أعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا فائز السراج مقترحاً لخريطة طريق للخروج من الأزمة بالبلاد، تضمنت إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في مارس المقبل، في حين أعيد رسمياً السبت فتح مطار بنغازي الدولي أمام الرحلات التجارية.
وطرح السراج خريطة طريق تضمنت 9 نقاط في مقدمتها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في مارس المقبل، كما تتضمن مواصلة العمل بالاتفاق السياسي وحكومة الوفاق الوطني لحين تسمية رئيس وزراء جديد واعتماد حكومته من قبل البرلمان.
وقال السراج في كلمة متلفزة نقلتها قناة “ليبيا” الرسمية، بحسب “الجزيرة”: إن الانتخابات ستفرز رئيساً للدولة وبرلماناً جديداً تستمر ولايتهما ثلاث سنوات كحد أقصى، أو حتى الانتهاء من إعداد الدستور والاستفتاء عليه، ويكون انتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر من الشعب.
واشتملت الخريطة أيضاً إعلان وقف جميع أعمال القتال، إلا ما يخص مكافحة الإرهاب، وتشكيل لجان مشتركة من مجلس النواب ومجلس الدولة للبدء في دمج مؤسسات الدولة المنقسمة وفصل الصراع السياسي عن توفير الخدمات للمواطنين.
وأضاف السراج إلى خريطة الطريق إنشاء المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، ودراسة آليات تطبيق العدالة الانتقالية، وجبر الضرر والعفو العام، وإنشاء لجان للمصالحة بين المدن.
وتالياً نص كلمة السراج:
أيها الشعب الليبي العظيم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أحدثكم اليوم في هذه المرحلة الحرجة والمفصلية من تاريخ بلادنا، ومن واقع إدراكي الكامل لما يواجهه المواطن من معاناة.. ليس الآن فقط.. بل منذ عقود مضت، وفي وقت تمنى فيه الجميع أن تصعد بلادنا لمصاف دول العالم المتقدم، وتنعم بديمقراطية وحرية حقيقية، إلا أننا انتهينا بمآسٍ جديدة خلال السنوات الست الماضية، خلصنا فيها أننا جميعاً نتحمل مسؤولية ما كنا فيه من قبل.. وما وصلنا إليه الآن، فلا مزايدة من أحد.. قد استوى الجميع.. أخطأنا وأصبنا.. وحان الوقت لوحدتنا وإنقاذ وطننا.
أتحدث إليكم أبناء وطني بكل صدق وشفافية.. لكي أضعكم أمام حقائق الأمور.
فبعد مرور أكثر من عام من بدء المجلس الرئاسي لعمله في العاصمة طرابلس، وما صاحب ذلك من مختنقات وتحديات سياسية واقتصادية ومالية وأمنية، كان أكثرها وضوحاً عدم التزام الأجسام المنبثقة عن الاتفاق السياسي بكل الاستحقاقات الواردة في هذا الاتفاق، والانقسام الحاد في مؤسسات الدولة، ورغم ذلك عملنا قدر المستطاع لرأب الصدع ولم الشمل ومددنا يد المصالحة للجميع.
لقد كان الاتفاق السياسي صيغة مؤقتة للتعايش وتهيئة الظروف لإنهاء الصراع والاقتتال، والانتقال السلمي إلى مرحلة من الاستقرار، وطي صفحة الماضي، وجاء المجلس الرئاسي في محاولة لقيادة هذه المرحلة، ليضع خلالها أسس الدولة الديمقراطية المدنية المنشودة، دولة القانون والمؤسسات، التي توفر الأمن والحياة الكريمة لمواطنيها؛ لذا أكدنا للجميع في أكثر من مناسبة، أننا لسنا طرفاً في الصراع، بل نريد أن نساهم في الحل، فالوطن يبنى بسواعد وعقول جميع أبنائه دون استثناء أو إقصاء أو تهميش.
أيها المواطنون أيتها المواطنات..
