ـ الهند ليست مستعدة لمناقشة عرض الأمم المتحدة ولا أي وساطة دولية
ـ ما يحدث إبادة كاملة لشعب اختار الحرية والاستقلال
ـ خلال عام من الانتفاضة قُتل 200 كشميري وأصيب 13 ألفاً
ـ لدى الدول العربية والإسلامية من المشكلات ما يجعلها غير مستعدة لفتح ملفات جديدة
في تصعيد هو الأخطر من نوعه، قتلت قوات الجيش الهندية مؤخراً وفي يوم واحد ما لا يقل عن 13 كشميرياً، وأصابت 100 آخرين، بعد أن فتحت النار على المحتجين الكشميريين واستهدفت زعيماً لجماعة محلية يناهض الاحتلال الهندي لإقليم كشمير.
قامت القوات الأمنية والعسكرية في إقليم كشمير – الذي يشهد انتفاضة واسعة منذ يوليو 2016م ولم تتوقف في المطالبة بالاستقلال عن الهند ونيل الحرية – باستخدام أبشع أنواع القمع والاضطهاد ضد المدنيين الكشميريين؛ بسبب تأييدهم الاستقلال عن الهند، وذلك عبر السماح لهم بتنظيم استفتاء عام في منطقة كشمير ليقرر السكان مصيرهم، ويختاروا بين البقاء تحت الهيمنة الهندية أو الانضمام إلى باكستان كما نصت بذلك قرارات الأمم المتحدة الصادرة قبل حوالي 70 عاماً، حيث أعلنت عن ضرورة إجراء استفتاء عام في الإقليم المتنازع عليه والعمل على حل الأزمة وإنهاء معاناة السكان.
ويبدو أن الهند ليست مستعدة إلى اليوم لمناقشة العرض الذي قدمته الأمم المتحدة، ولا مناقشة أي وساطة دولية مهما كانت قوتها وأهميتها، ولن تبحث في النزاع لأنه – في رأي الهند – شأن داخلي، ولا تسمح لأحد بالبحث فيه ومناقشته معها أو البحث عن مخرج لما يشهده الإقليم من مواجهات واضطرابات.
وكانت الأسابيع الماضية قد شهدت تصعيداً هو الأخطر من نوعه؛ حيث صدرت – فيما يبدو – التوجيهات إلى جنود الجيش والأمن بإطلاق نيران أسلحتهم على المحتجين والمنددين بالاحتلال الهندي، وقد سقط السكان العزل برصاص الاحتلال الكشميري بشكل يومي دون أي إدانة دولية أو إسلامية.
إبادة كاملة
ويمكن القول: إن ما يحدث اليوم هو إبادة كاملة لشعب اختار الحرية والاستقلال عن الاحتلال الذي يسيطر على ثرواته منذ 70 عاماً.
والذي يحدث في كشمير ليس بالأمر الغائب عن أحد، أو أن ما يجري هو في كوكب غير كوكبنا الأرض، بل يقع أمام أعين الجميع؛ حيث تتناقل وسائل الإعلام العالمية يومياً عدد القتلى والجرحى والمغتصبات والمختفين، ويعلن الجيش الهندي دون أي حياء أو حرج عن مسؤوليته في التصدي للكشميريين المناهضين له بدعوى أنهم يحاربون بالوكالة عن غيرهم، ويريدون تفكيك الأراضي الهندية لا غير، ومن ثم فإنهم يستحقون ما يقع عليهم ويتعرضون له من قتل واضطهاد وتدمير لحياتهم بالكامل.
ويعود التصعيد الأخير إلى شهر يوليو من العام الماضي (2016م) الذي شهد أحدث انتفاضة في الإقليم المسلم؛ حيث قرر السكان العودة إلى ثورتهم السلمية ورفع مطالبهم بالاستقلال عن الهند وحقهم في الحرية، عقب مقتل «واني»، وهو زعيم للاستقلاليين في كشمير، وفجرت هذه العملية السكان ليقرروا رفع أعلام باكستان وصور مؤسسها، والمطالبة بضمهم إلى باكستان للعيش في كنفها، واستفزت هذه الشعارات الهند التي قررت إخماد الثورة وقمعها بالحديد والنار.
وحتى تصرف الأنظار عن جرائمها، اتهمت الهند في وسائل إعلامها باكستان بالضلوع في الانتفاضة، وقيادة حرب بالوكالة عبر الكشميريين، وقامت بإضعاف تأييد المجتمع الدولي للمحتجين والوقوف بجانبهم.
