لاشك أن من يؤتى الحكمة ورجاحة العقل فقط أعطي خيراً كثيراً، والدليل على ذلك في قول الحق سبحانه وتعالى في كتابة العزيز ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً﴾ (البقرة: 269)، وذلك لأن الحكمة في ترزق صاحبها الخير الكثير، ومن ذلك الخير الكثير أنها تميزه بالصبر، وتمنحه الوقار، وتجلب له الرضا والسعادة.
وتوضح هذه القصة الواقعية التي أوردتها في كتابي “عائلة العثمان مدرسة السفر الشراعي في الكويت ص 179 – 187” مثالاً ونموذجاً لصاحبها النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان رحمه الله، وتبين حكمته وسعة صدره ورجاحة عقله.
وتبدأ قصة الشاب عبداللطيف العثمان مع القيادة والملاحة البحرية عندما أتم الثامنة عشرة، حيث أصبح حينها نوخذة يقود سفينة صغيرة للقطاعة في الخليج العربي، ويرجع الفضل الأول في تدريبه وتعليمه فنون الملاحة البحرية وقيادة السفن إلى خاله النوخذة عبدالعزيز بن عثمان رحمه الله الذي تبناه ورعاه أفضل رعاية حتى اطمأن أن تلميذه أصبح قائداً ماهراً فسلمه قيادة سفنه “موافج” و”تيسير” ولعل رحلات النوخذة عبداللطيف على البوم “تيسير” من الرحلات التاريخية الموفقة، فقد قاد هذه السفينة بكفاءة ومهارة، ووصل بها إلى معظم موانئ الهند الغربي، وكان خلال رحلاته هذه يدرب أقاربه فنون الملاحة وقيادة السفن الشراعية، حتى أصبح هؤلاء من نواخذة الكويت المتميزين، وكانت السفينة “تيسير” مدرسة آل العثمان البحرية الذي اشتهر اسم عائلتهم الكريمة بين أهل الكويت باسم “العثمان النواخذة” تمييزاً لهم عن بقية العائلات الأخرى المشتركة معهم باسم “العثمان”.
يصف المرحوم عبداللطيف محمد ثنيان الغانم النوخذة عبداللطيف العثمان بأنه “رجل حكيم ومتأن وذو شخصية متميزة”، ويصف الأستاد (بالدال) صانع السفينة الخشبية، علي عبدالرسول النوخذة عبداللطيف بأنه “حكيم ويحرص على سلامة البحارة والسفينة، ويقود سفينته بتعقل ومهارة”، كما يصف أحد بحارته أخلاقة بأنها طيبة، “فإذا ما أراد أن يصدر أمراً بتغيير اتجاه الشراع (الخايور)، فإنه يقف أمام “القائم” ثم “يتنحنح” وكأنه يستعد للكلام فيعرف البحارة ما يريده ويستعدون للعمل، فلا هو ممن يكثر الكلام والمزاح، ولا هو ممن يحيط نفسه بعزلة عن البحارة”، وهو نوخذة ومعلم يعرف أصول الملاحة وأسرارها.
ويروي هذه القصة النوخذة عبداللطيف العثمان رحمه الله، في المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه عام 1966م، وفيها ما يدل على أنه راوية جيد للتاريخ ومحدث لبق يجيد فنون الحوار فيقول: “كنا في طريق عودتنا من أحد رحلاتنا البحرية مع صديقي محمد ثنيان الغانم، فالتبس الأمر على قبطان الباخرة، وهو بالقرب من البحرين، فلاحظت ذلك وهمست في أذن صديقي محمد ثنيان، فما كان من محمد ثنيان إلا أنه أرسل من يقول للقبطان أنه مخطئ في مساره، ولما وصل التحذير للقبطان أرسل في طلبي شخصياً، وعندما تحدثنا معاً أدرك القبطان أنه مخطئ، وثبتت صحة ما قلته له بعد ذلك”.
يضيف النوخذة عبداللطيف أنه لم يكن بوده أن يتدخل في شؤون القبطان، لكن صديقه محمد ثنيان أصر على ذلك وطلب منه أن يذهب للقبطان للتباحث بهذا الشأن.
وهكذا ضرب النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان مثالاً رائداً يحتذى به في الاحترام واللياقة والأدب، والذكاء والفراسة الممتزجين بالحكمة والتواضع، وهكذا كان ديدن أهل الكويت الكرام في ذلك الوقت، كانوا أصحاب حكمة وتواضع، وأصبحوا قدوة حسنة يحتذى بها في حسن التعامل وطيب المعاشرة.
رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.
WWW.ajkharafi.com