من ساحة حقوق الإنسان بشارع محمد الخامس بتونس، انطلقت مسيرة مناضلي اعتصام باردو المطالبين بتفعيل العفو العام، واحتجاجاً على ما يصفونه بالتسويف في ملف جبر الضرر إحدى ركائز قانون العدالة الانتقالية، ولا سيما الأمر الترتيبي الخاص بصندوق الكرامة الذي لا يزال ينتظر توقيع رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي سعى المشاركون في المسيرة، ومن ثم الوقفة الاحتجاجية أمام هيئة الحقيقة والكرامة، لتوجيه رسالة له بهذا الخصوص، ولتكسب قرارات هيئة الحقيقة والكرامة صفتها الشرعية التي تحتاج لاستكمال نصابها القانوني، وهو محمول على مجلس نواب الشعب الذي يطالبه المناضلون بتسريع سد الشغور في أقرب وقت ممكن.
سباق مع الزمن
ينتقد المناضلون المشاركون في اعتصام باردو وأنصاره قضاء هيئة الحقيقة والكرامة الكثير من الوقت في تنظيم الاستشارات الوطنية حول أمر بديهي، وهو جبر الضرر، والتدخل في تحديد مسار جبر الضرر وكيفية جبره، لدرجة اقتراح إقامة مشاريع تحت إشراف الهيئة أو تحويل جبر الضرر الفردي إلى الجهوي بمعنى جبر ضرر الجهة الضحية هو جبر للفرد الضحية وهو تداخل غير مسبوق ومحرف لقيمة جبر الضرر الذي يطالب به الضحايا وله سوابق في تجارب إقليمية ودولية أخرى.
واحتجاجاً على ما وصفوه بسياسة التلكؤ والتسويف التي يقولون: إن هيئة الحقيقة والكرامة ورئيستها سهام بن سدرين، تعتمدها في التعامل مع ملف ضحايا الاستبداد، ينظم المشاركون في اعتصام باردو الذي مر عليه أكثر من عام ونصف العام، وقفات أمام مقر هيئة الحقيقة والكرامة كل يوم خميس، وهي لا تزال مستمرة حتى بعد المصالحة الداخلية للهيئة إن صح التعبير، حيث يعتبرون ما تم من خلافات صلب الهيئة حول آليات التسيير مشكلة داخلية للهيئة، وما يهمهم هو قانونية القرارات التي تتخذها الهيئة من حيث نصاب الثلثين، وتفعيل مرسوم العفو العام، أول مرسوم صادر بعد الثورة، إلى جانب كل ما تضمنه قانون العدالة الانتقالية الذي نص على جبر الضرر وإعادة الاعتبار للضحايا، وحفظ الذاكرة الوطنية، بتوثيق جرائم الاستبداد، ومعاناة الضحايا، ثم المحاسبة، والمصالحة.
إنجازات ولكن دون المأمول
أكثر من ثلاث سنوات مرت على إقامة هيئة الحقيقة والكرامة التي أدى أعضاؤها اليمين الدستورية في 6 يونيو 2014 وحملت على عاتقها كشف الحقيقة، ومساءلة الجناة ومحاسبتهم، وجبر ضرر الضحايا، ورد الاعتبار وإصلاح المؤسسات، والمصالحة، واستعادة الكرامة، وقد تم خلال هذه الفترة تحقيق الكثير وبقي الكثير، كما شهدت التجربة اختلافات وعثرات، من الإنجازات إجراء أكثر من 40 ألف جلسة استماع سرية، وأكثر من 10 جلسات علنية كشفت الكثير من أسرار القمع والتعذيب وتزوير الانتخابات، وأجرت الهيئة العديد من الاستشارات، وأنجزت العديد من الأفلام الوثائقية عن الفترة الممتدة من عام 1955 وحتى عام 2013.
بيد أنه لم يتم حتى الآن تمرير أي ملف عن جبر الضرر إلى اللجنة المكلفة بذلك وفق رئيسة الهيئة سهام بن سدرين، نفسها، ولم يتم الاطلاع على الملفات المودعة بوازرة الداخلية، كما تشكو محاكمات المتهمين نوعاً من الجمود بل صمت القبور كما تؤكد الحيثيات، وهناك العديد من المناضلين الذين توفوا ولم يشهدوا ثمار العفو العام وحصاد هيئة الحقيقة والكرامة، وحصل هناك اختلال في ترتيب حلقات العدالة الانتقالية فتقدمت المصالحة على غيرها، والحديث عن الضحايا ومعاناة الضحايا و”فنفنة” قضيتهم بتعبير أحدهم أي وضعها في قالب فني “أفلام” و”شرائط وثائقية” على جبر الضرر المادي، ويتساءل مراقبون عما إذا كانت الهيئة ستنجز في 7 أشهر ما عجزت عنه في أكثر من ثلاث سنوات؟ وإذا كانت قادرة على ذلك لماذا لم تنجزه في الفترة الماضية؟
مما لا شك فيه أن هناك وقتاً طويلاً تم إهداره، وإنجازات معتبرة تم تحقيقها، وكان بالإمكان تحقيق أكثر من ذلك، ومما لا شك فيه أيضاً أن الهيئة ستحتاج للعام الإضافي الممنوح للهيئة لاستكمال ما لم يتم استكماله حتى الآن، إذا أريد للعدالة الانتقالية أن تحقق جميع أهدافها المذكورة، وقد أجرت الهيئة استشارة قانونية حول مسألة النصاب لكنها في حاجة لاستشارة المحكمة الإدارية في الموضوع محل النظر والحكم، كما أنها مسؤولية مجلس نواب الشعب، والحكومة.
عام ونصف عام تقريباً مر على اعتصام باردو، وأكثر من 50 وقفة احتجاجية نفذها المشاركون فيه أمام هيئة الحقيقة والكرامة ومقر الحكومة في القصبة، وقد أضافوا شكلاً آخر من النضال وهو المسيرات مهددين بأشكال أخرى إذا لم يستجاب لمطالبهم.