أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الصهيوني، قلق الفلسطينيين في القدس على مستقبل مدينتهم، ووضعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ويبلغ عدد الفلسطينيين في القدس، الحاملين للهويات (تصاريح إقامة) “الإسرائيلية” الدائمة، حسب الإحصاءات الرسمية “الإسرائيلية” الأخيرة التي صدرت في مايو الماضي، 324 ألف فلسطيني.
ويشكّل الفلسطينيون حسب الإحصاءات 37٪ من سكان مدينة القدس، بشقيها الغربي والشرقي.
ولم تصدر الجهات الرسمية “الإسرائيلية” إحصائيات خاصة بمدينة الشرقية المحتلة، كونها تعتبرها جزءًا من “القدس الموحدة”.
ويعاني سكان المدينة العرب، من صعوبات جمّة، جراء الإجراءات “الإسرائيلية” في المدينة.
ويقول السكان: إن البلدية “الإسرائيلية” في المدينة تمارس “سياسة عنصرية تجاههم”، حيث ترفض غالباً منحهم رخصاً للبناء، كما تعمل المنظمات الاستيطانية اليهودية على شراء المنازل، والسيطرة على بعضها تحت ذرائع عديدة.
خطة التهجير
ويرى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري أن لقرار ترمب الأخير عدة أبعاد، قد تؤثر على حياة المقدسيين، لكنه في الوقت ذاته قد يؤدي إلى تغيير بعض المعادلات السياسية.
ويقول الحموري: إن “إسرائيل” كانت تنتظر بفارغ الصبر الاعتراف الأمريكي الرسمي بالقدس كعاصمة لها، حتى تبرر مشروعها الضخم بطرد أكثر من 200 ألف فلسطيني من القدس، وضمّ أكثر من 300 ألف مستوطن إليها.
وأضاف: في حال نفذت “إسرائيل” هذه الخطة ستنخفض نسبة الفلسطينيين في مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي من 37٪ إلى 6 أو 7٪، وسيشكلون ما نسبته 20٪ فقط من سكان القدس الشرقية.
وأشار إلى أن الاحتلال بقرار ترمب أو بدونه، كان يمضي في خطة تهجير الفلسطينيين من القدس وتهويدها، لم يكن يردعه أي شيءٌ، إلا أنّ الاعتراف الأمريكي سيشجعه للتسريع من وتيرة خطة التهجير، وعزل بلدات ومناطق فلسطينية، وسحب الإقامات من سكانها”.
وتابع حديثه: “الفلسطينيون الذي يحملون هويات (تصاريح إقامة) دائمة في القدس، يبلغ عددهم الآن قرابة 320 ألف نسمة، “إسرائيل” تسعى لخفض هذا الرقم إلى أقل من 100 ألف نسمة”.
واستبعد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن تقدم “إسرائيل” على إعطاء الفلسطينيين في القدس جنسيات إسرائيلية”.
عزلة دولية
وحول البعد الدولي لقرار ترمب، يرى الحموري أن “الرفض العالمي الموحد ضد قرار ترمب، أدى إلى عزلة دولية للولايات المتحدة و”إسرائيل”، ما قد يغير معادلة القضية الفلسطينية بشكل عام، وقضية القدس بشكل خاص”.
ويعتقد الحموري أن الوضع الدولي سياسياً للولايات المتحدة هو “الأسوأ في تاريخها، فهناك بوادر خطوات فعلية ضدها، وهناك إجماع عالمي ضد القرار، كما أن معظم الدول اعتبرته ضمن إطار التهور والبلطجة”.
ويؤكد رئيس لجنة أهالي الأسرى في القدس (غير حكومية)، أمجد أبو عصب أن قرار ترمب “تمهيد واضح لتنفيذ “إسرائيل” خطتها بتهجير الفلسطينيين من المدينة”.
ويشير أبو عصب إلى أنه في حال تنفيذ هذه الخطة، ومنح الفلسطينيين جنسية “إسرائيلية”، فإن الأحكام القضائية بحق المعتقلين الفلسطينيين في القدس ستصبح مضاعفة، لأنهم سيعاملون معاملة “الخائن”.
ويرى أبو عصب أن التعليم والاقتصاد والأوضاع الاجتماعية في المدينة، ستتأثر على نحو سلبي، بسبب قرار الرئيس الأمريكي.
وأضاف: أعتقد أن قرار ترمب سيزيد من وقاحة “إسرائيل” أمام المجتمع الدولي، وحتى أمامنا، إلا أننا كفلسطينيين في القدس تعودنا على بطش الاحتلال، لا ننتظر منه معاملة حسنة، فهو في النهاية احتلال، وعلينا أن نواجهه كما واجهناه في السابق”.
بدوره، يرى الباحث الفلسطيني طارق البكري، أنه ليس متخوفًا من تعامل الاحتلال مع القدس كعاصمة.
