«وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ» (البقرة: 251).
قبل أسبوع كان الحديث عن التطبيع مع العدو الصهيوني يكاد يملأ الصحافة الخليجية والعربية، ومن شدة الزخم الإعلامي الرسمي في الحديث عن الاعتراف بالكيان “الإسرائيلي” كان الجميع ينتظر «من يعلّق الجرس أولاً» ويفتتح الباب لتدشين مرحلة جديدة من التخاذل العربي ودفن قضية العرب والمسلمين الأزلية في مقابر الذل والعار.
واليوم، يشاء الله عز وجل أن يعيد القضية إلى المربع الأول، ويُنطِق هذا الأهوج، ويصدر البيت الأبيض قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ويعيد المشاعر الإسلامية الجياشة إلى مسارها الطبيعي، وتدبّ الأرواح في الأجساد الميتة، وتتجدد مظاهر العزة والكرامة في الشوارع والمنابر ووسائل التواصل الاجتماعي ردّاً على هذه الخطوة المفاجئة، التي اعتبرها المسلمون إهانة لهم وجرحاً لكرامتهم.
هذه الأحداث المتسارعة خلطت الأوراق عند معسكر التطبيع التآمري، وشعروا اليوم بالحرج الشديد أمام شعوبهم في مواقفهم المتخاذلة، وظهروا بمظهر من باع قضيته بأبخس الأثمان، وتورّط معهم كتّابهم الذين قبضوا المقدّم لتزيين التطبيع، ولم يتبق لهم إلا قبض المؤخر، وها هي مقاومة التطبيع تندلع من جديد في كل الوطن العربي، وأعلن إسماعيل هنية انطلاق انتفاضة جديدة في الأراضي الفلسطينية، بعد أن كادت المقاومة لليهود تصبح من الأعمال الإرهابية التي يعاقب عليها القانون، لِمَ لا وقد أصبحت «حماس» مؤخراً رائدة الإرهاب، وأصبح التخابر معها مستحقّاً للسجن المؤبد والإعدام!
ولكن «وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ»، اليوم وبين عشيةً وضحاها ينقلب السحر على الساحر، وتتداعى الأمم، كل الأمم إلى الانتصار للقدس، وتتسابق المنظمات والدول للاستنكار والإنكار، فها هي جامعة الدول العربية، والبرلمان العربي، ومجلس التعاون الخليجي، وكل الدول العربية، بما فيها مصر والأردن ودول الخليج، تصدر بيانات الاستنكار والشجب، وتكتمل الصورة الرائعة بتسابق الدول الأوروبية والآسيوية إلى الاستنكار واعتبار القرار الأمريكي مخالفاً للقوانين والأعراف الدولية.. ويأتيني الآن وأثناء كتابة هذا المقال قرار مجلس الأمن الدولي برفض الخطوة الأمريكية وإدانتها.
والله، ثم والله، لو أن أحدنا حاول قبل القرار الأمريكي أن يستنكر ما كان بعض دولنا تخطط له لما سمع له أحد.
ووالله، ثم والله، لو أن بعضنا حاول التجمع لمقاومة التطبيع لما سُمح له، لكن إرادة الله تعالى غلابة، ها هي القوى السياسية الكويتية بمختلف مشاربها تتداعى اليوم للاعتصام في ساحة الإرادة شجباً للتطبيع وتأكيداً لهوية القدس العربية والإسلامية.
والحمد لله الذي هو على كل شيء قدير، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
ينشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.