– القتل في “رابعة” قصة بلد صمم على تدمير نفسه
ترجمة: جمال خطاب
في مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات، انتهى الربيع العربي – أو ما تبقى منه – بمذبحة.
لم يكن هناك سوى بلدين من البلدان التي شهدت تحولات ديمقراطية سلمية إلى حد كبير، تونس ومصر.
ومصر وهي دولة رائدة في المنطقة وأكثر دول العالم العربي اكتظاظاً بالسكان، في 14 أغسطس 2013، بعد ستة أسابيع من انقلاب عسكري ضد الحكومة التي كان يقودها الإخوان، قتل أكثر من 800 شخص بالقرب من مسجد رابعة العدوية في القاهرة.. أسوأ قتل جماعي في التاريخ المصري الحديث.
وبحلول ذلك الوقت، تضاف رابعة للحظات سياسية تشكيلية أخري في حياتي، هجمات 11 سبتمبر وحرب العراق، هذه هي الثالثة. والأصدقاء الذين عرفوني قبل وبعد الربيع العربي أخبروني أن كتاباتي أصبحت أكثر قتامة، ربما يكونون على حق.
في المرة الأولى التي وضعت فيها قدمي في رابعة، قبل أسبوع واحد من المجزرة، فوجئت بكيف كان كل شيء قائماً بذاته، فإلى جانب عشرات الآلاف من أنصار الرئيس محمد مرسي، كانت هناك مطابخ وصيدليات وأكشاك طعام وأماكن للنوم و “مركز إعلامي”. لم يكن باستطاعتكم التجول فقط. في المدخل المؤقت، علي بعد حوالي 50 قدم قبالة الشارع، يقف حراس المتطوعين، بجانب أكياس رمل مكدسة، يتحققون من الشخصية علي عجل. أثناء سيري كان البعض يرش الناس بالماء (للتخفيف من الحر). وهذه، على ما يبدو، كان طريقتهم للترحيب بي. كنا في ذروة الصيف المصري الرطب. وكما هو الحال في العديد من الاحتجاجات المصرية، فإن هذا الاحتجاج يتجلى في مكان ما بين الخوف والانفعال.
لم يكن القتل قد حدث بعد (رغم وقوع مجزرتين “أصغر” في الثامن من يوليو والسابع والعشرين من يوليو)، كانت رابعة هي المكان الذي أخبرني فيه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وبعضهم كان لا يزال في الكلية، أنهم بمزيج من الأدرينالين والفزع الذي شعروا به صاغوا إرادتهم وودعوا عائلاتهم، وبينما كان المصريون ينتظرون المجزرة، كانوا يناقشون كم من الناس سيكون النظام الجديد مستعدا لقتلهم، ومتي سيفعل ذلك. وبعيدا عن القصص الشخصية للوفاة والخوف والأسر التي مزقتها، رابعة، والانقلاب العسكري الذي سبقه، سمعت قصة رائعة، وحزينة بشكل ملحوظ، لبلد بدا ناويا علي تدمير نفسه، إلى حد أن المصريين يصرون على الشعور بالافتخار ببلادهم، فخر لوث الملايين منهم – بما في ذلك أفراد من عائلتي – بالتواطؤ فيما حدث.
وهي أيضاً قصة ما يحدث عندما يفقد عدد كبير من الناس الثقة في إمكانيات السياسة، وقد كانت عملية الانتقال من الحكم الاستبدادي لحسني مبارك معيبة منذ البداية، محمد مرسي، الذي انتخب في يونيو 2012، كان الشخص الخطأ في الوقت الخطأ، لكن مهما كان سوء الإخوان في الحكم، ومهما كانت الفوضى التي شعر بها المصريون، لكن البلاد لم تكن محكومة بديكتاتورية ثيوقراطية. فقد كان للمصريين الحق في معارضة الحكومة، وكثيرون فعلوا ذلك، مع أكثر من مليون تجمع في احتجاجات 30 يونيو 2013. وكما كتبت مع زميلتي ميريديث ويلر قبل ثلاث سنوات: “كانت مصر تحت مرسي تمر بمرحلة انتقال عادية بشكل ملحوظ، ليست استبدادية وليست ديمقراطية بالكامل، وتندرج تحت التغيرات والتحولات السياسية العادية على الصعيد العالمي”. كانت العملية الديمقراطية معيبة ولكن كان للمصريين حق الرجوع. كانت هناك سياسة، خلافات و نقاش، و صحافة حرة (لكنها كانت في كثير من الأحيان خالية من الحقائق). بالطبع، كان هناك عدم يقين حول ما يمكن أن تصبح مصر، خاصة إذا ما حافظ الإخوان على فوزهم في الانتخابات الأمر الذي أخاف الكثير من المصريين.
والديمقراطية حرب بوسائل أخرى. وعندما تنسد الفجوات الديمقراطية فجأة، يصبح العنف حتميا. ولم يعد هناك أي سبيل لحل الخلافات الجوهرية بين المواطنين بالطرق السلمية. استخدام القوة، مع جانب واحد يهيمن (أو القضاء على الآخر)، هو المسار الوحيد إلى اليسار، وبالنسبة لي، فإن مراقبة الهبوط السريع في مصر وفر مصدراً قوياً للديمقراطية، ولكن بمعناه الأضيق والأضيق، فالعملية الديمقراطية لا تتعلق بتحسين حياة الناس (وإن كان ذلك ممكناً)، لم يكن مطلوباً من الديمقراطية بالضرورة تحقيق نتائج أفضل للسياسة العامة على أشياء مثل الرعاية الصحية أو التعليم، وكان الأمر يتعلق أساساً بإدارة الصراع سلمياً وإرساء الشرعية على أساس غير العنف، فإغراء الإقصاء والقضاء على الآخر موجود دائماً، وخاصة الآن، ولكن لنفهم كيف يمكن للديمقراطيات، الجديدة منها والقديمة على السواء، أن تتحول إلى العنف يجب أن نفهم أن الديمقراطية ينبغي أن توفر خط الدفاع الأول والأخير.
(*) شادي حامد شادي حميد هو محرر مساهم في The Atlantic وزميل في مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي في مؤسسة بروكينجز، وهو مؤلف كتاب الاستثنائية الإسلامية (Islamic Exceptionalism) كيف أن الصراع على الإسلام هو إعادة تشكيل للعالم، وشارك في تحرير الكتاب الجديد إعادة التفكير في الإسلام السياسي Rethinking Political) Islam).