يتسارع توالي الأيام، وتتسابق لحظات المرء، نحو ساعات يشبه بعضها بعضا، وتشتد غفلة الإنسان مع متطلبات شئونه الحياتية، فلا يفيق إلا بعد ما طويت مراحل من عمره مهمة، فيندم عندئذ ندما كبيرا، ويتمنى أن لو أيقظه موقظ أو صرخ في وجهه ناصح.
وهذا في الواقع يحصل لكل أحد، فلا أحد ينجو من الغفلة، ولا أحد يهرب من التأثر بدوامة الحياة، ولكن ثمة لحظات صدق تائبة، ونوبات خشوع صادقة تتلمس شغاف القلب المنيب إلى ربه، يحاسب فيها نفسه، ويجدد فيها العهد.
إن حياة القلوب هي من أهم عوامل التربية الحقيقية للإنسان والتي من أجلها يستطيع أن يرسم الإنسان طريقه، ويحدد غايته وأهدافه، ولذا لابد من تفاعل التربية مع قلب الإنسان لتجعل منه شخصا ربانيا، حتى تستطيع أركان القلب أن تستقيم مع استقامة البيوت التي أصبحت أركانها تهتز بعنف مما يحدث فيها من غربة.
لبيت أسس على التقوى
اهتمَّ الإسلام بالأسرة والبيت المسلم؛ لأنها نواة المجتمع الإسلامي، والمحضن التربوي الأصيل، والخليَّة الأولى التي يَفتح الطفل عينيه عليها؛ وفيها تعيش الأسرة جزءًا كبيرًا من حياتها.
فإذا صلحَت الأسرة صلح المجتمع الإسلامي؛ ولذا يجِب الاعتناء بالبيت المسلم بتهيئته لحياة سعيدة، يملؤها الإيمان والمحبَّة، وجعلها مسجدًا للعبادة، ومعهدًا للعلم، وملتقًى للفرح والسعادة
إن الإسلام اعتنى بالأسرة منذ بدء تكوينها، فوضع الأسس والقواعد التي يعتلي عليها البناء الشَّامخ القوي الذي لا يهتز أمامَ رياح المشاكل، وعواصف الأزمات.
فما من زواجٍ يبنى على طاعة الله ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه، إلا ويتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، وما من زواجٍ يبنى على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح، إلا ويتولى الشيطان التفريق بينهما.
ولهذا قال الله تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ](الروم: 21).
فقواعد البيت المسلم التي قام عليها هي السكن والمودة والرحمة وهى نعم وهبات يهبها الله لعبادة ويثبتهم عليهم إذا أحسنوا استعمالها، وتزول عنهم إذا أساؤوا التصرف فيها.
لقد جعل الله تعالى البيوت سكنا يأوي إليها أهلُها، تطمئنُّ فيها النفوسُ, وتأمن فيها الحرمات، وتستر فيها الأعراض، ويتربَّى في كنفها الأجيال، وهو – سبحانه وتعالى – يريد بذلك من البيوت أن تكون قلاعَ خير ومحبة ووئام، وحصون بر وحنان وأمان, وديارَ خير وفضيلة وإحسان.
لمبة حمراء
انطلقت لمبات حمراء تضرب في جنبات البيوت معلنة بصراخها العالي جرس إنذار محذرة من عوامل الهدم التي تنخر فيها والتي للأسف أدت لانهيار العديد من هذه البيوت وتزحف لالتهام البقية بسبب انتشار وتوغل داء الغربة الذي انتشر في البيوت بسبب ما خلفه فضاء خيالي هو فضاء التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية.
فترى الزوج والزوجة في نفس الغرفة ويمكن على نفس الأريكة، لكن كل منهما مشغول إما “باللاب توب” أو “الموبايل”، يتصفح الإنترنت وتستوقفه الرسائل والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي” هذا هو المشهد الآن داخل البيوت بعد اقتحام عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مجتمعاتنا، فبدلا من أن تثار النقاشات والقضايا ويبدأ كل طرف في سرد تفاصيل يومه للأخر، أصبح الصمت هو سيد الموقف وتوفير الوقت والمجهود للهواتف ومواقع التواصل مع الآخرين هو الهدف الأعظم والأسمى من التواصل فيما بينهما، ويقال أن: «وسائل التواصل ألغت التواصل».
حتى وصل الحال بمن يقول: النقاش بيني وبين زوجتي على أي تفاصيل في حياتنا عادة ما ينتهي بالنزاع والخناق، في حين أنني أجد سعادتي بمتابعة أصدقائي والتوتات الخاصة بهم.
وللأسف إن الكثير من النساء بتن يكشف أمورهن المنزلية وحياتهن الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فتقوم بتصوير كل شيء في بيتها، ومتى غضبت من زوجها، ومتى آخر مشكلة مع حماتها أو سلفتها.
إن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي باتت تطغى على إيجابياته، نظراً لسوء استخدام الأفراد لها، فنتج عنها أضرار صحية ونفسية واجتماعية وغربة منزلية.
لقد أصبح عدم توفر نت أو تعذر الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي يسبب لدى الأفراد الإحباط والضيق الذي ينعكس على تصرفاتهم سواء الزوج أو الزوجة والأولاد أو الناس مما زاد من رقعة الغربة.
كما أنه يؤدى لانسحاب الإنسان عن المجتمع المحيط به، مما يؤدي إلى عزلته عن محيطه، فيؤدي ذلك لإصابته بالاكتئاب وأحياناً الكذب واللامبالاة فضلاً عن انخفاض المستوى الدراسي خاصةً للطلاب.
لقد ساهمت مواقع التواصل في ظهور سلوكيات ومصطلحات تبدو غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأصبح من السهل على الرجال والنساء التحدث إلى بعضهم البعض بلا حواجز أو وسائط، فألغت صلة الأرحام والاهتمام بالمناسبات الدينية وعدم التواصل فيها واقعيا.
كبسولة علاج
لكل داء دواء فهذا من نواميس الكون لكن إذا أحسنا التوكل على الله وتوفرت القناعة لدى كافة الأطراف بأن لكل استخدام إيجابيات وسلبيات.
مع توافر مساحات الحوار بناء حوار بناء داخل الأسرة، حيث أن البعض يلجأ للحوار على العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي نظراً لعدم إمكانية حديثه للأهل والفضفضة لهم لعدم وجود مساحة ووقت للأهل.
وليس ذلك فحسب بل يجب التقليل من قضاء الأوقات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الإفراط في استخدامها يؤدي إلى الشعور بعدم الاكتفاء الزوجي؛ الأمر الذي قد يزيد وتيرة المشاكل ويرفع من احتمالات الطلاق.
أيضا لابد أن يراعي كلا الزوجين شريكه، ويحرص على نزع فتيل أي شك أو استياء بإعادة بث روح الثقة، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بتقليص حجم وأهمية هذه الوسائط في حياتنا أولًا، ثم بالالتزام بالضوابط الشرعية والحياء ثانيًا.
الخوف من الله عز وجل واستحضار رقابته في كل لحظة ودقيقة يكون فيها الإنسان متصلًا بالشبكة، مؤكدًا ضرورة وضوح الهدف من الدخول والمشاركة والالتزام بالضوابط الشرعية.
لقد صرخ بها الدكتور فيل-الطبيب النفسي الأمريكي الشهير- حينما قال:(اعملوا على استعادة التواصل بين الأشخاص الحقيقيين). فهل من مجيب؟