تتجه مصر نحو أكبر تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية (التقاضي)، منذ صدوره عام 1950، أملاً، بحسب مؤيدين، في مواجهة الإرهاب بحسم في ظل الالتزام بالدستور والحقوق، فيما يبدي حقوقيون تحفظات على هذه التعديلات باعتبارها “انتهاكات واسعة” في منظومة العدلة.
وتشمل التعديلات، التي ينظرها مجلس النواب (البرلمان)، 270 مادة من إجمالي 560 مادة في قانون الإجراءات الجنائية، الذي وصفه النائب المصري، بهاء أبو شقة، بأنه “الدستور الثاني” للبلاد، وتتعلق تلك التعديلات بتسريع الإجراءات التي تتم في المحاكم، وهي معنية بحقوق المتهم وأطراف الدعاوى القضائية.
وسبق أن وصف الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، قوانين بلاده بأنها “مكبلة للقضاء”، وأن “يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين التي تعرقل سرعة إصدار الأحكام، ويجب تعديلها من الحكومة والبرلمان لمواجهة الإرهاب”، وذلك في سياق تعليقه على هجومين إرهابيين، وقعا نهاية ديسمبر 2016، ويونيو 2015.
ومنذ الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، في 3 يوليو 2013، حين كان السيسي وزيراً للدفاع، يخضع الآلاف من أنصار مرسي ومعرضي النظام الحالي للمحاكمة، وسط انتقادات حقوقية غير رسمية لمنظومة العدالة في مصر، وتندد بما يعتبره حقوقيون انتهاكات واسعة بحق السجناء المعارضين.
وعادة ما ترد السلطات المصرية على الانتقادات بـأنها تطبق القانون والدستور، ولديها قضاء مستقل ونزيه، نافية صحة الاتهامات، التي تعتبرها “مجرد مزاعم لا أساس لها.
ولا تبشر تلك التعديلات، وفق مختصين تحدث اثنان منهم لـ”الأناضول”، بتغيير جذري في منظومة العدل، إذ يرونها “مجرد هروب من الواقع المزدحم بالمظالم”، و”لا تعبر عن حلول عملية لقضايا تضم أعداداً كبيرة من السجناء المعارضين، الذين يتحدثون عن عدم وجود عدالة في المحاكمات أو الأحكام التي تصدر بحقهم”.
بالمقابل، يرى فريق مؤيد للنظام الحاكم في مصر، تحدث أحدهم لـ”الأناضول”، أن التعديلات تبحث عن حلول لبطء التقاضي، دون إخلال بالحقوق والقانون ومحددات الدستور.
ويتطلع البعض إلى أن تساعد التعديلات المرتقبة على سرعة الفصل القضائي في مواجهة الإرهاب، الذي يؤثر على السياحة، أحد أهم مصادر العملة الصعبة بمصر.
بدائل للحبس الاحتياطي
ولم يحدد البرلمان الذي ينظر مشروع القانون الذي وافقت عليه الحكومة في مايو الماضي، توقيتًا للتصويت علي التعديلات، بعد أشهر من مناقشات مطولة بشأنه مع أكاديميين وقانونين ومؤسسات قضائية.
ومن أبرز التعديلات، وفق الحقوقي المصري عزت غنيم في حديث لـ”الأناضول”، هو “بدائل الحبس الاحتياطي، الذي يعد أحد شكاوى السجناء المعارضين، لتجاوز بعضهم مدة الحبس بعامين على ذمة القضايا”.
وتشكو لجنة عفو، أطلقت سراح المئات من السجناء بعفو رئاسي، من أنها تواجه عقبات قانونية، مع عدم استطاعة الرئيس قانونياً العفو عن المحبوسين احتياطياً، إذ إن العفو الرئاسي يحق لمن صدر بحقهم أحكام قضائية نهائية.
وتطرح التعديلات 4 بدائل للحبس الاحتياطي، منها الإقامة الجبرية، وتدابير أمنية احترازية، مثل التواجد في مقار الشرطة لأوقات محددة.
وهو ما اعتبر غنيم أنه “لا يحمل جديداً، فهو تكرار لما سبق، والعودة إليه اضطراراً الآن، مع تصاعد الانتقادات لطول فترة الحبس الاحتياطي دون إدانة”.
كما تناقش التعديلات، وفق الحقوقي المصري، وضع ضوابط للمنع من السفر، والإدراج على قوائم الترقب والوصول، وهو أمر يرحب به إذا كان سيحقق الحرية، وليس التفافاً على الحقوق وتقنين المنع، على حد قوله.
وواجهت مصر، في الأشهر القليلة الماضية، انتقادات حقوقية دولية؛ بسبب تقييد حق السفر والمنع لحقوقيين مصريين.
وردت السلطات بأنها ملتزمة بتطبيق القانون بشأن من منعتهم، وأبرزهم الناشط الحقوقي، محمد زراع، الذي قالت القاهرة: إنه صادر بحقه أمراً قضائي بعدم مغادرته البلاد في قضية متعلقة بنشاطه الحقوقي.
