كانت السيدة الأربعينية (ع. أ) تعيش حياة هادئة مطمئنة في العاصمة السودانية الخرطوم، وفجأة – قبل سبع سنوات – توفي زوجها وأصبح عليها إعالة ستة أطفال، في وضع تشاركها فيه آلاف الأسر.
السيدة (ع. أ) طلبت الإشارة إلى اسمها بالأحرف الأولى، تعففاً وحفاظاً على خصوصيتها، حسب “الأناضول”.
ومثلما واجهت قدراً قاسياً، انفتح أمام الأرملة السودانية باب أمل جديد، حين تعرفت عليها منظمة مجتمع مدني طلابية تعمل في مجال كفالة الأيتام.
درست منظمة “رفقة” لكفالة الأيتام حالة الأم، ثم زارت منزلها، وشرعت على الفور في إعادة ترميمه.
وتقول الأم السودانية: “كان اثنان من أطفالي يعانيان فقر الدم (أنيميا)، فقدمت إليهما المنظمة كفالة مالية وأدوية شهرياً”.
وتتابع “وصار يصلنا خروف الأضحية كل عيد، إضافة الى البطانيات وملابس ثقيلة في فصل الشتاء”.
عمل وتسول
حالة (ع. أ) ليست الوحيدة في أطراف العاصمة السودانية، أو بين سكان الأبنية التي ما زالت قيد التشييد، فيوجد بين سكان الخرطوم – المقدر عددهم رسمياً بـ9 ملايين نسمة – ملايين نزحوا من الأرياف والولايات البعيدة، هرباً من الحروب الأهلية وسوء الأحوال الاقتصادية.
اكتظت الخرطوم بالسكان، وانتشر الآلاف من الأطفال المشردين والأيتام في أسواقها وأزقتها الضيقة، يعيشون فقراً مدقعاً وبؤساً لا تغشاه بارقة أمل.
ينتظر هؤلاء من يهتم بهم، سواء عبر مبادرات رسمية أو شعبية، لكنها قد تأتي وقد لا تأتي أبداً، فيزداد حالهم سوءاً.
معظم الأسر الفقيرة تدفع أطفالها إلى سوق العمل، وبعضها تدفعهم إلى امتهان “التسول”، فيما تتركهم أسر أخرى يهيمون في فراغ قد يدفعهم إلى الانحراف أو يلقي بهم تحت رحمة عصابات التحرش الجنسي والمخدرات والسرقة.
ووفق الأمم المتحدة يقع نصف سكان السودان تحت خط الفقر، وهو عدد يزيد عن 15 مليون سوداني، حسب إحصاء عام 2014. ووفقاً للإحصاء نفسه يعيش ربع السكان تقريباً في الخرطوم.
معرض لجمع تبرعات
ولتسليط الضوء على معاناة الأطفال الأيتام نظمت منظمة “رفقة”، الأسبوع الماضي، معرضاً للصور واللوحات التشكيلية، لجمع تبرعات لمن هم في مثل حال أيتام السيدة (ع. أ).
و”رفقة” هي منظمة مجتمع مدني تنشط منذ العام 2005 في مجال كفالة الأيتام وتوفير الكساء والطعام والتعليم لهم وغيرها من الاحتياجات، فضلا عن رعايتهم حتى يصبحوا عناصر فاعلة في المجتمع.
وتقدم “رفقة” كفالة شهرية للأيتام أقل من 18 سنة، وتوزع عليهم حقائب مدرسية ورمضانية، وخراف الأضاحي، وتنظم لهم يوماً ترفيهياً أثناء عطلة المدارس الصيفية.
واستمر المعرض، الذي نظم في مجمع الكليات الطبية بجامعة الخرطوم، لمدة ثلاثة أيام، وشارك فيه عدد كبير من طلاب وطالبات تلك الكليات وغيرها.
وتقول عضو منظمة “رفقة”، أماني عبد الرحيم، لـ”الأناضول”: “هدفنا من تنظيم المعرض هو جمع الأموال، لدعم الأطفال الأيتام”.