لقد عقدنا العزم منذ البداية أن نتغلب على الصعاب، ومواجهة الأزمات التي تعصف بالبلاد، والتي تراكمت منذ سنوات مضت، فمن منكم لا يعلم التحديات الاقتصادية والمالية التي واجهتنا منذ البداية، من عجز للميزانية، وهبوط حاد في إنتاج النفط، وعدم اتخاذ مصرف ليبيا المركزي سياسات نقدية فاعلة وفورية، لحل مشكلة السيولة أو إنقاذ سعر صرف الدينار من الانهيار، ولقد قدمنا كل ما بوسعنا محلياً ودولياً حتى نبدأ في تحريك عجلة الاقتصاد والإنفاق على الأمن والصحة والتعليم وغيرها من الخدمات.
لقد حرص المجلس الرئاسي منذ البداية على رفع إنتاج النفط وتحلينا بأقصى درجات التعقل وسعة الصدر وبعد النظر، لم ننجر للتصعيد المسلح المتكرر حول الموانئ.. وإدراكاً منا لحجم المسؤولية عملنا على تجنب التصادم وتطويق العنف، فالنفط هو ثروة الليبيين جميعاً، وهو مصدر رزقهم الوحيد، وكان لا بد أن يخرج من دائرة الصراع السياسي، لقد قفز إنتاج النفط خلال عام من 150 ألف برميل في اليوم منذ بدء عملنا في طرابلس، إلى قرابة المليون برميل في الوقت الحالي، ورغم ذلك وصلنا إلى مرحلة استفحل فيها الفساد وسارقو المال العام! مع عجز تام لأعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة في الوفاء باستحقاقهما بخصوص المناصب السيادية لتصحيح هذا الأمر ومحاسبة المسؤولين.
نفذ صبر الليبيين وجاء الوقت لنعمل معاً لذا قد نضطر لاتخاذ إجراءات استثنائية لعلاج هذا الأمر.
إخوتي وأخواتي..
أما بخصوص الملف الأمني، فهو من أكثر الملفات الشائكة، إن تواجد المجموعات المسلحة بصور ومسميات متعددة كان واضحاً وجلياً في معظم المدن، ولم يرَ من سبقونا خطورة انتشار السلاح، ولم يعملوا على جمعه منذ الأيام الأولى، وها نحن نجني ثمار ذلك، ولكن تعاملنا مع هذه الظاهرة كان باتزان وواقعية، وبدأت تظهر أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية رغم كل التحديات، فهذا عمل يحتاج إلى صبر وبرنامج شامل، حيث كان همنا ولا يزال ألا يراق دم ليبي في مقدورنا حقنه، والعمل على إخراج البلد من هذه المعضلة دون خسائر في الأرواح بقدر الإمكان، وتجنب تدمير منشآت الشعب وممتلكات المواطنين.
لقد احتوينا واستوعبنا الشباب في المؤسسة العسكرية والشرطية والأجهزة الأمنية التابعة لهما، وكنا حازمين وحاسمين في مواجهة من انتهج الفوضى، مثال ذلك ما حدث لمن حاول التفكير في زعزعة أمن طرابلس مؤخراً، فلقد أثبتت الأجهزة الأمنية والشرطية القدرة على تأمين العاصمة بالكامل، ذلك بفضل شجاعة شبابنا وشهداء الواجب، الذين أثبتوا جميعاً حرصهم على أمن وأمان المواطن مهما كانت التضحيات، وها هي سياساتنا تمضي بعون الله على طريق النجاح.
وعندما نتحدث عن التضحية والفداء، لا يفوتنا أبداً أن نتذكر أبطالنا الذين ضحوا بحياتهم من أجل القضاء على الإرهاب في سرت، ورغم الحظر المفروض وقلة الإمكانات فإن أبطالنا في عملية “البنيان المرصوص” قدموا الغالي والنفيس، لتهنأ البلاد ويتم القضاء على آفة استفحلت بسبب انشغالنا في خلاف الأخ مع أخيه، والصراع وراء سراب السلطة، ومحاولة السيطرة على مقدرات الدولة ومواردها.
وعندما أتحدث عن سرت، فكيف لي أن أستثني تضحيات أبنائنا في بنغازي وغيرها من مدن ليبيا، سواء كانوا من أفراد الجيش أو غيرهم، فكلهم ليبيون، ولا يوجد لدينا أي اختلاف في المفاهيم عندما نقاتل إرهابياً أجنبياً دخيلاً على البلاد، ولكن في ذات الوقت ليس كل من اختلفنا معه من أبناء الوطن نصنفه إرهابياً.