وبدلاً من أن تلبي الهند مطالب الكشميريين وتبحث معهم عن مخرج لأزمتهم قامت بالتصعيد معهم منذ تفجر الانتفاضة الأخيرة؛ حيث حولت إقليمهم إلى سجن كبير، وأغلقت في وجههم وسائل التواصل الاجتماعي، وأي منفذ ليعبروا عن آرائهم وحريتهم، وزج بأغلب قادتهم إلى السجون، والإقامة الجبرية، وأغلقت الصحف الموالية للاستقلاليين، وطردت القنوات الأجنبية، وأغلقت مكاتب الصحف الأجنبية في الإقليم، والهدف بطبيعة الحال منع المجتمع الدولي من معرفة حقيقة ما يجري في الإقليم المسلم.
وقتل خلال هذه الانتفاضة المستمرة لعام كامل نحو 200 كشميري، وأصيب 13 ألفاً؛ حيث إن الكثير منهم استهدف عمداً في أعينهم لمنعهم من المشاركة في الاحتجاجات، واعتقل 14 ألف شخص، بينهم عدد كبير من طلاب المدارس والجامعات بعد أن اتهموا برفع أعلام باكستان وترديد النشيد الباكستاني.
وبسبب القمع والتنكيل أُغلقت عشرات المؤسسات التجارية والمصانع، وتعطلت التجارة والأنشطة الاقتصادية وغيرها، وبات الإقليم شبه مشلول ومنقطعاً عن العالم الخارجي، ولم يبقَ له متنفس سوى باكستان؛ حيث تنقل أخباره للعالم الخارجي، وتُطلع المؤسسات الدولية على ما يجري في الإقليم من قتل وبطش وحرمان للحريات.
العامل الاقتصادي
ويبقى السؤال مطروحاً اليوم: لماذا هذا الإهمال الدولي لهذا النزاع؟ ولماذا صمت المسلمون في العالم ولم يحاولوا دعم باكستان في استرجاع كشمير من الاحتلال الهندي؟
يقول طاهر أمين، الخبير في قضية كشمير: إن العامل الاقتصادي أدى دوره في عدم تحمس الدول المسلمة للتدخل في هذا الصراع؛ إذ إن الهند ترتبط بمنطقة الخليج بمصالح اقتصادية ضخمة، وترتبط مع الدول العربية عبر منظمة دول عدم الانحياز ومنظمات أخرى، وتجد أغلب الدول العربية قوة في تقربها من الهند في وجه المطامع الأمريكية، ثم إن كشمير تبقى مهمة فقط للهند وباكستان ولمصالحهما، بينما لا تحتل تلك الأهمية بالنسبة إلى مصالح العالم العربي والإسلامي؛ وبالتالي فإنها لا تحتل الأولوية في تحركاتهم الدولية ومواقفهم من الأزمات.
والأمر الآخر أن لدى الدول العربية والمسلمة من المشكلات ما يجعلها غير مستعدة لفتح ملفات جديدة على نفسها، وأزمات أخرى، حيث يكفيها أنها تواجه الأزمات بسبب الوضع في سورية واليمن وليبيا والعراق وغيرها.
رسائل إلى باكستان
ويقول الخبراء بالنزاع في كشمير وعلى رأسهم أكرم زكي، عميد الدبلوماسيين الباكستانيين: إن الهند بعد أن فشلت في وقف الانتفاضة الحالية وقمع السكان المحليين؛ قامت بالضغط على باكستان وعلى المجتمع الدولي بالتحذير من حرب وشيكة بين البلدين في حالة لم يعمل المجتمع الدولي على إسكات صوت الكشميريين ووقف دعم باكستان لهم.
ويشير إلى أن تهديدات كل من وزير الداخلية ورئيس أركان الجيش الهنديين بقمع المحتجين بقوة السلاح وإبادتهم هي محاولة من الهند لتخويف السكان، وبعث رسائل إلى باكستان من أن حربها بالوكالة في الإقليم ضد الهند قد تسفر عن حرب رابعة بينهما وقد تدخل المنطقة إلى المجهول.
وتقول باكستان: إنها تؤيد مطالب المسلمين في حقهم في تقرير مصيرهم؛ لأنه حق منحهم إياه المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة، ومن حقهم أن يطالبوا العالم باحترام قراراته وتنظيم الاستفتاء في الإقليم.
ويرجح زكي أن الهند قد تلجأ إلى توسيع رقعة المواجهة مع باكستان من مجرد قصف مدفعي حدودي إلى إلغاء عملية وقف إطلاق النار المعمول بها في المنطقة منذ حرب عام 1971م، وفي حال أُلغيت الهدنة ووقف إطلاق النار فسيعني هذا إدخال البلدين في مواجهة جديدة، يعرف الهنود عواقبها قبل الباكستانيين، بعد أن هددت باكستان باستخدام سلاحها النووي بهدف الدفاع عن النفس.