إن الدين الإسلام هو خاتم الأديان السماوية، ومِن أهم خصائص هذا الدين العظيم أنه نجح في الموازنة الدقيقة بين العبادة وبين العمل، من خلال نصوصه ومبادئه الخالدة، يقول المولى سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {9} فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {10}﴾ (الجمعة)، وهذا السياق الرباني العجيب يجمع بين الكمال في الموازنة بين العبادة والعمل.
والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو خير البشر صلى الله عليه وآله وسلم، يجده صلوات ربي وسلامه عليه خير من عبَدَ الله سبحانه وتعالى حق عبادته، ويجده صلى الله عليه وسلم الزوج الصالح، والقائد الحربي الشجاع، والتاجر الناجح الصادق الأمين.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة في حسن التخطيط والتوازن بين الجانب التعبدي الروحي والجانب العملي الحياتي، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية التي يرويها التاجر أحمد البرجس عن والده التاجر برجس محمد البرجس رحمه الله قائلاً: “كان والدي التاجر برجس محمد البرجس رحمه الله يجيد التخطيط في أمور حياته كلها، ولا يحب أن يترك الأمور تسير بلا ترتيب أو تنظيم، وكان هذا ديدنه رحمه الله في حياته بصفة عامة، سواء على المستوى الأسري والعائلي البسيط، أو على المستوى الاجتماعي الخارجي العام، كما أن الوالد رحمه الله نجح في إيجاد ذلك التوازن بين الجانبين التعبدي والعملي، فمن مآثره رحمه الله ومما عرف عنه في هذا الجانب، حرصه على التوازن بين العمل والتجارة من جهة والتفرغ للعبادة في شهر رمضان المبارك من جهة أخرى، فقد كان الوالد رحمه الله يعمل أحد عشر شهراً في العام في مجموعة متوازية من المهن؛ حيث كان يبيع المواد الغذائية من خلال بقالته في السوق، كما كان رحمه الله يسجم البشوت في محل آخر له بالسوق، وهو بذلك يحقق ربحاً ودخلاً ممتازاً والحمد لله، فإذا جاء شهر رمضان الكريم تفرغ للعبادة وترك جميع أعماله التجارية، وأوقف نشاطه المهني وكل ما يشغله عن العبادة.
فكان رحمه الله عندما يدخل علينا رمضان يستعد له استعداداً خالصاً، ويحرص على المكوث في المسجد من قبل صلاة الظهر إلى ما بعد صلاة التراويح، وكنت أذهب إليه في المسجد بين حين وآخر أتفقد أحواله وآتيه بالفطور قبل صلاة المغرب مباشرة، وكنت كثيراً ما أسأل الوالد رحمه الله مستغرباً منه ترك التجارة والعمل في رمضان قائلاً: لماذا يا والدي لا تعمل في شهر رمضان المبارك وهو شهر العمل والإنتاج؟ وكان رحمه الله يجيب عن سؤالي بكلمات لعلها مستوحاة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لي: يا بني إن لنفسك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه.
وهكذا قدم التاجر برجس محمد البرجس رحمه الله نموذجاً رائعاً في الموازنة بين العمل والعبادة، وكيف يحقق الإنسان ما يطمح إليه من نجاح على المستوى الدنيوي على اختلاف مهنته التي يعمل بها، وبين تعزيز الصلة بخالقه ومولاه من خلال تخصيص وقت للعبادة والتفرغ لأداء الطاعات، وهكذا كان حال آبائنا الكرام في كويت الماضي، حريصون كل الحرص على الموازنة بين القيام بالعبادات والقربات والنجاح في الجانب العملي والدنيوي.
رحم الله الجميع رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.
WWW.ajkharafi.com