الحرب على أشدها، ونحن العرب وقودها، وديارنا مسرحها، ودماؤنا مهرها، ومقدراتنا ثمنها.
وبرغم أننا القاتل والمقتول، الجاني والضحية، فجمهور العرب يصفقون ويهللون ولا يدرون علام يقاتلون؟!
إنها صيحة حرب أطلقها بوق كبير، فتلقفتها أبواق صغيرة، تردد صداها في بلادنا: “الحرب.. الثأر.. الإرهاب..”.
حرب تدور، ومع كل قطرة دم تسقط من مواطنينا، تدور عجلة الاقتصاد هناك عند البوق الكبير، تدور الماكينات في مصانع السلاح، ويتم تجريب السلاح الجديد وتطويره، وإعادة بيعه لأطراف النزاع جميعاً!
مع كل صاروخ يحترق به بئر نفط عندنا، تعمل وراءه بورصات سوق النفط لتصب الأموال عند البوق الكبير، ثم ندفع نحن أجور خبرائه لإطفاء الحرائق وإعادة التشغيل! وهكذا.
دماؤنا تسيل، ممتلكاتنا تُدمر، آثارنا تُسرق، والأبواق الصغيرة هنا على شاشات التلفاز، وعلي صفحات الجرائد، لا تسمع منهم إلا صيحة واحدة: “الحرب.. الثأر.. الإرهاب”.
أين صوت العقل؟ أين الكُتَّاب والمفكرون والسياسيون الذين يُشَّخصون أمراض هذه الأمة ويحددون أسبابها وطرق علاجها؟
ستجدهم إما مُغَّيبون خلف جدار الخوف أو السجن.
وإما كورال في فرقة موسيقية رخيصة يرددون بأمانة النوتة الموسيقية الموزعة عليهم، وأبصارهم متحجرة في اتجاه عصا المايسترو وهم يرددون “الحرب.. الثأر.. الإرهاب”.
أين الحديث عن بيئة الظلم والقهر وسوء توزيع الثروة والبطالة والتهميش واليأس من التغيير السلمي؟
أين الحديث عن العلاج بالإصلاح السياسي ومقاومة الاستئثار بالسلطة والثروة؟
ليس لها مكان في النوتة الموسيقية، والكورال لن يقبض ثمناً إذا شذ عن النوتة الموسيقية وانحرفت عيناه عن عصا المايسترو!
وأين الشعوب؟!
إنهم هناك.. في مكان قصي بعيد.. في مقاعد المتفرجين.. منهم من يبكون بحرقة على حال أُمَة يأكل بعضها بعضاً، وكثير منهم يهللون ويطبلون طرباً من أداء الكورال.
يا سادة يا كرام، يا جمهور المتفرجين المحترمين، يا من تصفقون وتهللون وراء الكورال:
إنهم أشعلوا الحرب في قلوبنا وعقولنا قبل أن يشعلوها على أرضنا.
ولو اتسعت بالحب قلوبنا، واستنارت بالوعي عقولنا، واستقامت على طريق الحق والعدل خطانا.. لما ضاقت علينا ديارنا، ولما صرنا نهباً لأعدائنا.