كانت الأجواء هادئة، لكن قلوب الأمهات تغلي، وعيون الأطفال محمرة من البكاء، والرجال ينتظرون على شغفٍ ومنهم من يُجهز رصاصاته استقبالاً للشهيد، وما أن وصول للبيت انقلبت أجواء الهدوء إلى عاصفة من التكبير والتهليل والزغاريد، وعلت رصاصات الرجال في السماء تعبيراً عن الغضب.
مشهدٌ يتكرر في منازل الغزيين للجمعة الثانية على التوالي، لكن هذه المرة في منزل يعود لعائلة سكر شرق حي الشجاعية بمدينة غزة، حيث وداع ياسر شهيد “جمعة الغضب الثانية” على الحدود الشرقية للحي، رفضاً لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”.
دموع أُم ياسر جفت والنساء من حولها لم يتوقفن من الزغاريد بعد نظرة الوداع، وسيل جارف من الرجال والشباب يتبعون موكب الشهيد ياسر إلى مثواه، وقبل مغادرة المنزل استوقفنا عمه “أبو الأمير” بقوله “لو مات كل أبناء عائلة سكر لن يمر قرار ترمب”.
“ياسر يبلغ من العمر 23 عاماً، له شقة ويعمل في التجارة وأمور الحياة ميسرة له ولم يشتكي من شيء، يسعى ويرغب كجميع الشباب في تكوين بيت الزوجية، وصاحب ابتسامة هادئة، وكان هدفه العيش بحياة آمنة وسعادة واستقرار إلى جانب أهله كباقي شباب فلسطين” أضاف أبو الأمير.
وأمضى يقول: صباح يوم جمعة الغضب الثانية كان آخر لقاء معي لياسر وأخر كلامه: “أنا طالع ومش راجع، راح استشهد وصلوا علي الجنازة في المسجد العمري الكبير وادفنوني بسرعة”، مؤكداً أنه أيقن نية ياسر لنيل الشهادة في سبيل الله والوطن والقدس عاصمة فلسطين الأبدية.
وأشار إلى أن ياسر يحب وطنه ويعشق القدس وكان قرار ترامب وقود للثورة ونار الغضب في قلب ياسر وهذا ما دفعه للمشاركة في المواجهات مع الشبان على الحدود الشرقية لمدينة غزة كل يوم وكان هدفه إم أن يتراجع ترامب عن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” أو ينال الشهادة من أجل القدس.
وأكد أبو الأمير أن عائلة سكر مستعدة كل يوم أن تُشيع جثمان شهيد من أجل القدس عاصمة فلسطين، وشدد على أن مدينة القدس لا أحد يستطيع أن يمنحها للكيان “الإسرائيلي” لا أمريكيا ولا أي دولة عربية ومصير القدس بيد الشعب الفلسطيني الثائر.
وكان ياسر استشهد برصاص قناص “إسرائيلي” في المواجهات التي اندلعت قرب موقع ناحل العوز شرق حي الشجاعية مساء يوم الجمعة (15/12/2017) واستشهد ياسر إلى جانب رفيقه بالمواجهات الشهيد المقعد إبراهيم أبو ثريا.
يذكر أن المواجهات بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال “الإسرائيلي” بدأت بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” الأمر الذي أشعل الغضب في قلوب الغزين ودفعهم لمواجهة الاحتلال بالحجارة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة.
ومنذ أن اعلان ترامب يوم الأربعاء تاريخ (6/12/2017) بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” استشهد 11 مواطناً في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، فيما أصيب حتى اليوم 3 آلاف مواطن برصاص الاحتلال وقنابل الغاز المسيل للدموع.