فمثلاً تقدم أستاذ الجامعة كشخصية لديها قيم ومبادئ ولا يتعارض ذلك في كونه يعتاد شرب الخمور.
ويذكر أنه في أحد مسلسلات رمضان هذا العام يظهر أحد أبطال العمل في مشهد ويسأل إحدى الممثلات إذا كانت ستتناول مشروباً كحولياً؟ فردت بكل تلقائية: إنها لم تؤد صلاة العشاء بعد.
المجتمع والدراما.. أيهما مرآة الآخر؟
ومع هذا الكم من القيم الدخيلة على مجتمعاتنا العربية أو أريد لها أن تُروج كتعبير عن المجتمع، لاسيما أن كثيرين من القائمين على الدراما في مجتمعاتنا يسوقون حججاً تقول: إن هذه الأعمال الدرامية ورغم ما فيها من قسوة في الطرح سواء كانت قسوة أخلاقية أو لفظية إنما هي تعبير عن المجتمع، في حين أننا نجد بعد كل عمل درامي أو سينمائي تتردد مصطلحاته وقصات شعر أبطاله بين فئات المجتمع؛ الأمر الذي يؤكد أن المجتمعات هي التي أصبحت تعكس واقع الدراما وليس العكس كما يدعي كثير من المنتجين والقائمين على هذه الأعمال.
وهنا يقول عبدالكافي: إن أغلب القصص الدرامية أصبحت مستوحاة من حالات نادرة الحدوث أو قليلة الحدوث في المجتمع العربي، مثل زنا المحارم أو البلطجة، فيتم عمل قصة درامية أو سينمائية عنها وطرحها كقضية متفشية ومنتشرة في المجتمع؛ فتساهم في نشر الظاهرة أكثر وزيادة مساحتها بدلاً من القضاء عليها.
وأضاف: كانت ظاهرة «البلطجة» قليلة جداً في المجتمع المصري على سبيل المثال، لكن بعد عدة أعمال درامية وسينمائية حول هذه الظاهرة، أصبحت منتشرة بشكل مبالغ فيه في أوساط المجتمع، إذ إنه يتم تقديم البلطجي على أنه جدع وشهم، لكنه اضطر لمثل هذه السلوكيات لمواجهة المجتمع الظالم، فيجعل المشاهد يتعاطف معه رغم أنه من المفترض أن يكون محل رفض مجتمعي، وتكفي هنا الإشارة – على حد قول إمام الليثي – إلى موجات العنف التي اجتاحت مصر بعد أفلام مثل «إبراهيم الأبيض»، و«الألماني» و«حين ميسرة».
من جانبه، يقول أيمن عبدالرازق: إن الدراما أصبحت هي المحرك الرئيس للسلوك المجتمعي، فما تقدمه الدراما يتحول مباشرة إلى تصرفات وسلوكيات ومفردات لغوية وقيم أخلاقية في المجتمع، وأصبح نجوم هذه الأعمال هم نخبة المجتمع والقدوة، وهو الأمر الذي تسبب في ظهور جيل فاقد الهوية ومشتت الفكر، فالدراما أكثر تأثيراً من الكتب؛ إذ تجعل المشاهد شريكاً في العمل، وتجعله يبكي ويضحك في الوقت نفسه، ويمكنها كسب تعاطف المشاهد مع البطل حتى ولو كان مجرماً.
ظاهرة مجتمعية أم نمط حياة يراد إنتاجه؟
بينما يقول إمام الليثي: إن الظاهرة الأكثر وضوحاً وانتشاراً بدراما رمضان هذا العام هي زنا المحارم والخيانة الزوجية، سواء من قبل الزوج أو الزوجة بنفس المستوى، ويتساءل: هل هي ظاهرة تعرض لمعالجتها أم نمط حياة يراد إنتاجه للمجتمع؟ أم أنها مجرد خيال مريض وضعيف نتيجة صناع دراما يستسهلون القصة بدلاً من إعمال الفكر والإبداع؟!
وحول الإبداع، يرى عبدالكافي أن للأسف معظم القصص في الأعمال الدرامية هذا الموسم دون المستوى، فالمشكلة من البداية في اختيار القصة، حيث أصبح كل مخرج أو منتج يبحث عن القصة التي يظن بها إثارة حتى لو لم تقدم مضموناً هادفاً أو قيماً وحلاً حقيقياً للمجتمع.