أما بالنسبة لسياستنا الخارجية، فقد تعاملنا بشكل متوازن مع دول العالم، فنحن لسنا رهينة للأجنبي، وقلنا للمتدخلين سلباً في شؤوننا، ومازلنا نقول: ارفعوا أيديكم عن ليبيا، وقد أوضحنا أن طلب المساعدة للنهوض بالوطن ومكافحة الإرهاب ليس طلباً للتدخل، وليس انتهاكاً للسيادة، فعندما نتحد ونحترم أبناء شعبنا ونرفع من شأنهم وننهض ببلادنا فبذلك فقط يحترمنا العالم وتتحقق السيادة.
أيها الشعب الليبي العظيم..
بعد كل هذه التحديات، ومن رؤيتي للوضع السياسي الراهن، والمختنقات التي وضعتنا في حالة من الجمود السياسي، ومن وحي المسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه شعبي ورفع المعاناة عنه، وما شهدناه من عجز مجلس النواب ومجلس الدولة للجلوس معاً لإيجاد تسوية سياسية لإقرار تعديلات في الاتفاق السياسي، قررت أن أتقدم لكم اليوم برؤيتي ومقترحي للمرحلة القادمة، وخارطة طريق ربما تسهم في الخروج من هذه الأزمة، وإيجاد أرضية مشتركة للوصول إلى وضع أكثر أمناً واستقراراً، مبنية على أسس الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي وثوابتنا الوطنية، وهي مبادرة تتيح الفرصة أمام الجميع وبالجميع، للمساهمة في بناء دولة ليبيا المستقبل وبإرادة وطنية حرة.
اسمحوا لي أن أبدأ باستعراض المبادئ التي تنطلق منها هذه الرؤية وخارطة الطريق:
أولاً: التأكيد على حق المواطنة، وأن جميع الليبيين والليبيات متساوون في الحقوق والواجبات، مهما كانت انتماءاتهم السياسية أو توجهاتهم الفكرية
ثانياً: إن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ليس طرفاً في الصراع، ولم يأت لدعم طرف ضد آخر، وهذه المبادرة هي مقترح لاستكمال الاتفاق السياسي والمسار التوافقي وليست بديلاً عنه.
ثالثاً: عدم الإقصاء أو التهميش لأي مواطن في الداخل أو الخارج، سواء معارضي الاتفاق أو مؤيديه، والعمل فوراً على عودة النازحين والمهجرين، ولم الشمل تحت راية الوفاق الوطني الحقيقي.
رابعاً: مراعاة مبدأ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة، وأن تكون المؤسسة العسكرية تحت السلطة المدنية التنفيذية.
خامساً: وضع إستراتيجية شاملة للدفاع والأمن القومي وتوحيد المؤسسة العسكرية، مع دعم وتفعيل الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية التابعة لهما، ووضع برنامج وطني لجمع السلاح، وتسريح أو دمج أفراد التشكيلات المسلحة في مؤسسات الدولة وفي إطار زمني محدد.
سادساً: حماية الحقوق والحريات العامة وانتهاج الإصلاح الإداري في إطار الشفافية ومكافحة الفساد، وتفعيل نظام اللامركزية لضمان حقوق كل مناطق ليبيا.
سابعاً: تفعيل آليات العدالة الانتقالية وجبر الضرر والعفو العام من أجل تحقيق مصالحة وطنية شاملة.
ثامناً: احترام جميع المكونات الثقافية والموروث الاجتماعي، وإنهاء المحاصصة والجهوية.
تاسعاً: المحافظة على الموارد الوطنية ومؤسسات الدولة الاقتصادية والمالية، مع ضمان التوزيع العادل للثروات لكل الليبيين.
أما بالنسبة لخارطة الطريق المقترحة فهي على النحو التالي:
1- الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في شهر مارس 2018م، تفرز رئيساً للدولة وبرلماناً جديداً، تستمر ولايتهما ثلاث سنوات كحد أقصى، أو حتى الانتهاء من إعداد الدستور والاستفتاء عليه، ويتم انتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر من الشعب.
2- يستمر العمل بالاتفاق السياسي وحكومة الوفاق الوطني، إلى أن يتم تسمية رئيس الحكومة الجديدة من قبل رئيس الدولة المنتخب، واعتماد حكومته من قبل البرلمان.
