بعد سقوط الموصل عام 2003م، ظهر قائد الفرقة الأمريكية (101) المحمولة جواً، التي اتخذت من الموصل مقراً لها على التلفزيون المحلي وهو الجنرال «ديفيد بترايوس» في كلمة موجهة لأهل الموصل، ثم قال: «أنا مصلاوي»، وتدرج «بترايوس» في المناصب حتى وصل لرئاسة المخابرات الأمريكية قبل تقاعده!
في ليلة العاشر من يونيو 2014م عشية سقوط الموصل بيد «داعش»، نشرت إحدى الصحف البريطانية الشهيرة خبراً يعد عجيباً وغريباً! قالت فيه: إن سقوط الموصل سيغيّر خارطة مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، في حين أشارت بعض القنوات الفضائية إلى أن الموصل صارت محط أنظار العالم! وكل ذلك كان يدعو للاستغراب في وقته.
وحدث ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية، واجتمعت الدول الكبرى والصغرى لمحاربة هذا «التنين الخرافي» الذي ظهر على حين غفلة، وأخذت الموصل نصيباً وافراً من همجية «داعش»، ليخرج علينا الناطق باسم التحالف عشية 15 يوليو 2017م ليقول: إن أهم معركة وقعت بعد الحرب العالمية الثانية هي معركة تحرير الموصل!
حيث تم القفز على كل الحروب التي وقعت في العالم خلال 70 عاماً ببساطة تامة.
فهل «داعش» بقوة دول المحور (ألمانيا واليابان وإيطاليا) الذين انتصر عليهم الحلفاء عام 1945م؟! وهل اختزال الحروب الكورية والفيتنامية والعربية مع «إسرائيل» وحروب يوغسلافيا لتصير معركة الموصل أهم معركة بعد سقوط برلين ونهاية الحرب الثانية؟!
الجواب هو النفي بالطبع، ولكن مما يدعو للاستغراب الذي يتبدد إذا علمنا أن الموصل وهي عاصمة محافظة نينوى جزء من دولة العراق الذي يحتوي على ثاني احتياطي نفطي في العالم، ويمثل 15% من هذا الاحتياطي، ونصف هذه الكمية من النفط والغاز في الصحراء الغربية ومنطقة الجزيرة الفراتية، وهي غير مستغلة على الإطلاق، وهي مناطق سُنية حسب التصنيف الأمريكي الجديد، بالإضافة لذلك فإن هذه المنطقة هي من المناطق الحيوية في الشرق الأوسط من خلال تحكمها في مشاريع نقل النفط والغاز العملاقة القادمة من شمال إيران وآسيا الوسطى باتجاه أوروبا، وهذا السر في مزاحمة إيران للدول الكبرى حول النفوذ على المنطقة، وأن المصالح النفطية الأمريكية لن تسمح لهذا الممر أن يخرج من تحت سيطرتها.
ولو رجعنا بالتاريخ قبل مائة عام، ونظرنا كيف كانت الدول العظمى آنذاك تفكر في تقسيم مناطق النفوذ بعد هزيمة الدولة العثمانية لاقتربت الصورة منا أكثر.
ففي عام 1916م عندما تم توقيع اتفاقية «سايكس بيكو»، وقعت الموصل في المنطقة العربية «أ» مع حلب ودمشق لتكون بعد انتهاء الحرب تحت الانتداب الفرنسي، ولكن رائحة النفط جعلت البريطانيين يتخلون عن اتفاقياتهم مع الصديق الفرنسي اللدود، وبعدها ضموا ولاية الموصل العثمانية للعراق المتكون من ولايتي بغداد والبصرة العثمانيتين، واستناداً للاستفتاء المزور الذي أجرته عصبة الأمم عام 1925م.
ولو أن «تشرشل»، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، صرح آنذاك بأن تأسيس العراق بشكله الحالي كان خطأ فادحاً! وربما يريد الأمريكيون وحلفاؤهم الإنجليز تصحيح هذا الخطأ بعد مائة عام.