(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) (الحج:30)، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {32}) (الحج).
جاء في تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: «ومن يعظم حرمات الله»؛ أي: ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيماً في نفسه، «فهو خير له عند ربه»؛ أي: فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل، فكما على فعل الطاعات ثواب جزيل وأجر كبير، وكذلك على ترك المحرمات و»اجتناب» المحظورات.
تأتي فريضة الحج كي تذكر المسلمين والعالم أجمعين – لو يسمعون – بحرمة الدماء والأعراض وكرامة الإنسان بعد أن اختلت الموازين وضعفت القيم.
في عالَم تدفقت فيه شلالات الدماء وتفنن الإنسان في إزهاق روح أخيه الإنسان بأبشع صورة وأفظع طريقة وأشنع مثال بما لم تعرفه البشرية من قبل!
وبأرخص وأتفه المبررات؛ دينية تارة ومذهبية وعنصرية قبلية تارة أخرى، وبتناقضات عجيبة وغريبة.
قتل امرئ في غابة جريمة لا تُغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر!
ولتعظيم الحرمات وتأصيلها تتنوع أسماؤها وتختلف مصطلحاتها وأحجامها، من الشعرة إلى الشجرة، وصيد البر، والأسماء كذلك تدلل على الحرمات؛ أرض الحرم، الإحرام، محظورات الإحرام، المُحرِم، المَحرم، الحُرُم، حرمات، والفدية والكفارة والصوم لمن أخل بالمحرمات.
لقد تجرأ الإنسان على الحرمات واستهان بأخيه الإنسان؛ بدمه وماله وعرضه.. فتعاظمت جرائم القتل الإنسانية، وتكاثرت الاعتقالات التعسفية، وانتشرت الاختفاءات القسرية، وتنوعت المعاملات الربوية، وازدادت الجرائم الإرهابية، واشتدت الأزمات والحروب الطائفية والعنصرية.
يأتي الحج ليؤكد احترام الحرمات وصيانة الدماء والأموال والأعراض.
إن يوم الحج الأكبر يسميه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بـ»اليوم الأحرم»!
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أَيُّها الناسُ، أَيُّ يومٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يومٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يومٍ أَحْرَمُ؟ قالوا: يومُ الحجِّ الأكبرِ، قال: فإن دماءَكم، وأموالَكم، وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحُرْمَةِ يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا، أَلَا لا يَجْنِي جانٍ إلا على نفسِه، أَلَا ولا يَجْنِي والدٌ على ولدِه، ولا وَلَدٌ على والدِه، أَلَا إنَّ الشيطانَ قد أَيِسَ أن يُعْبَدَ في بلدِكم هذا أبداً، ولكن ستكونُ له طاعةٌ في بعضِ ما تَحْتَقِرون من أعمالِكم، فيَرْضَى بها، أَلَا إنَّ المسلمَ أَخُو المسلمِ، فليس يَحِلُّ لمسلمٍ من أَخِيهِ شيءٌ إلا ما أَحَلَّ من نفسِه، أَلَا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهليةِ موضوعٌ، لكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظْلِمونَ ولا تُظْلَمُونَ، غيرَ رِبَا العباسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ؛ فإنه موضوعٌ كُلُّه، وإنَّ كلَّ دمٍ كان في الجاهليةِ موضوعٌ، وأولُ دَمٍ أَضَعُ من دمِ الجاهليةِ دمُ الحارثِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، أَلَا واستَوْصُوا بالنساءِ خيراً، فإنما هُن عَوَانٌ عندكم، ليس تملكونَ منهن شيئاً غيرَ ذلك، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَّةٍ مُبَيِّنَةٍ، فإن فَعَلْنَ فاهجُروهن في المَضاجِعِ، واضرِبوهن ضَرْباً غيرَ مُبَرِّحٍ، فإن أَطَعْنَكم، فلا تَبْغُوا عليهِن سبيلًا، أَلَا وإنَّ لكم على نسائِكم حقاً، ولنسائِكم عليكم حقاً، فأمَّا حقُّكم على نسائِكم؛ فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تَكْرَهون، ولا يَأْذَنَّ في بيوتِكم لِمَن تَكْرَهون، أَلَا وإنَّ حَقَّهُنَّ عليكم أن تُحْسِنوا إليهِنَّ في كِسْوَتِهِنَّ وطعامِهِنَّ» (الراوي: عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، والحديث حسن).
فالحج تعليم وتربية وتذكير بل وتدريب وتوجيه على احترام الحرمات وصون وشائج الأخوة والزواج والقرابات والمصاهرات، ولعل هذا كله من فوائد ومنافع الحج؛ (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج:28).
والحمد لله رب العالمين.