كشف تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية كيف تقوم الحكومة في ميانمار بالتستر على الانتهاكات المنظمة التي تمارسها ضد أقلية الروهينجيا المسلمة التي تعتبرها الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهادًا في العالم.
وتشير الصحيفة في افتتاحيتها إلى تقرير نشرته الأمم المتحدة في فبراير الماضي، وفصل انتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الروهينجيا التي تعيش في ولاية آراكان وتعاني منذ وقت طويل، لافتة إلى أن الانتهاكات التي يتعرض لها الروهينجيا تصل إلى حد اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
وكتبت الصحيفة تقول: على بورما (ميانمار) أن تستمع لمطالب الأمم المتحدة، وتسمح لفريق ترسله من أجل التحقيق فيما يجري في المنطقة، وتقوم بتشكيل آلية لمنع حدوث هذه الانتهاكات، إلا أن الحكومة ردت بتحقيق توصلت فيه إلى أنه “لا توجد أدلة على جرائم”، وأن “الناس من الخارج قاموا بتزييف الأخبار، وادعوا أن عملية إبادة قد حصلت”.
وأضافت الصحيفة: على خلاف هذا، فإن هناك أدلة كثيرة تشير إلى حدوث عمليات انتهاك منظمة لحقوق الإنسان في ولاية آراكان، حيث حرم الروهينجيا، ولزمن طويل، من حق الجنسية، ودُفعوا للعيش في مناطق معزولة، وزاد الاضطهاد العام الماضي، عندما شنت قوات الأمن البورمية سياسة الأرض المحروقة في الولاية، وسط تقارير عن عمليات اغتصاب جماعي، واعتقالات عشوائية، وإعدامات فورية، بالإضافة إلى أن الحكومة قيدت حركة سكان الروهينجيا، وفرضت عليهم حظر التجول، بشكل أسهم في نقص حاد للمواد الغذائية، ومات حوالي 90 شخصاً منذ اندلاع العنف العام الماضي، وهرب حوالي 65 ألفاً من آراكان.
وتشير افتتاحية “الواشنطن بوست” إلى أن رد بورما (ميانمار) كان إنشاء لجنة تحقيق افتقدت المصداقية منذ البداية، وترأس اللجنة المكونة من 13 شخصاً قائدٌ عسكري سابق ونائب الرئيس الحالي مينت سوي، ولم يكن من ضمنها أي ممثل عن أقلية الروهينجيا، وبحسب التقارير التي أعدتها منظمات المجتمع المدني، فإن المحققين استخدموا أسلوب تحقيق قذر اتسم بالعشوائية، وأرهبوا القرويين، وتجاهلوا الشكاوى.
ومع ذلك، تضيف الصحيفة؛ فإن اللجنة قدمت بعض التوصيات المنطقية، حيث اعترفت بأن استمرار القيود على الروهينجيا والإعلام، قد يؤدي إلى خلق ظروف مواتية لزيادة العنف والتطرف، وأوصت بتخفيف القيود المفروضة على الدعم الإنساني، إلا أن هذه التوصيات أضعفها نفي اللجنة ارتكاب قوات الأمن أي خطأ، بالإضافة إلى زيادة المعايير الأمنية ضد من وصفتهم بالمتمردين المسلمين، وتقارير عن زيادة عدد القوات التي نشرت في ولاية أراكان، وهو ما سيمنح القوات العسكرية الضوء الأخضر لاستخدام القوة المفرطة.
وتعلق الصحيفة قائلة: أصبح واضحاً بشكل متزايد أن الحكومة شبه الديمقراطية تحمل ملامح متشابهة للحكومة الدكتاتورية التي سبقتها، فهي حساسة جداً للنقد، ومضطهدة للأقليات، ومستعدة لاتخاذ كل شيء لحماية الجيش، وعليه فيجب على المجتمع الدولي أن ينتبه ويجدد الجهود المطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة تزور البلد، ويجب على الكونجرس إعادة التفكير في خطط توسيع التعاون العسكري مع بورما، أو أن يقوم على الأقل بوضع آليات تدقيق وشروط لحقوق إنسان تربط بالصلات العسكرية في المستقبل.
وخلصت “واشنطن بوست” في افتتاحيتها إلى القول بأن “نتائج تحقيق “الحكومة البورمية” تؤكد أن المعركة لم تنتهِ بعد.
يشار إلى أن أقلية الروهينجيا المسلمة تعاني شتى صنوف الاضطهاد والتعذيب من قبل الجيش في ميانمار، وزادت حدة هذه الانتهاكات منذ أكتوبر الماضي بعدما شن الجيش ملاحقات لأهالي الأقلية الذين اضطروا للنزوح خارج البلاد على الحدود مع بنجلاديش والهند، في أكبر موجة عنف تشهدها البلاد منذ العام 2012.
ويعيش نحو مليون من مسلمي الروهينجيا في مخيمات بولاية آراكان، بعد أن حُرموا من حق المواطنة بموجب قانون أقرته ميانمار عام 1982، إذ تعتبرهم الحكومة مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش، بينما تصنفهم الأمم المتحدة على أنهم “الأقلية الدينية الأكثر اضطهادًا في العالم”.
وتعد آراكان من أكثر ولايات ميانمار فقراً، وتشهد منذ العام 2012 هجمات على المسلمين، مما تسبب في مقتل المئات منهم وتشريد أكثر من 100 ألف شخص.