تغزو الإنسانَ يوميًّا 60 ألف فكرة تقريبًا، بحسب بعض الدراسات، تنقسم بين إيجابية وسلبية، وقد أجرت إحدى الجامعات في كاليفورنيا دراسةً على التحديات مع الذات سنة 1983، وتوصَّلت إلى أن أكثر من 80% من الذي نقوله لأنفسنا يكون سلبيًّا، ويعمل ضد مصلحتنا.
فما هي الأفكار السلبية تلك التي تحدَّثَت عنها الدراسات؟
يُعرَّف التفكير السلبيُّ على أنه النظرة التشاؤمية للأشياء، وتقييم المواقف بصورة سلبية مبالغٍ فيها.
وتلك الأفكار السلبية لا تقف عند حدود الفكر، بل الخطورة فيها أن صاحبها لا إراديًّا يُترجمها إلى أعمال وتصرُّفات وردود أفعالٍ؛ كما قال واين داير: “ما يفكر فيه الناس ويتحدَّثون عنه، يتزايد ويُصبح أفعالًا”، وكتَب فرانك أوتلو: “راقِب أفكارك؛ لأنها ستُصبح أفعالًا، راقِب أفعالك؛ لأنها ستُصبح عاداتٍ، راقِب طباعك؛ لأنها ستُحدد مصيرك؛ إذًا الشيء الذي تفكر فيه سوف تَحصل عليه”.
ومن خطورة الأفكار السلبية ما أكَّده علماء النفس من الارتباط الوثيق بين التفكير السلبيِّ والإصابة بالاكتئاب، والقلق المزمن، والوسواس القهري.
فماذا عن علاجها؟ وكيف يمكن التخلُّص منها؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تختلف بحسب ثقافة وديانة واختصاص المجيب عليه:
فربما يقول لك هنديٌّ: عليك ممارسةَ اليوجا؛ فهي من أكثر الطرق التي تزيد التأمل والتفكير، وتُعزز الطاقةَ الإيجابية، وتساعد في التخلص من الأفكار السلبية وإزالتها من العقل والفكر، وتعمل اليوجا على تزويد الجسد والروح بطاقة كبيرة.
وقد يقول لك طبيب: عليك زيادةَ إنتاج هرمون “السيروتونين” في الدماغ، وهو الهرمون المسؤول عن السعادة، وخفض حالة القلق والتوتر لديك.
وقد يقول آخر: عليك قضاءَ بعض الوقت مع الحيوانات الأليفة؛ حيث أظهر العديد من الدراسات الطبية أن وجود الحيوانات الأليفة في المنزل، يُقلل الشعورَ بالاكتئاب؛ فهي تعمل على زيادة هرمون الأوكسيتوسين والإندورفين والدوبامين في الدماغ، للتخلص من الأفكار السلبية ومشاعرِ الغضب.
ويقول لك جيمس بينيبيكر بحسب بحوث أجراها: إن كتابة الأحداث التي نمرُّ بها في حياتنا – وخاصة السيئة منها – يمكن أن تَجعلنا أكثرَ عافية وقوةً، ويُوصيك أن تكتبها كلَّ يوم قبل النوم.
ولا تقف الآراء والبحوث في سُبل التخلص من الأفكار السلبية عند هذا الحد، بل هي كثيرة يُمكنك الرجوع إليها من خلال مواقع الإنترنت، ومع تقديرنا لتلك البحوث التي أُجريت، فإننا هنا لسنا بصدد البحث عن صحتها أو تَجربتها، فإن هذا المقال مَعنيٌّ بطرح وصفة للتخلص من الأفكار السلبية، عبارة عن خمسة مكونات:
1- لا تجعل قلبك إسفنجة:
أي: لا تجعل عقلك وقلبك كلما طُرِحت عليه شُبهة تلقَّفها، أو فكرة سلبية عشعَشت بداخله؛ يقول ابن القيم رحمه الله: “قال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه – وقد جَعلتُ أُورِد عليه إيرادًا بعد إيراد -: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل الإسفنجة، فيتشرَّبها؛ فلا يَنضِح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمرُّ الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشْرَبْتَ قلبَك كلَّ شبهة تمرُّ عليه، صار مقرًّا للشُّبهات”.
ثم يُعقِّب ابن القيم على نصيحة شيخه ابن تيمية بقوله: “فما أعلم أني انتفعتُ بوصية في دفْع الشبهات كانتفاعي بذلك”.
2- أحسِن الظن بالله:
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي”، فلا تنظر إلى الأمور إلا وأنت تُحسن الظن بالله عز وجل أنه أراد لك الخير فيها، وذلك أن الفكرة السلبية أحيانًا تنتج عن موقف مكروه تعرَّض له صاحبها، أو ماضٍ مرير يفكِّر فيه، أو غير ذلك؛ ولذلك عالِج المسألة من جذورها، بأن تظنَّ تجاه ربك خيرًا فيما أصابك، وأن أمر المؤمن كله له خير؛ إنْ أصابته سرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له، وابقَ على حسن الظن بالله حتى الممات، وفي الحديث: “لا يَموتنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسن الظن بالله”.
3- توكل على الله:
قال سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [الشعراء: 217]، والتوكل هو: صدق اعتماد القلب على الله تعالى في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، فما أجمله! وما أحلاه! إذا توكَّلت على الله كفاك ما تَخشى، ووقاك الأفكار السلبية؛ لأنك متوكِّل عليه، ورزقك الشجاعة، فالمتوكل على الله ممَّ يخاف؟ وفي الأثر: “ما شاءَ الله كانَ، وما لم يشأ لم يكن”.
4- تفاءَلْ ولا تتشاءَمْ:
لماذا الخوف، والشمس لا تُظلِم في ناحية إلا وتُضيء في ناحية أخرى؟! لماذا تنظر دائمًا إلى النصف الفارغ من الكوب، ولا تنظر إلى النصف الممتلئ منه؟! إلى متى تنظر إلى بعض الأمور بطريقة سوداوية وسلبية وتشاؤمية؟!
فبدلًا من أن تَلعن الظلام، أَوقِدْ شمعة، ولا تَبكِ إذا ذهبت الشمس؛ فدموعك ستَحجب عنك رؤية النجوم، وانظر إلى حجم التفاؤل في قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال له أبو بكر رضي الله عنه: “لو أن أحدهم رفع قدَمَه رآنا!”، فقال: “يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنينِ اللهُ ثالثهما؟”.
5- اشغل وقتك وعزِّز قدراتك:
يقول الشافعي رحمه الله تعالى: “نفسك إن لم تَشغَلْها بالحق، شغلتْك بالباطل”.
إن لم تشغل وقتك بالمفيد، وطاعة ربِّ العبيد، والمطلوب منك، وتقسيمه وَفق مربع المهم والعاجل – فإنك ستَصير إلى فراغ، ذلك الفراغ الذي ستتولِّد بسببه الأفكار السلبية، فلا وقت للفراغ، بل لا وقت للتفكير السلبيِّ.
كان رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل يعمل 18 ساعة في اليوم، حين كانت الحرب العالمية الثانية في ذِروتها، وعندما سُئل وقتها: هل هو قلقٌ بسبب المسؤوليات الضخمة الملقاة على ظهره؟ قال بهدوء: إني مشغول إلى درجة أنه ليس لديَّ وقتٌ للقلق!
المصدر: “الألوكة”.