“أنا راجع.. مش مطوّل (لن أتأخر)”.. عبارة يهمس بها النائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني حسن يوسف للمعتقلين، قبيل الإفراج عنه من كل اعتقال يتعرض له على يد جيش الاحتلال الصهيوني.
فسنوات عمره الـ63، ومنصبه نائباً في البرلمان، لم يشكلان له حصانة أمام الاحتلال، الذي يعيد اعتقاله من جديد، ويبدأ عدّاد الزمن بإضافة شهور وسنوات أخرى، لـ21 عاماً، أمضاها يوسف خلف القضبان.
وكانت آخر مرة اعتقل الاحتلال فيها يوسف، في 13 ديسمبر الجاري، بعد اقتحام منزله في مدينة رام الله (وسط الضفة).
وبعد أيام من اعتقاله (19 الجاري) أصدرت محكمة قرار بسجنه 6 شهور إدارياً (دون محاكمة).
وكان يوسف كذلك، ضمن 415 من قادة حركتي “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”، أبعدهم الاحتلال إلى جنوب لبنان، نهاية عام 1992، واستمر إبعاده لمدة عام كامل.
ويعد النائب الفلسطيني أحد أبرز قيادات حركة “حماس” بالضفة الغربية، وناطقاً باسمها، ما جعله هدفاً متكرراً أمام الاحتلال.
يقول أويس نجل يوسف: منذ عام 1971م، وأبي يُعتقل باستمرار، حتى وصلت مجموع اعتقالاته لـ21 عاماً متفرقة.
ويضيف لوكالة “الأناضول”: بين اعتقال وآخر، لا يمضي والدي سوى بضعة شهور معنا، حتى يعيد الجيش الصهيوني اعتقاله.
ويوسف، أب لتسعة من الأبناء، وجدٌّ لعدد آخر من الأحفاد، معظمهم ولدوا وكبروا دون أن يجتمعوا كثيراً بجدهم، كبقية الأطفال.
ويحمل القيادي شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية، وعمل إماماً وخطيباً في المساجد بالضفة الغربية.
ويستهدف الجيش الصهيوني في اعتقالاته ناشطين وقادة فلسطينيين، بهدف الحد من تأثيرهم وتحريض المحيطين بهم ضد الاحتلال، بحسب مراقبين.
“أنا أسير بطريق لا رجعة فيه”، عبارة كان يرددها الشيخ على مسامع أبنائه وعائلته، كما يقول نجله.
ويضيف أويس وهو الابن الرابع ليوسف: أقلمنا حياتنا مع غياب الوالد، رغم المرارة التي نشعر بها خلال اعتقاله، لكننا نحتسب ذلك عند الله تعالى.
وكان المحققون الصهاينة يقولون للشيخ خلال اعتقالاته: “أنت من الأشخاص الذين لن نسمح لهم بالبقاء خارج السجن أكثر من ستة شهور”، وهو ما يحدث بالفعل، بحسب أويس.
ويضيف: والدي لم يعش معنا حراً طليقاً لأكثر من أربعة شهور متواصلة منذ عام 2005 حتى الآن.
وانتخب يوسف نائباً بالمجلس التشريعي عن حركة “حماس”، خلال الانتخابات التي جرت عام 2005، وكان حينها معتقلاً، وقد حصل على أعلى الأصوات في رام الله.
ولعل أبرز المحطات في حياة القيادي الفلسطيني حسن يوسف، عندما تبرأ من ابنه البكر مصعب، الذي تخلى عن الإسلام، وتحوّل إلى الديانة المسيحية، واعترف بتعاونه مع الاحتلال عام 2010م، ورحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولاقى يوسف الذي كان معتقلاً آنذاك، وعائلته، تضامناً من الكثير من أطياف الشعب الفلسطيني والإسلامي، بعد أن أعلن براءته من نجله.
من جانبه، يقول الصحفي والمعتقل المحرر من سجون الاحتلال، أحمد البيتاوي، الذي عاشر الشيخ حسن يوسف في أحد الاعتقالات: إن الأخير يبقي أغراضه أمانة في السجن لدى خروجه، لعلمه أنه سيعود قريباً.
ويضيف البيتاوي، في تغريدة نشرها على صفحته في موقع “فيسبوك”، عقب اعتقال يوسف الأخير:” الشيخ يُبقي ملابسه وأغراضه في السجن، مذياعه، مسبحته الطويلة، طاقيته الشتوية البنية، قشطه (حزامه) البالي، ساعته السوداء وغيرها، يضعها في حقيبة، ويحتفظ بها في مخزن قسم 12 في سجن عوفر، ويكتب عليها اسمه من الخارج، وفي يوم الإفراج عنه يهمس في أذن الأسرى دوماً: “راجع.. مش مطوّل”.
ويضيف: أمضى الشيخ أكثر من 20 عاماً في سجون الاحتلال، من بينها إبعاد إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992.
وتابع: بمجرد الإفراج عنه يعود إلى سيرته الأولى، لا يترك مناسبة وطنية أو اجتماعية أو دينية إلا وتجده أول الحاضرين، سيارته وكما أخبرني بعض شهود العيان، مليئة دوماً بالسكر والأرز، يضعها عند باب كل محتاج.
ومن خلال معرفته له في السجن، يصف الصحفي الشيخ بأنه “خفيف الظل، يمتلك روح دعابة ونفساً طيباً في إعداد الطعام، يشرف عليه ويعده بنفسه كل يوم دون كلل أو تعب”.