ولفت غنيم إلى تعديلين مقترحين بشأن تقليل عدد القضايا، وسرعة النظر في طعونها، حيث سيعاد العمل بقاضي الإحالة، الذي ينظر في القضية من أولها، ويحق له حفظها أو إحالتها للقضاء، بخلاف إمكانية الاستئناف على أحكام محكمة الجنايات، دون اللجوء إلى محكمة النقض (أعلى محكمة للطعون).
محاكمة عن بُعد
على الجانب الآخر، قال الفقيه الدستوري، د. صلاح فوزي، عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي (حكومية)، وأحد المشاركين في وضع مشروع التعديلات: إن من أبرز التعديلات استحداث نظام المحاكمة عن بعد (فيديو كونفرانس)، في حال صعوبة نقل المتهمين، والتأكيد على حماية الشهود، وتعويض مشروط للمحبوسين احتياطاً، لمن صدر بحقهم حكم بات بالبراءة أو عدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وتابع فوزي، في حديث لـ”الأناضول”، أن “التعديلات تستهدف تطوير منظومة إعلان المتهم بتحريك دعوى قضائية ضده، وربط الدعاوى برقمه القومي، واستخدام كود (رقم مسلسل) قضائي، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة في إبلاغ المتهم، بدلاً من اللجوء إلى شخص معلن واستلام باليد (لا إخطار الدعوى)، وهو أسلوب تقليدي تسبب في بطء التقاضي، فضلاً عن إمكانية تشابه الأسماء وتوريط أشخاص أبرياء”.
أسباب التعديلات
وأرجع الفقيه الدستوري أسباب التعديلات المقترحة إلى أن “قانون الإجراءات الجنائية وضع عام 1950، ونحن اليوم في عام 2017، وحدثت متغيرات كثيرة، منها الزيادة السكانية (104 ملايين نسمة حالياً) والتطور التكنولوجي، والرغبة في الالتزام بالدستور، لتلافي أي بطء في التقاضي أو معوقات”.
وشدد فوزي على أن “التعديلات حريصة على تحقيق عدالة ناجزة ترعى كل الحقوق بلا تعسف ولا جور”.
ووفق النائب بهاء أبو شقة، في تصريحات صحفية يوم 8 أغسطس الماضي، فإن الهدف من التعديلات هو الحفاظ على شرف وكرامة المواطن، والوصول إلى محاكمة عادلة، عبر إجراءات عادلة تحكم جميع مراحل الاتهام، لنصل إلى حكم بات، يحقق التوازن في عدالة منصفة تتحقق فيها جميع ضمانات الحقوق.
رسائل للمستثمرين
في المقابل، اعتبر مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (غير حكومية)، عزت غنيم، أن “فلسفة التعديلات لن تحمل جديداً يذكر، فالأمر هو مجرد هروب من كل تكاليف ما حدث في الواقع القضائي بمصر إلى تعديلات ستطبق مستقبلاً، دون أن نبحث فيما أحدثه القانون من عقوبات ومعوقات وأضرار سابقة”.
ومضى غنيم قائلاً لـ”الأناضول”: إن “قضايا المعارضين السياسيين ستتأثر وقت تطبيق التعديلات القادمة لا قبلها، حيث لن تُطبق التعديلات بأثر رجعي”.
ورجح أن “المستهدف بشكل كبير من التعديلات هو دعم قانون الاستثمار، بهدف إرسال رسائل إيجابية ومطمئنة للمستثمرين بأن العدالة ليست بطيئة ولا مكبلة، في ظل ما يسمعون عنه من قرارات مصادرة أموال شركات ورجال أعمال بمصر”.
تجريد العدالة من الانحياز
وعلى مقربة من موقف غنيم، رأى الحقوقي المصري، أحمد مفرح أنه “لا يوجد سوابق تشريعية تقول: إن ما سيحدث من تعديلات سيحقق معايير المحاكمة العادلة أو العدالة الناجزة”.
وتابع مفرح، المقيم في جنيف، بقوله لـ”الأناضول”: “بالفعل قانون الإجراءات الجنائية يحتاج إلى تعديلات ليلائم واقع المجتمع ويتوافق مع الدستور، لكن المشكلة أنها تعديلات في عهد لا يحترم القانون، ووقائع الانتهاكات وإهدار حقوق المتهمين والضحايا خير دليل”.
وشدد على أن “تحقيق العدالة يكون بتجريد منظومة العدالة من أي انحياز، وعدم تزاوج السلطة التنفيذية بالقضائية، وليس بتعديلات بعيدة عن رفع المظالم الراهنة”.
وعادة ما تقول مصر: إنها تصون حرية الرأي والتعبير في ظل قضاء مستقل ونزيه، بالتوازي مع مواجهة عمليات إرهابية تزايدت في السنوات الثلاثة الأخيرة، وتستهدف عناصر الشرطة والجيش، لاسيما في شمال سيناء (شمال شرق).