وأضاف البكري: “منذ سنوات طويلة يتعاملون معها كعاصمة، لكنني متخوف على وضعنا الاجتماعي والاقتصادي كسكان مقدسيين”.
وأضاف البكري، وهو صاحب مشروع (كنا وما زلنا) لتوثيق القرى الفلسطينية المُهَجّرة: “أي إجراء ستقوم به السلطات “الإسرائيلية” ضدنا كفلسطينيين في القدس، سيكون مبررًا لهم بعد اعتراف ترمب”.
وتابع البكري: “من بين هذه الإجراءات، عزل أحياء فلسطينية عن مدينة القدس، وسحب هويات الإقامة الدائمة”.
وقال: إن القرار سيؤثر على الأفراد بشكل أكبر من المدينة، لأن المدينة تعاني من التهويد من قبل القرار بسنوات طويلة”.
تبعات سياسية
أما أستاذ القانون في جامعة بيرزيت، المحامي محمود أبو صوي، الذي يعيش في حيّ بيت حنينا بالقدس، فيعتقد أنه على الرغم من أن إعلان ترمب لا يترتب عليه أي تبعات قانونية فإن له “تبعات سياسية كبيرة”.
وأضاف: “ستستغل “إسرائيل” تداعيات القرار لتنفذ سياستها الاحتلالية والتمييزية ضد الفلسطينيين في القدس، وزيادة حدة ممارساتها بحقهم”.
ويقول أبو صوي: “أنا كفلسطيني أعيش في مدينة القدس، أصبحت خائفًا على مستقبل أبنائي”.
وتابع: قد تحاول “إسرائيل” فرض التجنيد الإجباري في المستقبل علينا بحجة أن القدس جزء من “إسرائيل”، ومواطنوها جزء من سكان “إسرائيل”.
وأضاف: “اعتراف ترمب سياسي بامتياز، وما يعطيه هذا الزخم والأهمية، كون أمريكا دولة عظمى، ولديها مقعد دائم في مجلس الأمن”.
أما الناشط بشار المشني، يعتقد أن “إسرائيل” كانت تنتظر قرار ترمب حتى تمهد إلى المرحلة المقبلة في مخططها الصهيوني، وهو تفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين، وتخفيض عددهم إلى نحو 80 ألف فلسطيني، يكنون بالولاء لـ”إسرائيل”.
ويرى المشني أن “إسرائيل” ترى في هؤلاء الفلسطينيين جنودًا في الجيش “الإسرائيلي”، لكن الإصرار الشعبي الفلسطيني في المدينة، لن يجعلهم يصلون إلى مبتغاهم.
وقال: مواجهة هذا المخطط “الإسرائيلي” يكون في صمود وإصرار الشعب.
أما الصحفي محمد.ع الذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل، لخشيته من تعرضه لسحب هويته المقدسية (تصريح إقامة دائم وليس جنسية)، كونه يعيش في بلدة أبو ديس شرقي القدس، والتي تقع خارج جدار الفصل “الإسرائيلي” يقول: إنه بات يخشى من سحب هويته وأفراد عائلته.
وأضاف: بعد قرار ترمب الأخير، نخشى بشكل أكبر من سحب هوايتنا، كوننا لا نعيش داخل الجدار الفاصل، والبلدات الفلسطينية في القدس، التي تقع خارج الجدار مهددة بالعزل عن المدينة، وعزل سكانها أيضًا.
ويضيف: أنا كفلسطيني ترعرعت ودرست في المدينة، أصبحت مهددًا بأن أمنع من دخولها في حال سحبت هويتي، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أسكن داخلها حالياً، لأن إيجارات السكن مرتفعة جدًا تتجاوز 3 آلاف شيكل (800 دولار أمريكي) للشهر الواحد”.
من ناحيتها، ترى المقدسية نغم ياسين، أن قرار ترمب بجعل القدس عاصمة لـ”إسرائيل خطير جدًا، ومدروس بعناية وسيترتب عليه العديد من الآثار السلبية على المقدسيين.
وتعتقد ياسين أن هذا القرار يهدف إلى شرعنة وتعزيز الخطة “الإسرائيلية” لنسف الوجود الفلسطيني في المدينة، لأنها (إسرائيل) تعي جيدًا أن الصراع “ديموجرافي”.
وتضيف: لذا “إسرائيل” ستستخدم قرار ترمب كسلاح لتسريع وتيرة تهجير المقدسيين في المدينة.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في خطاب متلفز من البيت الأبيض، الأربعاء الماضي، اعتراف بلاده رسمياً بالقدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة للاحتلال الصهيوني، والبدء بنقل سفارة واشنطن إلى المدينة المحتلة.
وأدى القرار إلى موجة إدانات واحتجاجات متواصلة في العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية، وسط تحذيرات من تداعياته على استقرار منطقة الشرق الأوسط.
ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة ضمن أي حل مستقبلي.