تتواصل لليوم الثالث على التوالي الاشتباكات في جبال عرسال اللبنانية ومنطقة جرود قارة وفليطة السوريتين عند تخوم الحدود السورية اللبنانية بين “حزب الله” اللبناني مدعوماً بطيران النظام السوري وبين فصائل سورية مسلحة، ويرى خبراء لبنانيون أن الاشتباكات لن تكون سهلة بالنظر لطبيعة تضاريس المنطقة، مشيرين إلى أن المعركة ستستعمل لاحقاً ورقة ضغط لدمشق على حكومة بيروت.
وقال الإعلام الحربي لـ”حزب الله” اللبناني: إن قواته تقدمت على أكثر من محور وسيطرت على عشرات النقاط في جردي عرسال اللبناني وفليطة السوري في القلمون الغربي بعد اشتباكات عنيفة مع مقاتلي هيئة تحرير الشام وسرايا أهل الشام التابعتين للجيش السوري الحر، و”تنظيم الدولة الإسلامية”.
بالمقابل؛ قالت مصادر المقاتلين السوريين في جبال عرسال: إن ما سيطر عليه “حزب الله” هي مناطق غير خاضعة لسيطرتهم، وتعتبر نقاطاً ومساحات خالية من أي وجود عسكري.
وقالت المصادر نفسها، وفق “الجزيرة نت”: إن مقاتلي “حزب الله” يهاجمون “جيوباً” وهضاباً وتلالاً خالية من المقاتلين وهي من الناحية العسكرية غير ذات شأن.
وقال الجيش اللبناني: إن مدفعيته قصفت مجموعة مسلحة كانت تحاول التسلل باتجاه بلدة عرسال دون تقديم مزيد من المعلومات، واكتفى مصدر أمني لبناني بالقول: إن الجيش لم يشارك في المعارك في أعالي جبال عرسال، وسيتدخل فقط إذا ما تسلل مسلحون إلى محيط عرسال.
ورفع الجيش اللبناني رفع درجة الجاهزية بشكل استثنائي في عرسال والمناطق والتلال المحيطة بها، تحسباً لأي تطورات، فيما أشارت وسائل إعلام تابعة لمليشيات “حزب الله” إلى أنه لا وقت محدداً للعملية الجارية في عرسال والقلمون، بعد فشل مفاوضات منحت مسلحي “جبهة النصرة” مهلة للانسحاب.
وقتل 17 مسلحاً من “حزب الله”، بالإضافة إلى واحد ممن يقودون المفاوضات بين الجهات المتقاتلة بمحيط بلدة عرسال على الحدود مع سورية، وذلك على مدار الجمعة وأمس السبت، حسب مصادر متطابقة.
وقال الجيش اللبناني في بيان: إن سيارة يستقلها النائب السابق لرئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي، يرافقه فايز الفليطي، المكلفان (من قبل الجيش و”حزب الله”) بالتفاوض مع المجموعات المسلحة، تعرضت لصاروخ من قبل تنظيم “جبهة النصرة”، خلال مرورها بمنطقة وادي حميد (أهم نقطة إستراتيجية بعرسال).
وأضاف البيان أن الهجوم أدى إلى بتر قدم أحمد الفليطي، وإصابة فايز بجراح مختلفة، وتم نقلهما إلى أحد مستشفيات (لم يذكرها) المنطقة للمعالجة، وما لبث الفليطي إلا أن فارق الحياة متأثراً بجراحه.
يشار إلى أن بلدة عرسال بها مخيمات تضم عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب في بلادهم.
ويقول الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد خالد حمادة: إن المعركة في جبال عرسال ليست سهلة، فهي منطقة جبلية وعرة، فيها مجموعة كبيرة من الأودية التي يتمركز فيها المسلحون.
ويضيف حمادة، بحسب “الجزيرة نت”، أن “حزب الله” حاول في اليوم الأول من المعركة السيطرة على نقاط حاكمة تشرف على الممرات الجبلية، واصفاً التقدم الذي يحرزه مقاتلو الحزب والنظام السوري بالبطيء، وقال الخبير العسكري: إن استخدام الطائرات والمدفعية ليس لهما تأثير كبير في المنطقة.
ويعتقد المتحدث وفقاً للمعطيات المتوافرة أن المعركة ستكون حرب استنزاف لا يمكن تحديد سقفها الزمني، وبشأن دور الجيش اللبناني في هذه المعركة، قال العميد حمادة: إن موقف الجيش الحالي هو استمرار لموقفه السابق وله مهمة محددة وهي التمركز في محيط بلدة عرسال لحماية أهلها ومخيمات اللاجئين السوريين فيها.