فيما توضح المنسق الإعلامي للمشروع، نشوى عوض، أن “العمل الخيري الذي تقدمه (رفقة)، اتسع ليبلغ عدد المكفولين الكلي 350 يتيماً ويتيمة حتى نهاية العام 2014″، حسب “الأناضول”.
حملة شتوية
ومع بداية فصل الشتاء، الذي يدق الأبواب تبذل المنظمة جهوداً حثيثة لتخفف معاناة الأطفال الفقراء والمشردين والأيتام، الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ببطون خاوية؛ بسبب النقص الحاد في الطعام، ليواجهوا البرد والرياح الجافة بلا أغطية.
وتقول نشوى إن المنظمة تتخذ من مجمع الكليات الطبية التابع لجامعة الخرطوم مقراً لنشاطها، وتعمل على إنجاح حملة “الشتاء الدافئ”، وتستهدف تدفئة أكثر من 500 يتيم في 125 أسرة عبر توفير أغطية وملابس.
وتضيف “تدار المنظمة بواسطة مجموعة من الطلاب من مختلف الجامعات والكليات، والبداية كانت مجهودات فردية سبقت نشأة المنظمة، نتج عنها كفالة 5 أيتام”.
وتسعد نشوى ورفاقها في المنظمة بأن “مشروع المنظمة بدأ يثمر بازدياد أعداد المتطوعين للعمل في جمع التبرعات في الخرطوم وأطرافها المترامية”.
وبكثير من الإعجاب تضيف قائلة إن “المشروع لا يتوقف عند مساعدة الأيتام، بل يمتد ليشمل مشروع إعادة إعمار منازلهم التي دمرتها السيول والأمطار”.
حروب وفقر
السبب الرئيس في ارتفاع عدد الأطفال الأيتام والمشردين في الخرطوم، وفق نشوى، هو “الحروب والفقر والأوضاع الاقتصادية المتردية”.
وإضافة إلى تشرد أطفال أيتام وغير أيتام، ترتب على الحروب في ولايات دارفور (غرب)، وجنوب كردفان (جنوب)، والنيل الأزرق (جنوب شرق) أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد، أجبرت آلاف السكان على الهجرة إلى الخرطوم.
وخلَّف النزاع المسلح، المندلع في إقليم دارفور منذ العام 2003 بين القوات الحكومية وحركات متمردة، حوالي 300 ألف قتيل، وأدى إلى نزوح نحو 2.7 مليون شخص إلى خارج السودان وداخلها، وزاد من حالات اليتم بين الأطفال.
وزاد الوضع سوءاً بسبب الحرب التي اندلعت بين القوات الحكومية وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، في جنوب كردفان والنيل الأزرق، عام 2011، حيث تأثر بها زهاء 1.2 مليون شخص، حسب إحصاءات أممية.
أيتام السودان
وفق إحصاءات رسمية يبلغ عدد المشردين في الخرطوم، وأغلبهم من الأطفال، 6 آلاف، لكن تقارير منظمات أهلية تقدر العدد بأضعاف العدد الحكومي.
ولا توجد إحصاءات رسمية دقيقة لأعداد الأطفال الأيتام في السودان، لكن وزيرة الرعاية الاجتماعية، أمل البيلي، ذكرت في فبراير الماضي، أن عدد الأيتام في ولاية الخرطوم وحدها بلغ 60 ألفاً حتى عام 2017، بعد أن كانوا قرابة 56 ألفاً، عام 2013.
وترسم أعداد القتلى في الحروب والفارين منها، والذين هربوا من أسرهم بسبب الفقر، صورة تقريبية عن الأرقام الحقيقية لتشرد الأطفال الأيتام وغير الأيتام في السودان، إذ يبلغ إجمالي عدد الفارين المعترف به دوليا 60 ألفاً.
وتخطط منظمة “رفقة لتعميم أنشطتها في كل ولايات السودان (18)، ولا يعترض أحلامها العريضة بإنقاذ الأطفال الأيتام والمشردين، إلاّ نقص التمويل الذي يعتمد بالأساس على تبرعات أهل الخير.