وحول الأعمال الكوميدية يقول إمام الليثي: إن «الإفيه» المبتذل كان عنوان الأعمال الكوميدية هذا الموسم، والبعض يعلل ذلك بحجة أن هذا هو الواقع، وبالتالي علينا الاعتراف بها بدلاً من تجاهلها مهما كانت فَجَّة.
ويضيف الليثي أن هذه النوعية من «الإفيهات» ظهرت بوضوح ووفرة في بعض الأعمال الكوميدية برمضان مثل «خلصانة بشياكة» و«ريّح المدام»؛ حيث قام صُنّاع تلك المسلسلات بالانتصار لكوميديا «الإفيه» عوضاً عن كوميديا الموقف، في الوقت نفسه لجؤوا لاستخدام الكثير من «الإفيهات» والجمل الإباحية سواءً الجديدة أو التي يتم تداولها على مواقع «السوشيال ميديا»، ومن ثم تضفيرها داخل العمل، جاء تعشيق تلك «الإفيهات» بين روح النص بشكل ذكي لكن فَج؛ ما جعل العملين غير مناسبين للمشاهدة العائلية.
واعتبر المخرج والمؤلف محمود عبدالكافي أن من مشكلات الدراما العربية التقليد الأعمى – وليس الاقتباس – للنصوص الدرامية الغربية كما هي دون تطويعها بما يتناسب مع قيمنا كمجتمع مسلم، بالإضافة إلى غياب الحلول في الطرح الدرامي؛ فالعمل يطرح القضية بأكثر من 90% من وقت العمل ولا يشير لحلول، وإن حدث فإنها تكون حلولاً غير منطقية.
كما أشار عبدالكافي إلى ضعف الجهاز الرقابي في بلادنا العربية إما بسبب الرشوة أو الأفكار المتعفنة لدى القائمين عليها – حسب تعبيره – وهو ما جعل دورها يقتصر على حذف بعض المشاهد الساخنة الصريحة فقط، أما ما هو خارج عن الذوق العام أو العقيدة فلا.
الدراما التركية
وعلى العكس من الدراما العربية، لاقت المسلسلات التركية انتشاراً واسعاً حول العالم، لاسيما المسلسلات التاريخية مثل «قيامة أرطغرل»، و«السلطان عبدالحميد»، وهو ما يفسره أيمن عبدالرازق أنه قد يكون ذلك لأسباب تتعلق بالتشابه الثقافي ما بين المجتمعات العربية والمجتمع التركي لاسيما تاريخياً، خاصة أن الدول العربية كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وهنا يشعر المشاهد بالحنين للتاريخ، وأن صفحات المجد التي تبرزها المسلسلات التركية التاريخية مؤخراً هي مدعاة للفخر لكل مسلم والاعتزاز بهذا التاريخ المضيء.
ومن جانبه، يقول مصطفى أبلاق، منتج فني تركي: إن الأعمال الدرامية التركية التي ظهرت في المواسم الأخيرة ويعاد عرضها على الشاشات العربية مثل «قيامة أرطغرل» و«السلطان عبدالحميد» إنما هي سلسلة تصحيح للتاريخ الإسلامي، لا سيما العثماني، الذي تعرض لكثير من الظلم، وأن هذه الأعمال حظيت بنسب مشاهدة قياسية باعتبارها أعمالاً درامية هادفة تحوي قيماً يتعطش لها المجتمع المسلم في هذه الآونة، وتبرز صفحات مضيئة من التاريخ الإسلامي الذي يتعرض لتشويه متعمد، فضلاً عن أن هذه الأعمال لا تحتوي أي مشاهد خارجة، وإنما مناسبة جداً للمشاهدة العائلية.
ويرى محمود عبدالكافي أن القصة الدرامية الناجحة هي التي تتناول قيمة وتبرزها، لا تلك التي تركز على المشكلة، فعند تناول المؤلف لقيمة ما بحبكة فنية مناسبة فإنه يضع بداخل هذه الحبكة المشكلة ويطرح حلولاً منطقية لها من خلال حلقات العمل أو في نهايته، بينما تناول المشكلة والتركيز عليها يجعل المؤلف يدور في فلك هذه المشكلة فقط دون الإشارة إلى حلول منطقية تناسب المجتمع الذي تلمسه هذه القصة.