ورقة ضغط
ويأمل الكاتب السياسي صلاح تقي الدين ألا يتورط الجيش اللبناني في معركة ليست له، ويقول: إن هدف “حزب الله” ومعه النظام السوري هو تنظيف المنطقة الغربية من سورية من “بؤر المسلحين لكي تكون المنطقة الحدودية الفاصلة بين لبنان وسورية تحت سيطرة النظام بهدف تحقيق مكاسب سياسية له.
ويوضح تقي الدين أن معركة جبال عرسال ستتحول لاحقاً إلى ورقة ضغط إضافية يمتلكها النظام بواسطة “حزب الله” ضد الحكومة اللبنانية، فمهمة الحزب لم تتغير عسكرياً ولا سياسياً، وأعرب الكاتب السياسي عن أمله بألا يورط لبنان في إشكالات ناجمة عن معركة جبال عرسال.
من جهة أخرى، طالب المجلس الشرعي الإسلامي برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الدولة بحماية سكان عرسال واللاجئين السوريين من المعارك التي تجري في جرود البلدة، ودعا دريان في بيان الجيش إلى تعزيز إجراءاته في عرسال خشية الوقوع في فخ “مؤامرة المجموعات المسلحة المتقاتلة على الحدود مع لبنان مما قد يورط البلاد في معركة تفرض نفسها عليه.
تحرك إغاثي
من جانبه، أجرى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، خلال الأربع وعشرين ساعة الأخيرة تحركاً مكثفاً، تخللته اجتماعات عمل وسلسلة اتصالات تمحورت حول الإجراءات الواجب اتخاذها لتدارك التداعيات الإنسانية للاشتباكات المسلحة في منطقة جرود عرسال.
وشدد الوزير المشنوق على ضرورة العمل لتخفيف الأعباء الإنسانية الباهظة الثمن التي يتحملها المجتمع المضيف في عرسال منذ بداية الحرب في سورية وتضحياته من أجل إيواء النازحين وتحمله تداعيات وجود المسلحين في جرود منطقته، كما أكد المشنوق أنه على تواصل دائم مع جميع المعنيين في الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية والهيئة العليا للإغاثة والمنظمات الدولية والمحلية من أجل توفير كل السبل لحماية المدنيين وتأمين المساعدات الطبية والإنسانية لهم.
والتقى المشنوق وفداً من “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” رأسه نائب مدير مكتب بيروت للعمليات إيمانويل جانياك، يرافقه بول صوايا ودومينيك طعمة، في حضور الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير، ومستشاري الوزير العميد منير شعبان، ود. خليل جبارة، وقد أبلغ الوفد المشنوق وضع المفوضية إمكاناتها في تصرف وزارة الداخلية والحكومة اللبنانية.
وفي الإطار نفسه، كان المشنوق استقبل رئيس “بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان” كريستوف مارتان الذي قدم للوزير عرضاً للخطط التي أعدتها البعثة من أجل تقديم المساعدات الطبية العاجلة للمدنيين في منطقة عرسال.
كما اجتمع المشنوق مع ممثل “اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية” محمد نور قرحاني، وبحث معه في مدى جهوزية المنظمات الأهلية وخططها الطارئة لتقديم المساعدات الإنسانية وتسهيل استضافة المدنيين.
وقال اتحاد الجمعيات والتنموية (URDA): مع تدهور الأوضاع في جرود عرسال، يُتوقّع حركة نزوح للنساء والأطفال من الجرود إلى داخل بلدة عرسال هرباً من المعارك وطلباً للحماية، حتى الآن عدد النازحين ليس واضحاً، ومن المتوقع أن يزداد خلال الساعات القادمة.
وأضاف: اشتداد القصف على محيط عرسال جواً وبراً وبالمدفعية الثقيلة ومئات العائلات تنتظر عند المعابر نحو عرسال ولا إحصاءات لعدد القتلى والجرحى أخبار تتحدث عن وصول عدد القتلى إلى ٣٠ قتيلاً من دون تحديد عدد المدنيين بينهم.
وبين الاتحاد في تصريح نشره على موقع “فيسبوك” رغم خطورة الأوضاع الأمنية ضمن محيط عرسال، لا يزال فريق اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية (URDA) مستمراً في تقديم الدعم للأطفال والنساء الذين نزحوا من الجرود إلى البلدة.
وقد أبدى فريق الإغاثية تأثره بما شاهده من خوف عميق في عيون الأطفال، وقد بدت علامات الصدمة على وجوه النازحين بسبب الرعب من القصف المستمر.
ويشير الاتحاد إلى استمرار تدفق الجرحى إلى المستشفى في عرسال وسط نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية.
لذا أطلق اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية حملة “خبز وملح” لتأمين الأمور الحياتية الأساسية للمدنيين المتضررين من هذه الأحداث في عرسال التي تضمّ أكثر من 30 ألف لبناني، بالإضافة إلى حوالي 90 ألف لاجئ سوري، كما وضع الاتحاد خطة سريعة لمساعدة العائلات النازحة من الجرود إلى عرسال.