عاد الجدل للساحة السياسية والثقافية في تونس حول مدى الاختراق الصهيوني للنخبة الثقافية والسياسية والأكاديمية في تونس، بعد توجيه الدعوة للفنان الكوميدي الفرنسي (من أصول تونسية يهودية) ميشال بوجناح المعروف بميوله الصهيونية لتقديم عرض يوم 19 يوليو الجاري، وقد تجاوز الجدل فضاء مواقع التواصل الاجتماعي ليمتد إلى وزارة الثقافة، والاتحاد العام التونسي للشغل، والمجتمع المدني.
صهيونية بوجناح
يتهم ناشطون في المجتمع المدني ميشال بوجناح بأنه صهيوني يدافع عن مصالح الكيان الصهيوني، ويقدم نفسه على ذلك الأساس؛ مما دفع الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة الصهيونية إلى المطالبة بإلغاء عرضه تحت شعار “لا مكان للصهاينة في تونس مهما كانت جنسياتهم”، في حين تشبث مدير المهرجان مختار الرصاع ببرمجة بوجناح، مدافعاً عن بوجناح، لم يظهر لنا أن بوجناح صهيوني كبير، أو زعيم كبير في الصهيونية، وقد عرض ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات لبوجناح يؤكد فيها صهيونيته ودفاعه عن الكيان الصهيوني.
غضب في منظمة حشاد
الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة عمالية في تونس، التي أسسها المناضل الكبير فرحات حشاد، الذي تم اغتياله على يد الاحتلال الفرنسي لتونس سنة 1952م أصدر بياناً ندد فيه بدعوة ميشال بوجناح لمهرجان قرطاج الدولي، مذكراً بأن الاتحاد كان دوماً ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني بكل أشكاله، وأكد أنه تشكلت في تونس وعبر عقود لجان وهيئات وجمعيات تناضل ضد التطبيع وتدعم شعبنا في فلسطين في مقاومته للاحتلال الصهيوني البغيض، ومازالت عناوين هذا النضال قائمة في كل المحطات تؤكد مكانة القضية الفلسطينية لدى عموم الشعب وأغلبية الطيف السياسي والمدني في تونس.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل من ضمن المتصدرين لهذا النضال فاعلاً فيه عاملاً على تحويله إلى نضال يومي دائم ضمن أولويات النضال الوطني الذي يخوضه قُطرياً وإقليمياً ودولياً، وأن أغلب التوجهات في تونس بما فيها الرسمية قد أجمعت على أن أخطر سبل التطبيع وأشدها فتكاً هي سبل التطبيع الثقافي الذي يزعزع القيم ويربك القناعات ويميع المبادئ.
وقد جدد الاتحاد بدوره رفضه لمشاركة الفنان الصهيوني ميشال بوجناح، في مهرجان قرطاج الدولي كموقف مبدئي للاتحاد الذي سبق ورفض زيارة المجرم الإرهابي شارون إلى تونس سنة 2005م وندد بالمجازر التي يرتكبها الصهاينة في كل يوم ضد الفلسطينيين وعلى كل شبر من الأراضي العربية، وناصر الأسرى في السجون الصهيونية في إضراب الكرامة.
ضد الصهيونية
الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني ومنها الاتحاد العام التونسي للشغل، أكدت في تصريحاتها وبياناتها أنها ليست ضد اليهودية كدين، وإنما ضد الصهيونية، وبسبب مناصرة ميشال بوجناح للصهيونية، إذ إن هناك يهوداً ضد الكيان الصهيوني وضد احتلال فلسطين منهم اليهودي التونسي جورج عدة، وبالتالي فإن رفض مشاركة ميشال بوجناح في جميع التظاهرات الثقافية التونسية وفي كل المسارح بتونس بسبب مناصرته لكيان عنصري فاشي ووقوفه إلى جانب السفاح الهالك شارون وقيادته مظاهرات داعمة له، فضلاً عن تهافته فنياً وخواء المضامين التي يقدمها، وقد دعت الأحزاب والمنظمات وزارة الثقافة إلى تحمل مسؤولياتها والتحري في كل العروض التي تبرمج، وتغليب العروض التونسية والعربية منددة بموقف مدير المهرجان المتهم بالتطبيع وتحدي مشاعر التونسيين المعادية للتطبيع بعد أن وصف الرفض الجمعياتي والشعبي عبر البيانات ومواقع التواصل الاجتماعي بأنها “شعارات”.
تنصل وزارة الثقافة
وزارة الثقافة التونسية تنصلت من مسؤولية دعوة بوجناح، واعتبرت إدارة المهرجان هي المسؤولة، وأن الوزارة لا تتدخل في عمل إدارات المهرجانات، وأنها تناصر القضية الفلسطينية، وذكرت في بلاغها أنه اعتباراً لحساسية الموضوع واتخاذه منحى سياسياً خرج عن سياقه الثقافي ستقوم الوزارة بالمشاورات المتصلة بالأطراف ذات العلاقة، وذلك في نطاق مبدأ التشاور والتشاركية في أخذ القرار انسجاماً مع المصلحة العليا الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار، حسب ما جاء في البلاغ.
ضد التطبيع
ليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها ضجة ضد التطبيع في تونس، فقد سبق وأن احتج مناضلون في مجال حقوق الإنسان ومناهضون للتطبيع ضد زيارات قام بها فنانون وأكاديميون وصحفيون وسياسيون تونسيون للكيان الصهيوني خوفاً وطمعاً سواء في عهد الدكتاتور بن علي، أو بعده، وإن كانت تلك الزيارات نخبوية وعلى مستوى لا يكاد يذكر من النسيج العام في تونس، إلا أنه يمثل اختراقاً خطيراً في أجواء من التطبيع الإقليمي مع الكيان الغاصب، وفي ظل سياسات التهويد في القدس والأراضي المحتلة، وما يعرف بمشروع ربط الضفة بالأردن وغزة بمصر وإنهاء القضية الفلسطينية بمباركة من بعض الأنظمة الإقليمية التي أبدت انحيازاً للمشروع الصهيوني على حساب ماضي وحاضر ومستقبل المنطقة بما يهدد الوجود العربي برمته في قراءات استغاثية جيوبوليتيكية، ولغوديمغرافية، لمفكرين وعلماء اجتماع عرب.