إن الدِّين الإسلاميُّ هو الدِّين الخاتم الصالح لكلِّ زمان ومكان، ومن ثم فالنِّظام الاقتصاديُّ في الإسلام نظامٌ ربَّانيُّ المصدر، فالوحي الإلهي – ممثلًا في القرآن والسُّنة – هو مصدر هذا النِّظام، ويأتي بعد ذلك مصادر التَّشريع الأُخرى كالإجماع، والقياس، والاجتهاد، كما أن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية فيها من المرونة ما يجعلها تتَّسع للأساليب المختلفة، والوسائل المتجدِّدة، التي تحقق النفع للناس، وتوفر سبل الخير لهم، والمتأمل والمدقق لهذا الدين العظيم يجد أنه جاء بمنهج شامل لعلاج كل المشكلات والأزمات، وعلى رأسها المشكلات الاجتماعية والاقتصاديَّة.
ومن أهم مميزات النظام الاقتصادي في الإسلام الجَمْعُ بَيْنَ الثَّبَاتِ وَالتَّطَوُّرِ؛ ففي الاقتصاد الإسلاميِّ “أمور ثابتة لا تتغير مهما تغيَّر الزَّمان والمكان، كالأصول الاقتصاديَّة الَّتي وردت بنصوص القرآن والسُّنَّة، وهناك أمور متطوِّرة، وهي كيفيَّة إعمال وتطبيق هذه الأصول الإلهيَّة بحسب متطلِّبات الزَّمان والمكان مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ – “المذهب الاقتصاديُّ في الإسلام” (ص 95).
كما يتميَّز نظام الاقتصاد الإسلاميُّ عن غيره من الأنظمة المختلفة بعدَّة خصائص فريدة ومتميِّزة تجعله صالحًا لكلِّ زمان ومكان، ومن أهم هذه الخصائص المرونة والابتكار وإتاحة الفرصة للإبداع والتجديد، ما دام ذلك في حدود الشرع والدين، فنجده كذلك يوازن بين المصلحة الخاصَّةِ، والمصلحة العامَّةِ “فكلٌّ منهما في نظر الإسلام أصلٌ يُرَاعَى” مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ – “المذهب الاقتصاديُّ في الإسلام” (ص 97).
وتوضح هذه القصة الواقعية من كتابي “الباذل بصمت ناصر عبدالمحسن السعيد مثالاً ونموذجاً لصاحبها التاجر ناصر عبدالمحسن السعيد رحمه الله (ص 46)، وتبين حنكته ورجاحة عقله، وكيف أنه كان مبدعاً على المستوى الاقتصادي، وصاحب نظرة ثاقبة للمستقبل القريب والبعيد.
وتبدأ قصة التاجر “عندما بلغ سن الرشد وأحس بالمسؤولية تطلع إلى فرصة عمل مناسبة يستقل فيها بنفسه، فدخل في أواسط العشرينيات من القرن الماضي (وكان في حوالي العشرين من عمره) مجال الغوص على اللؤلؤ، وخاض لجج البحار، وواصل الليل بالنهار ليثبت نفسه كفاءته وجدارته وينال شرف السعي وراء الرزق الحلال، وكانت تجارة اللؤلؤ رابحة في أواسط العشرينات، فزاول التاجر ناصر السعيد رحمه الله هذه التجارة، وقد منَّ الله سبحانه وتعالى عليه بالرزق الوفير والخير الكثير نتيجة لأمانته وصدقه وكرمه وإحسانه.
وأما عن إبداعه الاقتصادي ذي البعد الاجتماعي، فقد كان التاجر ناصر السعيد رحمه الله صاحب مبادرة اجتماعية لم يسبقه إليها أحد – حسب علمي المتواضع.
فقد ابتكر رحمه الله طريقة جديدة لإيصال ما في يده إلى أبنائه وبناته في حياته، ليتمتعوا بها في حياته، لا بعد مماته، وبطريقة حضارية قل نظيرها، خصوصاً وأن بعض الورثة قد يدب بينهم الخلاف الذي قد يصل أحياناً ومع الأسف إلى المحاكم وينشر في الصحف!
لقد أنشأ رحمه الله شركة تجارية عقارية استثمارية، وضع فيها كامل رأسمالها التشغيلي، ولكنه خصص أرباحها لأبنائه وبناته، بنسبة ميراثهم له إذا توفاه الله سبحانه، أي أنه أوصل إليهم ثروته قبل أن يرحل عنهم، ولكن عن طريق استثمار دائم، ليس محفوظاً من الضياع والتشتت فحسب، بل مضاعفاً عدة مرات بالاستثمار وحسن الإدارة.
لقد ضمن لهم – بفضل الله تعالى وتوفيقه – في حياته مصدراً دائماً من بعده يوفر لهم العيش الرغيد، ويؤمنهم أي اختلاف – لا سمح الله.
رحم الله التاجر ناصر عبدالمحسن السعيد، ذلك المبدع اجتماعياً واقتصادياً رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
WWW.ajkharafi.com