الكيان الصهيوني القائم على أرض فلسطين هو مشروع غربي يحقق عقيدة دينية – أسطورية – تبلورت في اللاهوت البروتستانتي الغربي، تقول بأن عودة المسيح ليحكم العالم ألف سنة سعيدة مرهون بحشر اليهود في فلسطين وإقامة دولة صهيون، وهدم المسجد الأقصى ليقوم على أنقاضه الهيكل الثالث لليهود (شعب الله المختار)!
ولقد التقت هذه العقيدة اللاهوتية بمصالح الإمبريالية الغربية في إقامة كيان مزروع في قلب الوطن العربي، يقطع وحدة أرضه، ويكون بمثابة قاعدة غربية – حضارية وعسكرية – لإجهاض نهضة الأمة العربية، ومنع تحررها وتقدمها.
وبعد تبلور هذا “المشروع الديني الإمبريالي” تم “تسويقه” في الأوساط اليهودية، فانعقدت الشراكة من أجل تنفيذه بين المسيحية الصهيونية الغربية الحاكمة لفكر المؤسسات الإمبريالية الغربية وبين الحركة الصهيونية الحديثة.
ولعل في وقائع التاريخ البراهين الساطعة على صدق هذا الذي نقول، فـ:
في أمريكا – على سبيل المثال – بلغت الكتب التي نشرت عن “المسيحية الصهيونية” – ما بين سنة 1800 أو 1875- حوالي ألفي كتاب!
وفي سنة 1866م أرسلت البروتستانتية الأمريكية أولى بعثات الاستيطان اليهودي في فلسطين، يقودها القس آدم، ومعه 150 قسيساً أمريكياً، وفي العام التالي – سنة 1867 – قامت على أرض فلسطين أولى المستوطنات، بمشاركة 70 شخصية دينية من المسيحيين الصهاينة الأمريكان!
وفي سنة 1918م أعلن الرئيس الأمريكي وليسون (1856 – 1924م) التزام أمريكا بتنفيذ “وعد بلفور”، ثم صادقت عليه رسمياً 1922، وقرر مجلس النواب الأمريكي “ضرورة منح اليهود الفرصة التي حُرموا منها لإعادة إقامة حياة يهودية وثقافية في الأرض اليهودية القديمة”!
وفي سنة 1948م كانت أمريكا أول دولة اعترفت بقيام “إسرائيل” وإبان الحرب الصهيونية العربية، التي اندلعت في ذات العام، دعمت أمريكا والغرب التفوق الصهيوني، ومكنت العصابات الصهيونية من تدمير 538 قرية فلسطينية، وطرد سكانها، والاستيلاء على أرضها – كذلك – على الأملاك الأميرية، وعلى أملاك الأوقاف، ليقوم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين!
وفي 5 يونيو سنة 1967 دعمت أمريكا “إسرائيل” في الحرب التي استولت فيها على كل فلسطين، وعلى سيناء والجولان، كما دعمتها سنة 1982م في الحرب التي استولت فيها على جنوب لبنان.
وفي 24 أكتوبر 1995م قرر الكونجرس الأمريكي “اختيار القدس” عاصمة أبدية لـ”إسرائيل”؛ لأنها بنظره “الوطن الروحي لليهودية”! وجدد هذا القرار في سبتمبر 2002م، ووقع عليه الرئيس بوش الابن، وشرعت أمريكا بناء سفارتها بالقدس على أرض مملوكة – في الأصل – للأوقاف الخيرية الإسلامية!
وفي 14 إبريل سنة 2004م أعطى الرئيس بوش لشارون “رسالة الضمانات” ببقاء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية جزءًا من “إسرائيل”! إذ نصت هذا الضمانات – التي حاكت وعد “بلفور” – على أن الحقائق على الأرض ستؤخذ بعين الاعتبار في المرحلة النهائية في التسوية” – أي بقاء الواقع على الأرض – الذي ابتلع كل الأرض!
ومع هذه الحقائق – التي أشرنا إلى طرف منها – عن العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل، يعلق كثير من النخبة العربية والإسلامية كل آمالهم في التسوية على أمريكا، وكأن شعارهم ولسان حالهم يقول دونما وعي أو حتى قراءة لحقائق التاريخ: “أشكو منك إليك”!
المصدر: موقع “التاريخ”.