3- تقوم المفوضية العليا للانتخابات وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، وبمساعدة جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، بالإعداد والإشراف ومراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
4- تحت إشراف وتسيير من الأمم المتحدة، يقوم مجلس النواب ومجلس الدولة بتشكيل لجان للحوار لتناقش فيما بينها، ومع مؤسسات المجتمع المدني ومن خلال حوار مجتمعي، إعداد مشروع قانون الانتخابات ومقترح التعديل الدستوري، لتحديد صلاحيات رئيس الدولة وملامح المرحلة الجديدة.
5- برعاية المفوضية العليا للانتخابات، على حكومة الوفاق الوطني والمؤسسات القائمة في أنحاء البلاد، توفير الإمكانيات وتهيئة الأجواء المناسبة لنجاح هذا الاستحقاق.
6- يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار وجميع أعمال القتال في كافة أنحاء البلاد، إلا ما يخص مكافحة الإرهاب المنصوص عليه في الاتفاق السياسي الليبي والمواثيق الدولية.
7- يقوم مجلس النواب ومجلس الدولة بتشكيل لجان مشتركة للبدء في دمج مؤسسات الدولة السيادية المنقسمة.
8- تقوم حكومة الوفاق الوطني بضمان توفير الخدمات والاحتياجات اللازمة للمواطنين في كل المناطق، وتلتزم جميع المؤسسات القائمة في البلاد بالتعاون وضمان فصل الصراع السياسي عن توفير هذه الخدمات، مع التزام مصرف ليبيا المركزي بتنفيذ سياسات نقدية بشكلٍ عاجل، لضمان علاج مشكلة توفير السيولة وضبط سعر صرف الدينار الليبي.
9- إنشاء المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية؛ مكون من مائة عضو، يتم اقتراحهم وفقاً لمعايير وضوابط تحددها اللجنة التحضيرية لمشروع المصالحة الوطنية، ويكون أعضاء هذا المجلس من أعيان وحكماء قبائل مدن ليبيا، ومؤسسات المجتمع المدني، والمرأة والشباب، يراعى في اختيارهم جميع الأطياف السياسية والفكرية دون إقصاء أو تهميش. ومن مهام هذا المجلس الإعداد لمؤتمر ليبيا للمصالحة الوطنية، ودراسة آليات تطبيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر والعفو العام، وإنشاء لجان للمصالحة بين المدن، وخلق الأجواء المناسبة لحوار مجتمعي لإنجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستحقاق الدستوري.
أيها الليبيون أيتها الليبيات..
كان هذا اجتهادي للخروج من الأزمة الراهنة وتوحيد صفوف الليبيين، وجمعهم على كلمة سواء، وأنا على ثقة بأن الروح الوطنية ستتغلب على المصالح الشخصية الضيقة، وأدعوا الجميع إلى تقديم التنازلات وإن كانت مؤلمة، للوصول بهذا الوطن إلى بر الأمان.
وبهذه المناسبة أدعو الدول الشقيقة والصديقة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بدعم هذه الرؤية، والاستفادة من المبادرات التي قدمت من قبل، واستثمارها لإجراء التعديلات اللازمة في الاتفاق السياسي، ولخلق الأجواء المناسبة نحو مسار ديمقراطي وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.
وفي الختام، ها أنا أناشد من جديد أبناء الشعب الليبي.. شركاء الوطن جميعاً.. وأقول لكم: أياً كان انتماؤكم السياسي أو قناعاتكم الفكرية، أدعوكم للمشاركة الإيجابية لإنجاح هذا الاستحقاق الوطني.
وإلى أبنائنا في الخارج، أدعوكم للعودة إلى وطنكم سالمين آمنين، وأمد يدي لكم ولأي ليبي غيور على وطنه، لطي صفحة الماضي، والتطلع لمستقبل مشرق للأجيال القادمة.
وللفرقاء السياسيين أقول: لقد نفد صبر الليبيين، فلنحتكم لرأي الشعب في تقرير مصيره، حتى ندخل الفرحة في قلوب أبنائه، ولننهي هذا الانقسام سوياً من أجل ليبيا.. ليبيا وطناً للجميع معاً نحو المصالحة والبناء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.