حين زرت مكتب العم صالح الفضالة في قصر نايف أقدم له مبادرتي “المواطنة الرقمية” لحل قضية البدون أو ما يعرف لدى جهاز المقيمين بصورة غير قانونية أو ما تصنفهم الأمم المتحدة بالمواطنين عديمي الجنسية، حينها لم يكن قد مضى على جلوسه في ذلك المقعد الفارِه إلا أياماً معدودة، وحين توالت كتابات مقالاتي التي حملت عنوان: “نصائح للعم صالح” وكانت تصل مكتبه مباشرة حفلت بنداءات تسترعي انتباهه لمنعطفات التعامل مع واقع هذا الملف.
لنكن صارمين مع أنفسنا ونعترف بالفشل في التعامل مع هذه القضية على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي وليس في ذلك تجنٍ على جهاز بعينه أو أفرادٍ كانوا مع هذه الكفة أو تلك وليس من المنطقي كذلك أن يتحمل أصحاب الأفكار النرجسية وحدهم عبء هذا الفشل كونهم استحوذوا على زمام القرار وتمكنوا على مدى 17 عاماً من تفريغ قوانين التجنيس الصادرة عن البرلمان من محتواها حين كانت تشكل الحد الأدنى من التوافق الوطني فمن أصل اقتراح 11 مشروع قانون لتجنيس 15 ألف ينتمون لهذه الشريحة لم تنجز الحكومة إلا 652 حالة أي 4 % مما يستوجب إنفاذه صريح القوانين الصادرة!.
البعض يتذرع بالإرادة السياسية لدى صنّاع القرار ومتخذيه والبعض يرى في ضمور الضغط الشعبي الذي تراجع إلى أدنى مستوياته، كما يستشعر آخرين عجز المنظومة الدولية عن إقناع الأطراف المعنية الوفاء بالتعهدات الرسمية التي قطعها المسؤولين على أنفسهم بإنجاز الحل العادل خلال آجال متعددة، كثيرة هي الذرائع والاعتذارات التي نحاول إطفاء جمر الفشل الناجم عن انكشاف المشهد على كارثة وطنية واستنزاف أثمن ما يملكه وطن، أثمن من النفط، وأقيم من المال والذهب، ألا وهو الإنسان محور التنمية بل الكون ولأجله قامت السموات والأرض.
هل سنواصل ندب فشلنا والتخفي بالخطابات الناعمة وراء قشة لا تستر حرجنا من تقاريرٍ أممية تواجهنا عند كل مراجعة دورية ومكاشفة وطنية؟!، أم نتوجه جميعاً نحو حلول شاملة تتوج بعدالة ناجزة وتدابير نافذة توقف النزيف الهادر من ماء خجلنا وبقايا حيائنا تجاه المتضررين والمحرومين من حق المواطنة الذي توجبه المصلحة الوطنية العليا وتلزمه الشرعة الدولية للفئات المحمية بموجب القانون الدولي لأنها الأداة الوحيدة التي تمكنهم من نيل حقوقهم الأساسية.
ما أود أن ألفت النظر إليه أننا نعيش مرحلة جديدة تجاه هذه القضية أهمها قرب إسدال عهدة العم صالح الفضالة بما فيها وأنا هنا لست معنياً بتقليب صفحات هذه المرحلة بخيرها وبؤسها وأرى أن مآلات هذه الحقبة كارثية الأبعاد إذا لم نستدرك المستقبل من الآن، كما أننا نشهد حيوية في الأداء الحكومي تكللت بالاستقرار وسلسلة من المنجزات التنموية الملموسة، بالإضافة إلى حالة التوافق والتفاهم في البرلمان وهذا كفيل بالتناغم مع السلطة التنفيذية ومتطلبات أصحاب المصلحة المتضررين أنفسهم، عدا عن كوننا في هذه الفترة نعيش أفضل أداء للدبلوماسية الإنسانية التي أفسحت للكويت حضوراً دولياً مرموقاً لا يعقل أن نخدشه بنزعات مغلوطة لم تجلب إلا الخيبات على من نشاركهم الوطن والدين والعروبة والعرقية بل أمعنَّا في امتحان مواطنتهم بسيل من الإجراءات الأمنية وحتى الجينية!.
كل هذه المعطيات وغيرها تمهد لعقد مؤتمر وطني يتبناه المجلس الأعلى للتخطيط يعيد تدوير زوايا الملف ويستقريء الحلول العالمية التي تصدت للقضية لأكثر من 12 مليون حالة شبيهة كانت أثراً من تبعات الحروب والاستقلال الوطني بالإضافة للهجرات وحسابات التركيبة السكانية والأوزان العائلية وانتقال الناس من البادية إلى المدينة.
إن التحول من الفشل إلى النجاح يتطلب أولاً وقبل كل شيء إرادة وعزيمة تستنهض العقول لسبر الحلول وتستقطب الكفاءات لإرساء المسارات ذات الأهداف المقصودة، علينا جميعاً أن ننخرط في ورشة وطنية لتحقيق إنجاز يُلجم الجدل البائس حول الأصول والأنساب والامتدادات الثقافية والاجتماعية وسائر المخاوف الموهومة والهواجس المكتومة، نساهم في تهيئة الأرضية لإحلال سلام آمن ورخاء دائم تحت مظلة المواطنة العادلة الصالحة، هذا ما نتوقع أن يستوعبه رشد مجتمعنا والنضج الذي بلغته نخبنا فالمستقبل نصنعه الآن قبل أن يُصنَع لنا، ورمال التحولات المتحركة حولنا تفرض خيارات محدودة كلما طالت إدارة الأزمة على حساب إدارة الحل!.
اللهم ألهمنا رشدنا وأعنا على بلوغ مقاصدنا الخيرة لوطننا وأمتنا.
د.سامي محمد العدواني
S-madwani@hotmail.com