«أَيُّها الناسُ، أَفْشُوا السلامَ، وأَطْعِمُوا الطعامَ، وصَلُّوا والناسُ نِيَامٌ، تَدْخُلوا الجنةَ بسَلَامٍ» (رواه أحمد والترمذي والحاكم).. بهذه الكلمات المباركات فور وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة بدأت تظهر ملامح المشروع الإسلامي الأغر.
– «أيها الناس».. فهو مشروع للناس جميعاً؛ فصاحب المشروع هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رحمة الله للعالمين؛ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107}) (الأنبياء).
– «أفشوا السلام».. فالإسلام دين الرحمة والسلام، والله تعالى هو السلام، والجنة دار السلام، وليلة القدر سلام، وإفشاء السلام سُنة نبوية عظيمة، وختام صلاتنا السلام.
فالسلام معلم عظيم من معالم مشروعنا الإسلامي الضخم العظيم؛ السلام العادل مع جميع الناس؛ (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83)، فلم يأت الإسلام كي يشعل حرب حضارات في الكون بين بني البشر، بل كرم الإنسان كل الإنسان، وحرم الدماء والأعراض والأموال.
«المسلمُ من سلم الناسُ من لسانه ويدهِ، والمؤمنُ من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» (صحيح النسائي).
«المسلِمُ من سلمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ، والمؤمنُ من أمنَهُ النَّاسُ علَى دمائِهِم وأموالِهِم، والمجاهدُ مَن جاهدَ نفسَهُ في طاعةِ اللَّهِ والمُهاجِرُ مَن هجَر الخطايا والذُّنوبَ» (إسناده صحيح).
– «وأطعموا الطعام».. إن المشروع الإسلامي مشروع إحسان لبني الإنسان (فَكُّ رَقَبَةٍ {13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ {16}) (البلد)، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9}) (الإنسان).
إن الإسلام كما يدعو لكسوة العراة، يدعو كذلك لإطعام الجياع من بني الإنسان وغيرهم من المخلوقات؛ «في كلِّ ذاتِ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ» (حديث صحيح).
– «وصلوا والناس نيام».. إنه معلم العبادة في المشروع الإسلامي المتكامل في الإحسان مع المخلوق والخالق سبحانه وتعالى؛ والعبادة تؤدب وتهذب المسلم وترقي به في مراقي العز والإيمان والفلاح، وبالعبادة تصفو الروح وتسمو النفس وترقى القيم والأخلاق ويقوى الفرد والجماعة والأمة؛ (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ {92}) (الأنبياء).
وبالصلح بين الأوس والخزرج والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار انتظم عقد الأخوة برّاقاً جميلاً، وكأنه سوار ذهب أحاط بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فازدانت به نوراً مذهّباً.
وببناء المسجد اجتمع الخير والنور والأجر والحسنات وازداد تقارب القلوب.
وبتمام كتابة الوثيقة المدنية التي تمثل الدستور المدني؛ اكتمل المشروع الإسلامي رحمة ورأفة وإيماناً وتوحيداً وتصديقاً وقيماً وأخلاقاً وعقيدة وعبادة وتشريعاً ودستوراً صالحاً لكل زمان ومكان، يجمع ولا يفرق، ويعمر ولا يخرب، ويُقوي ولا يُضعف، ويؤلف ولا يؤلب، ويحفظ ولا يضيع، ويعز ولا يذل، ويغني ولا يفقر، وصدق الله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3).
ولله در الإمام القرضاوي حفظه الله ورعاه عندما صاغ بعضاً من ملامح المشروع الإسلامي:
مسلمون مسلمون مسلمون
حيث كان الحق والعدل نكون
نرتضي الموتى ونأبى أن نهون
في سبيل الله ما أحلى المنون
*****
نحن صممنا وأقسمنا اليمين
أن نعيش ونموت مسلمين
مستقيمين على الحق المبين
متحدّين ضلال المبطلين
جاهدين أن يسود المسلمون
مسلمون مسلمون مسلمون
*****
نحن بالإسلام كنا خير معشر
وحكمنا باسمه كسرى وقيصر
وزرعنا العدل في الدنيا فأثمر
ونشرنا في الورى الله أكبر
فاسألوا إن كنتموا لا تعلمون
مسلمون مسلمون مسلمون
*****
سائلو التاريخ عنا ما وعى
من حمى حق فقير ضيعا
من بنى للعلم صرحاً أرفعا
من أقام الدين والدنيا معا
سائلوه سيجيب المسلمون
مسلمون مسلمون مسلمون
*****
نحن بالإيمان أحيينا القلوب
نحن بالإسلام حررنا الشعوب
نحن بالقرآن قومنا العيوب
وانطلقنا في الشمال والجنوب
ننشر النور ونمحو كل هون
مسلمون مسلمون مسلمون
*****
نحن بالأخلاق نوّرنا الحياه
نحن بالتوحيد أعلينا الجباه
نحن بالبتار أدبنا الطغاه
نحن للحق دعاة ورعاه
والحمد لله رب العالمين.